هلّا وضحت لنا قاعدة: “الاحتياط في الاستحباب وليس الوجوب”؟


يقول السائل: هلّا وضحت لنا قاعدة: “الاحتياط في الاستحباب وليس الوجوب”؟ وهل هناك ما يستثنى من هذه القاعدة؟

يُقَالُ جوابًا عن هذا السؤال: إن الشريعة إذا أتت بأمرٍ فإنه قد يصح الاحتياط في هذا الأمر بضوابط شرعية، فإذا صح الاحتياط فإن ما كان من باب الاحتياط فإنه لا يفيد الوجوب وإنما يفيد الاستحباب، ويتضح هذا ببعض الأمثلة:

من ذلك ما في الصحيحين، واللفظ لمسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حديث أبي هريرة: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء، حتى يغسلها ثلاثًا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده».

فغسل اليد في مثل هذا – أي: للنائم- هو من باب الاحتياط؛ لأن يده قد تتنجَّس، فأمرت الشريعة بغسل اليد.

فلما كان للاحتياط، كان حكم غسل اليد الاستحباب، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم.

فإذًا ما كان من باب الاحتياط فإنه لا يفيد الوجوب وإنما يفيد الاستحباب.

ومثال آخر، ثبت عن خمسة من الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان وابن عمر وجماعة: «أنهم كانوا يصومون اليوم الذي لا يُرَى فيه الهلال وحجب عن رؤيته غيم أو قتر».

أي: اليوم الذي يحتمل أن يكون ثلاثين من شعبان، أو يحتمل أن يكون الأول من رمضان، كانوا يصومونه احتياطًا خشية أن يكون من رمضان، وذلك بشرط أن يكون في السماء غيم أو قطر أو غير ذلك مما يحجب الرؤيا، فذهبوا إلى استحباب هذا الصيام.

وإلى هذا القول ذهب أحمد في رواية، وقريبًا منه قول أبي حنيفة، رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في “شرح العمدة”.

لكن المقصود أنه إذا حجب عن رؤية الهلال غيم أو قطر أو غيره فكان يستحب هؤلاء الخمسة أن يصام هذا اليوم، ولا يوجبونه وإنما يستحبونه، هذه لقاعدة الاحتياط.

وذهب جماهير أهل العلم أنه لو تبيَّن بعدُ أن الشهر ناقص؛ فإن من صام ذلك اليوم احتياطًا فإنه يجزئه و لا يلزمه القضاء.

فالمقصود من هذه المسألة: أن هؤلاء الخمسة من الصحابة استحبوا الصيام، وهذا من باب الاحتياط.

وقد قعَّد هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في “مجموع الفتاوى”، وابن القيم-رحمه الله تعالى- فيما أظن في كتابه “إعلام الموقعين”.

وذكروا أن ما كان من باب الاحتياط فإنه يفيد الاستحباب، ولا يفيد الوجوب.

وأيضًا مما ذكروا أن الاحتياط إنما يكون عند الشك، أما عند ظهور الأمر فلا يصح الاحتياط، بل يجب العمل بما ظهر.

أما قول السائل: هل يستثنى من هذه القاعدة شيء؟

فلا أعرف شيئًا الآن يستثنى من هذه القاعدة، لكن لابد أن يُحسَن تنزيلها على الوقائع، وهو في الأمر الذي يُشكُّ فيه، ذلك أن يكون الحكم استحبابًا، ولا تظهر فيه السنة والشرع.

لو قال قائل: سأمسك قبل أذان الفجر بدقيقتين أو دقيقة من باب الاحتياط.

فيقال: لا يصح الاحتياط هنا؛ لأنك لما علمت أن الفجر الصادق يخرج في هذا الوقت فلا يصح الاحتياط بالإمساك قبله، فإن الأمر الذي جعلته الشريعة قد ظهر، فإن ظهر لم يصح الاحتياط، لذا يقال في هذا الإمساك: إنه بدعة، وعلى هذا فيقاس.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعملَّنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.


شارك المحتوى: