تلاوة القرآن
د. يوسف بن محمد السعيد
تلاوة القرآن
إن الحمد لله …
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله وراقبوه ، واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود .
عباد الله : إن الله تعالى أنزل كتابه ؛ ليتلى ، ويتدبر ، ويعمل بما فيه كما قال تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } ومن رحمته تعالى أنه تكفل بحفظ هذا الكتاب من أن يتطرق إليه زيادة أو نقصان{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وكان صلى الله عليه وسلم بحث على قراءته ، ويبين فضلها ، فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يقال يوم القيامة لقاريء القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها » ، ويقول صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوما القيامة شفيعا لأصحابه» ، وكان السلف رحمهم الله يتلون آيات الله ليلا ونهارا ، ويعملون بما فيه ؛ ولذا انتفعوا ، ونفعوا غيرهم .
وقد أمر الله تعالى بترتيله ، فقال : {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } ، وقد فهم بعض الناس أن ترتيله هو العبث به ، والقراءة بما يسمى بالألحان ، وما ابتدعوه من مقامات موسيقية ، فتجد قاريء القرآن يصطف مع المغنين والمنشدين ؛ ليعرف كيف يلحن هذه الآية أو تلك ، فاتخذوا آيات الله هزوا .
عباد الله : إن كتاب الله تعالى ليست حرمته كحرمة غيره ، فالله جل وعلا نهى عن اتخاذ آياته هزوا ، فقال : {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} ، وقراءته بهذه الصورة فيها إسقاط لهيبته .
ومن الناس من إذا قرأ القرآن تشدد في التجويد حتى يخرج الحرف من غير مخرجه، وحتى يمد ما ليس يمد ، وترى أحيانا احمرار وجه القاريء لتكلفه قراءة آيات كثيرة في نفس واحد ، وما هكذا أنزل القرآن ، لم ينزل القرآن لنشقى به ، وما أنزل لنتكلف هذه الطرق المؤذية لنا . يقول الله تعالى : {طه . مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} ، ويقول جل وعلا : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } ، وقد أنزله الله تعالى بلسان عربي مبين{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} ، بل إن بعض هؤلاء المتشددين في التجويد ربما أبطلوا صلاة من لا يرونه يفعل فعلهم ، وهذا ضرب من ضروب الجهل والسفه .
عباد الله : ومن الناس من يفتن بقراءة بعض القراء الذين يقرؤون عند المقابر وفي سرادب العزاء في بعض البلاد ونحوها ، فتجده مفتونا قلبه بهم ، مع أنهم اجتمعوا على بدعة .
إن هذه الأمور لا تكون إلا حينما يضعف العمل بهذا القرآن ، أما إذا قوي الداعي في القلب ، فإنك تجد القلب ينكر هذا كله .
عباد الله : من الناس من يشنع على أهل التجويد الصحيح المقيمين للحروف كما أنزلت بدعوى أن ذلك بدعة ، وقوله هذا خطأ ، فالبدعة هي التكلف فيه ، والزيادة على المشروع منه ، فكتاب الله تعالى يتلى وفق ما أنزله الله ، لا يزاد في ذلك ولا ينقص منه ، وطريقة تلاوته معروفة عند العامة والخاصة ، فليس فيها بحمد الله خفاء .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم …
الحمد لله على إحسانه …
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، فإن الأمر بتقواه هي وصيته للأولين والآخرين .
عباد الله : إن من الناس من يجتهد في تعلم لغات العجم ، ويتقنها ، على حين أنه لم يكلف نفسه تعلم كتاب الله تعلما يقيم به حروفه ، وتعلمه أيسر من تعلم تلك اللغات ، وهذا أمر لا ينبغي أن يقع من أهل الإسلام ، فهذا الكلام كلام ربهم ، تكلم به وأنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم .
هذا وصلوا وسلموا …