المجموعة (973)


يقول السائل: رأيت نشاطًا في الدعوة للإبراهيمية، ما المراد بها وما حكمها؟

الجواب:
صدق السائل، فإن هناك نشاطًا ملحوظًا دوليًا ظاهرًا في الدعوة للإبراهيمية، وفكرة الإبراهيمية بدأت قبل ثلاثين سنة تقريبًا ثم ظهرت على السطح حتى تبنتها أمريكا تبنيًا ظاهرًا قبل سبع سنوات تقريبًا في حكومة أوباما، ثم نشط في الدعوة إلى ذلك ترامب، وهكذا كثير من الدول تدعو إلى الإبراهيمية، وقد عُقدت مؤسسات ودور في كثير من الدول الكفرية والدول العربية حول الإبراهيمية.

والمراد بالإبراهيمية أي: أن تجتمع الأديان السماوية الثلاثة -الدين الإسلامي والدين النصراني والدين اليهودي- وألا يُعادي بعضها بعضًا وأن يتعامل بعضهم بمحبة وألفة وسلام …إلخ. هذا هو معنى الإبراهيمية من حيث الجملة.

وخطورة الدعوة إلى الإبراهيمية أنها تُنافي عقيدة البراء من الكفار، فإن من العقائد المُقررة في الكتاب والسنة وأجمع عليها سلف هذه الأمة وتوارد العلماء على ذكره: أنه يجب أن يُبغض الكافر لأنه كافر، ويجب أن يُعتقد أن الكفار في النار، وأن الأديان كاليهودية والنصرانية وغيرها أديان باطلة وأنها لا تُوصل إلى الله، وأن الدين النصراني واليهودي أديان منسوخة …إلى غير ذلك.

والأدلة في هذا مُتكاثرة، قال سبحانه: ﴿ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22] وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51] وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ [الممتحنة: 1] بالمودة: أي بالمحبة، إلى غير ذلك من الآيات والأدلة الكثيرة في هذا الباب.

لذا يقول ابن عقيل -وقد نقله ابن مفلح في كتابه (الآداب الشرعية)-: إذا أردت أن تعرف الإسلام من أهل زمانٍ، فلا تنظر إلى ازدحامهم عند أبواب المساجد ولا إلى ارتفاع أصواتهم بلبيك، ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة.
أي: كيف هم مع الكافرين؟ هذه هي عقيدة الولاء والبراء، يجب أن نُبغض الكافرين لأنهم كافرون، يجب أن نعتقد أن كل طريق يزعم أصحابه أنه يُوصل إلى الله ليس كذلك، بل هو طريق كفري ضال إلا التدين بالدين الإسلامي الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله فيه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ﴾ [المائدة: 3].

وقد ذكر جماعة من أهل العلم الإجماع على أن من لم يُكفِّر اليهود والنصارى فهو كافر مثلهم، وممن حكى الإجماع أبو بكر الباقلاني، والقاضي عياض في كتابه (الشفا) ونقله عن أبي بكر الباقلاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)، وحكاه غير واحد من أهل العلم وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، فمن عرف الدين الإسلامي عرف أن كل دين سواه دينٌ باطل، إذن الدعوة الإبراهيمية دعوة كفرية تخالف الدين الإسلامي.

ثم ينبغي أن نعلم أنه يُراد من هذا شيء خطير وهو أن تُخدَّر الشعوب بهذه الدعوات حتى يتمكَّن الصهاينة والماسونية واليهود من مشروعهم في تملك الشعوب وخديعتهم وتسييرهم على حسب ما يريدون، وخطورة الدعوة للإبراهيمية أنه يُخشى -بل حصل هذا- أن يخرج علماء أو أناس محسوبون على الدين الإسلام أو على أهل العلم فيُنادون بصحة هذا، وهذا مما سعى له الكفار والأمريكان في عهد حاكم أمريكا السابق وعقدوا مؤتمرات ودعوا أناسًا من المنتسبين للعلم حتى يتأوَّلوا النصوص ويلووا أعناقها حتى يُسوغوا هذه ويُشرعنوها.

لذا هذه هي الخطورة الكبيرة في هذا الأمر، فينبغي الحذر إخوة الإيمان، وأن نعرف أن كل دين سوى الدين الإسلامي دين كفري باطل، وأنه يجب عداء الكافرين، وليس معنى عدائهم أن نظلمهم ولا أن نعتدي عليهم ولا أن نسفك دمائهم وبيننا وبينهم عهد وأمان …كلا، لكن يجب أن نعتقد عداءهم، وفرق بين حال القوة وحال الضعف لكن مما يجب أن نعتقده في قلوبنا أن دينهم باطل، وأننا نُبغضهم لأنهم أعداء لله ولدينه الإسلامي، هذا يجب أن نعتقده في قلوبنا ولا يُعذر أحد في تركه.

ولا أريد أن أطيل في مثل هذا لكنها عقيدة مُقررة، وإنما أدعو المسلمين أجمعين أن ينتبهوا لهذه الدعوة، وأدعو طلاب العلم أن يقوموا بواجبهم ببيان زيفها وبطلانها وأن وراء الأكمة ما وراءها وأن يُحذروا المسلمين من مثل هذه الدعوة، فإن الماسونية والصهيونية يغزون العالم والمسلمين بشكل خاص بطرق عدة، تارةً عن طريق الشهوات عن طريق المرأة والخمور وغير ذلك، وتارةً باسم الدين والتدين،كما يفعلون فيما يسمى اليوم بالإبراهيمية.

فأرجو أن يُنتبه لمثل هذا وأن يقوم المسلمون بواجبهم وأن يقفوا وقفة شديدة تجاه هذه الدعوة، ومن آثارها ما عشناه قبل شهر أو أكثر من الصلاة الإبراهيمية لدفع جائحة كرونا، وستأتي أشياء أخرى، لكن لابد أن يقف المسلمون وقفتهم وأن مثل هذه الدعوات دعوات باطلة تخالف شريعة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أحب أن أطيل لما هو معتاد في مثل هذه الأجوبة من الاختصار، لكن هذه إشارات يفهمها من وفقه الله، فأسأل الله أن يوفقنا جميعًا لعز دينه ولنصرته ولرفع راية التوحيد والسنة وأن يُوفق أهل العلم للقيام بواجبهم، وجزاكم الله خيرًا.


شارك المحتوى: