الرد على شبهة تكفير أحد أئمة الدعوة
د. أحمد بن جزاع الرضيمان
الرد على شبهة تكفير أحد أئمة الدعوة
الحمد لله وبعد:
الأخ الدكتور/ محمد العايد الشمري -حفظه الله-..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
اطلعت -حفظك الله- على رسالتك المتضمنة قصاصات من الدرر السنية (الجزء التاسع ص٢٩٢ طبعة ١٤١٦) حسب رسالتك المرفقة، وقد كتب عليها: (علماء الدعوة الوهابية يكفرون أهل حائل، ويرون جهادهم أفضل الجهاد).
وطلبت الجواب، ثم أعدت الرسالة بقولك: (لاحظ تاريخ الطبعة).
ويظهر أن الأمر أشغلك كما أشغل كثير من إخواننا في حائل، بل حتى طلابي في الماجستير يسألوني عن ذلك، ويقولون منتشر في القروبات على نطاق واسع.
فأقول:
يا محب: دأب الرافضة وأذنابهم في التشويش على بعض الكتاب والمثقفين من أهل السنة ومن تبعهم من العوام حول مايسمونه: (تكفير علماء الوهابية لأهل حائل)، وهي شنشنة نعرفها من أخزم، يريدون الفتنة، وهذا هو تخصصهم الذي يجيدونه، وإلا فلا يعنيهم تكفير أهل حائل ولا غيرهم من أهل السنة، فهم أشد الناس تكفيرًا ليس لأهل حائل فقط؛ بل لخير القرون صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسهم أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وكتبهم طافحة بهذا.
ونقول عن تلك النصوص التي انتقوها من الدرر السنية في هذا الموضوع ما يلي:
أولًا: طريقة الراسخين في العلم هي رد المتشابه إلى المحكم، وأما طريقة الذين في قلوبهم زيغ –كالرافضة- فيتبعون ما تشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، هكذا يتعاملون مع نصوص كلام الله، فكيف بنصوص كلام العلماء؟!
ثانيًا: عند نقل أي كلام للعلماء فيجب أن يذكر الواقع الذي قيل فيه ذلك الكلام، والمعلومات التي نقلت للعالم فأفتى بمقتضاها، والعالم إنما يفتي حسب ما عُرض عليه، كما أن القاضي إنما يحكم بما سمع، وإن كان ما سمع غير مطابق حقيقة الواقع.
ثالثًا: ما نقله الرافضة أن علماء الدعوة الوهابية -وإن كنت لا أرتضي هذا الاسم (الوهابية) الذي اخترعه الرافضة- أن علماء الدعوة الوهابية يكفرون أهل حائل، هو من الكذب الذي تميز به الرافضة.
ورحم الله ابن تيمية وهو الخبير بهم، فقد قال عنهم: (وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب). [منهاج السنة (1/59)].
ويقول -رحمه الله-: (والله يعلم وكفى بالله عليماً، ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شر منهم: لا أجهل، ولا أكذب، ولا أظلم، ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق الإيمان منهم). [منهاج السنة (1/160)].
فمن كذبهم: هذا التهويل والتعميم في قولهم (علماء الدعوة)، إذا أفتى عالم -وقد يكون مخطئًا لخطأ المعلومة التي نقلت إليه-، هل هذا مسوِّغ ومبرر أن يشمل جميع (علماء الدعوة)؟! وهل يطعن بمنهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته الاصلاحية التي نتفيأ ظلالها المباركة لمجرد خطأ احد المنتسبين لتلك الدعوة أو أحد علمائها؟!
فالأمر يسير لدينا نقول: ليس هو بمعصوم، وقد أخطأ في اجتهاده بسبب ما ظنه ممالأة وموافقة من أهل حايل لأعداء التوحيد.
ولهذا لما جاء قوم الى الشيخ ابن باز -رحمه الله- وعرضوا عليه مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، واستدلوا بما ظنوه دليلًا مفحمًا، وهو ما نقلوه عن ابن كثير من التكفير في مسألة الياسق، فقال ببساطة متناهية: غلط ابن كثير -رحمه الله-. وانتهى الموضوع.
فلسنا كالرافضة نعتقد العصمة للأئمة والعلماء.
رابعًا: عندما نقرأ السياق وندرس الواقع الذي بموجبه قال ذلك العالم كلامه، هو قوله: (لم يلتزموا طاعة الامام، ووالوا أعداء التوحيد، الذين أرادوا طمس دعوة التوحيد وهم “الاتراك” وأتباعهم من “الباشوات” في مصر).
نقول: لو كان الواقع كما صور هنا صحيحًا لكانت الفتوى صحيحة، لكن ذلك غير صحيح، ولذا فإن عامة علماء الدعوة لم يقولوا بهذا القول.
وعندي مخطوطات أرجو أن ييسر الله لي إخراجها، وهي لبعض علماء الدعوة، يبين مكانة علماء حائل وأهلها، ويرد على من كفرهم أو فسقهم.
والمقصود: أن قطع كلام العالم عن سياقاته وواقعه، وتهويل الأمر، وتصوير أن ذلك هو رأي جميع علماء الدعوة؛ هو طريقة الزائغين الذين يتصيدون في الماء العكر.
خامسًا: تلك أمة قد خلت، ووقائع لم نعايشها، فمن المستفيد من إثارة أمور انتهت؟! لا سيما في هذا التوقيت الذي بيننا وبين الرافضة حرب مفتوحة.
إن كان الهدف عند الشباب هنا معرفة الحق؛ فليعلموا أن العبرة بالدليل، والعالم يحتج له ولا يحتج به.
وقد يكون العالم أفتى حسب ما بلغه من وقائع ليست دقيقة، فيكون جوابه على حسب السؤال، وقد يكون تنزيله النصوص على الوقائع غير مطابق، فلا نؤاخذه ولا نوافقه.
ونحن أمة واحدة، على عقيدة سلفية صحيحة، في سائر مناطق المملكة، وندعوا الله لإمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ولذريته ولعلماء الدعوة أن يجزيهم خيرًا، على ما قدموا من ترسيخ العقيدة ومحاربة الشرك، كما نسأل الله أن يغفر لمن اجتهد منهم وأخطأ.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
كتبه/ د. أحمد بن جزاع الرضيمان
أستاذ العقيدة المشارك في جامعة حائل