الترحم على الكفار ومخالفته للعقيدة


الترحم على الكفار ومخالفته للعقيدة

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، أما بعد:

فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة

أما بعد،

فمات كافر وملحد لا يُؤمن بالله ربًا، ولا برب العالمين خالقًا، ولا يؤمن ببعثٍ ولا نشور، ولا بجنة ولا بنار، مات هذا الكافر الملحد قبل أيام، فتسابقت أقلام وكلمات وتغريدات للبيراليين ومنافقين في الترحّم على هذا الملحد، وفي الدعاء له بالمغفرة، وفي بيان أنه يستحق الخير الكثير لأنه قدّم للإنسانية في الحياة ما قدم.

وهذا ليس غريبًا على الليبراليين والعلمانيين والمنافقين، وإنما الغريب والعجيب والذي هو مستنكر للغاية أن يُتابعهم على ذلك بعض الإسلاميين، بل بعض الدعاة، ويترحم على هذا الملحد.

ثم الحسرة أن بعض العامة اغترّ بأولئك القوم وتابعهم في الترحم على هذا الملحد والكافر الذي يكفر بربنا إلهً وخالقًا، وهذا كله إن دل دل على ضعف عقيدة التوحيد في نفوس كثير من المسلمين.

فموقف كهذا وهو موقف عادي، ليس موقفًا عظيمًا بحيث إن عقيدة الطيبين من أولئك العامة تهتز ويتغافلون ويتناسون أنه يُنكر وجود ربهم وأنه يُنكر الجنة والنار، وأنه يقول: إن إلهكم الذي له تسجدون وتركعون وتعبدون وتدعون لا وجود له وإنما هو خيال.

نسي أولئك العامة هذا كله لما رأوا أناسًا يبجّلون هذا الرجل الذي يُزعم ويقال إن له إنجازات في هذه الحياة، وبغض النظر عن إنجازاته وهي لا تعدو أن تكون نظريات فيزيائية وافقه متخصصون وخالفه آخرون، وأيًا كانت هذه الإنجازات فمهما بلغت نفعًا في الدنيا فكيف يا أهل التوحيد؟ فكيف يا أهل العقيدة أن تهتز عقيدتكم وتضعف وتدعون لكافر بمغفرة ورحمة؟

قال الله سبحانه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.

أخرج البخاري ومسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، -أتدرون من أبو طالب؟ إنه عم النبي –صلى الله عليه وسلم-، إنه الذي خدم النبي –صلى الله عليه وسلم- في أول الدعوة وخدم الإسلام أكثر من كثير من المسلمين!-

هذا أبو طالب لما حضرته الوفاة أتاه النبي –صلى الله عليه وسلم- يدعوه إلى الإسلام، وكان عنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فدعاه النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله»، فالتفت إليه هذان الكافران وقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد النبي –صلى الله عليه وسلم- فأعادا، فقال: هو على ملة عبد المطلب، أي مات كافرًا.

فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- -وهذا الشاهد-: «والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك»، فنزل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.

هذه الآية نزلت في أبي طالب، وحرم الله عليه أن يستغفر لعمه وهو عمه الذي خدم الدين، ودافع عن نبينا الكريم، ومع ذلك نهاه أن يستغفر له، لأنه مات كافرًا.

فإذن من مات كافرًا فلا يجوز أن يُدعى له بالرحمة ولا بالاستغفار كما تقدم في الآية وفي قصة أبي طالب، بل أخرج مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرّ بقبر أمه، فاستأذن الله أن يأذن له أن يزورها، وأن يدعو لها، فأذن له أن يزورها ولم يأذن له أن يدعو لها، وهي أمه! لمَ؟ لأنها ماتت كافرة.

إذن من مات كافرًا فإنه يحرم الدعاء له بالاستغفار والرحمة، بدلالة الأدلة السابقة، وبإجماع أهل العلم الذي حكاه النووي –رحمه الله- في كتابه (الأذكار).

ثم اعلموا أن الجنة حرام على كل كافر، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة».

ثم من العقائد المهمة ومن العقيدة الأساس في قلب كل مؤمن أن يعتقد بطلان كل دين سوى دين الإسلام، سواء كان دينًا نصرانيًا أو يهوديًا، قال الله سبحانه: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}، وقال سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}أي اليهود والنصارى { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ }الآية.

فإذن المشركون وأهل الكتاب من اليهود والنصارى كفار، هذه عقيدة يجب أن نعتقدها في قلوبنا مهما قدموا للبشرية فهم كفار أعداء لله ورسوله.

قال الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ }، بالمودة: أي بالمحبة.

وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَبَعْضُهُمْأَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيالْقَوْمَالظَّالِمِينَ }، وقال سبحانه: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }.

إبراهيم –عليه السلام- خليل الله وأبو الأنبياء عاداهم وعادى معبوداتهم، ولم يكتف بذلك بل وأظهر العداوة لهم حتى يؤمنوا بالله وحده، هذه هي عقيدة لا إله إلا الله، هذه هي عقيدة الولاء والبراء.

قال أبو الوفاء ابن عقيل –رحمه الله-: “إذا أردت أن تعرف الإسلام من أهل زمان، فلا تنظر إلى ازدحامهم عند أبواب المساجد، -لا تجعل الميزان كثرة المصلين- ولا إلى ارتفاع أصواتهم بلبيك، ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة“.

إذن اعلموا أنه من الواجب علينا مايلي:

– الأمر الأول: أن نعتقد أن كل كافر عدو لله ورسوله.

– الأمر الثاني: أن نعتقد أن كل كافر مصيره إلى النار.

– الأمر الثالث: مهما قدّم الكافر من أمور الدنيا فإنها لا تنفعه يوم الدين.

أخرج مسلم عن عائشة –رضي الله عنها- أنها ذكرت للنبي –صلى الله عليه وسلم- ابن جدعان، وهذا الرجل مضرب مثل في الكرم والجود وغير ذلك، قالت: إنه كان يصل الرحم، ويُطعم المسكين، هل ينفعه ذلك؟ قال: «لا، إنه لم يقل يومًا قط ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين»، أي مات كافرًا فلا تنفعه هذه الأمور.

– الأمر الرابع: يجب أن نبغض الكفار لأنهم كفار، ويجب أن نعتقد بطلان أديانهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: من لم يُكفّر الكافر من اليهود والنصارى فهو كافر مثلهم.

تالله وبالله ووالله لو أن أحدًا صلى الصلوات الخمس، وقام الليل، وصام رمضان، وزكى الأموال، ولم يُكفر الكافرين فإنه كافر مثلهم، لأنه كذّب القرآن، {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ }، ومن كذّب القرآن كفر –عافاني الله وإياكم-.

فالله الله أن نعتني بهذه العقيدة المباركة عقيدة التوحيد، وأن نتعاهدها في أنفسنا وفي أولادنا وأهلينا، فإن الأمر جد، وهو صعب، وأيام معدودات، ودين عظيم قد يذهب بكلمة! قال سبحانه: { وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ }، وقال سبحانه: { لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، يا رحمن يا رحيم، الله أحينا على التوحيد والسنة، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، اللهم اجعلنا ووالدينا وأحبابنا نلقاك راضيًا عنا، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن هناك منافقين وكفرة يُخفون كفرهم وضلالهم، وعلامة معرفتهم لحنُ القول، قال سبحانه: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، هؤلاء في بلاد المسلمين لا يستطيعون أن يُصرّحوا بعقائدهم الكفرية، فيأتون بلحن القول، يتسابقون في الطعن في علماء الإسلام، هذا أولًا.

ثانيًا: يتسابقون في الطعن في مسلمات الدين والعقيدة.

ثالثًا: يُعظمون الكفار بأي طريقة كانت.

فكونوا -إخوة الإيمان- حذرين، وتذكروا قوله تعالى: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ }.

ثم إن كثيرًا منهم معاند، والله لو سألتهم من هذا الملحد؟ لعله ما سمع به قبل هذا اليوم، لكن رأى أناسًا من الليبراليين والعلمانيين –وللأسف- وبعضهم من الدعاة الإسلاميين ترحّموا عليه، فلحقهم وتبعهم عنادًا –عافاني الله وإياكم-، {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا }.

والله إنه لمن الحسرة ومما يُؤثر في قلب المؤمن أن يرى تهافت بعض العامة في أمثال هذا الأمر، وقد يكون من الأسباب –والأسباب كثيرة- تعظيم دعاة الضلالة، فإني إذا تذكرت أن يوسف القرضاوي قد ترحّم على البابا يوحنى بولس، وهو رأس من رؤوس النصارى، قال: أسأل الله أن يرحمه على ما قدم لدينه !!!

يا الله..، ماذا قدم هذا النصراني إلا أن ينشر بين الناس أن الله ثالث ثلاثة؟؟!

يقول أسأل الله أن يرحمه؟؟

هذا الضال المُضل يوسف القرضاوي وأمثاله إذا سمعه من لا يدري ويُحسن الظن بهم قد يُخدع بهم.

فيا إخوتاه، إن أمر الدين عظيم، فلا يُؤخذ من كل أحد، والقرآن والسنة والإجماع ظاهرٌ في حرمة الدعاء بالرحمة والمغفرة للكفار، كما تقدم بيان ذلك، فكيف برأس النصرانية البابا يوحنى بولس؟

فيا إخواني إن الأمر خطير، أخرج مسلم في مقدمته عن محمد بن سيرين أنه قال: “إن هذا الأمر دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم“.

ثم إن هؤلاء المترحمين على هذا الملحد، قد خالفوا شرع الله من جهة، ووقعوا في سخافات من جهة، هذا الرجل يقول: لا جنة ولا نار، ولا رب ولا خالق! وأنت تقول: أسأل الله أن يرحمه؟

بالله عليكم لو كان هذا الرجل حيًا، ورأى هؤلاء يدعون له بالمغفرة والرحمة، لكان أول الباغضين لهم والذامين لهم، يقول: كيف تدعون لي بالرحمة وأنا لا أؤمن بجنة ولا نار ولا برب يخلق؟ ولا ببعث ولا نشور؟

فهؤلاء مع انسلاخ الدين عن طائفة منهم، ومع جهل طائفة أخرى إلا أنهم وقعوا في السخافات كما تقدم بيان ذلك.

اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا رحمن يا رحيم، يا مجيب الدعوات، ومحقق الرغبات، يا من لا إله إلا أنت، يا رب العالمين، اللهم كلنا ضلال إلا من هديته، اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم انشر العلم والتوحيد والسنة بين المسلمين، اللهم أعذنا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن يا أرحم الراحمين، اللهم عليك بالليبراليين والعلمانيين، ودعاة الفتنة والضلالة والمغيرين للدين يا رب العالمين، اللهم أحينا على التوحيد والسنة وأمتنا على ذلك يا أرحم الراحمين.

اللهم وفق ملكنا سلمان وولي عهده أن يكونوا رحمة على الرعية، سببًا لنشر الدين يا أرحم الراحمين، ووفق جميع حكام المسلمين لذلك يا رب العالمين.


شارك المحتوى: