من المخصصات المتصلة “الاستثناء”، فهل لا يصح الاستثناء به إلا إذا كان الكلام متصلًا؟


يقول السائل: من المخصصات المتصلة “الاستثناء”، فهل لا يصح الاستثناء به إلا إذا كان الكلام متصلًا؟

يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن المخصصات من العموم في كلام الأصوليين نوعان:

النوع الأول: المخصص المتصل.

والنوع الثاني: المخصص المنفصل.

ومن المخصصات المتصلة “الاستثناء”، وهو التخصيص بحرف “إلا” وبأخواتها.

والمراد بالاستثناء: هو كقول القائل: دخل الرجال إلا عمرًا، ومن ذلك قول الله –عز وجل- : {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر:1-3].

فكل بني آدم في خُسرٍ إلا الذين اتصفوا بهذه الصفات الأربعة، وهذا يسمى استثناء متصلًا.

والذي قرره علماء المذاهب الأربعة أنه لابد أن يكون الاستثناء متصلًا، ولا يصح أن يتكلم في كلام، ثم ينتقل في كلام آخر، ثم يرجع، ويستثني الكلام الأول.

وفي المسألة قول ثان، ذهب إليه الإمام أحمد في رواية، وهو قول عند الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يصح الاستثناء، ولو كان الكلام غير متصل، ولكن الكلام لا يزال كلامًا واحدًا.

ومن ذلك: ما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر مكة، قال: «لا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها، قال العباس: إلا الإذخر، فإننا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر».

ففي هذا الحديث استثنى النبي صلى الله عليه وسلم بعد سؤال العباس، فانقطع الكلام، لكن لا يزال الكلام واحدًا، فصح الاستثناء، بما أن الكلام لا يزال واحدًا.

ومما اشتهر في كتب الأصول أنهم يوردون كلامًا لابن عباس أن الاستثناء يصح ولو بعد سنة.

وهذا الأثر رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح، لكن في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24].

فقوله: إلا أن يشاء الله، ذكر ابن عباس أنه يصح الاستثناء ولو بعد سنة.

وقد أجاب العلماء المحققون على هذا بجواب، وهو: أن ابن عباس صحح الاستثناء لمن كان ناسيًا، أي: لمن تكلم وكان يريد أن يستثني، لكنه نسي فإنه يصح أن يستثني ولو بعد سنة.

ذكر هذا جمع من أهل العلم، ومنهم أبو موسى ابن المديني وغير واحد من أهل العلم.

إلا أني أشير إلى فائدتين:

الفائدة الأولى: الاستثناء في كلام ابن عباس، هو استثناء في اللغة، لا الاستثناء في عند النحاة، كما هو شائع عند الأصوليين عند بحث الاستثناء.

لذا ذكر القرافي رحمه الله تعالى أن إيراد كلام ابن عباس في مبحث الاستثناء عند الأصوليين لا يصح، لأن ابن عباس يريد الاستثناء في اللغة، والذي يذكره الأصوليون هو الاستثناء عند علماء النحو.

التنبيه الثاني: يظهر لي – والله أعلم- أنه لا فائدة من دراسة شروط الاستثناء في كتب أصول الفقه، وذلك أن الأصولي يدرس كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فمتى ما وجد الاستثناء في كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يحتج به، ولا يرجع إلى شروط الاستثناء التي ذكرها الأصوليون، واختلفوا في بعضها: كأن يكون الكلام متصلًا، أو كأن يُنوَى عند الاستثناء إلى غير ذلك.

فمتى ما وجد الاستثناء فإنه يستدل به، فلذا ما ذكره الأصوليون من شرط الاستثناء هذا لا فائدة منه فيما يتعلق بعلم أصول الفقه والله أعلم.


شارك المحتوى: