ذم الغدر – على خلفية قتل السفير الروسي
د. حسن بن صنديح العجمي
[ ذم الغدر ]
[على خلفية قتل السفير الروسي]
(١)- لا تبكِ على دم كافر سال ، فالكفار ملتهم واحدة ، وعدوهم الأول هو الإسلام ، ولا تفرح إذا سال بظلم فإن الله يمقت على الظلم ، وإنما ابكِ أن يُلصق الغدر بدين محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل: “الرسل لا تقتل”
(٢)- لا تبكِ على دم كافر سال ، وإنما ابكِ أن تسيل دماء طاهرة بسببه ، قتل (خوارزم شاة) رجلا من التتر كانوا تجارا فكان قتلهم سببا في قتل مليون مسلم من أهل العراق فقط.!
(٣)- العاقل وقت الهرج لا يفرح بأي تصرف ؛ لأن غالب التصرفات في مثل هذا الوقت إنما هي ردة فعل ، ولكل فعل ردة فعل ، ولذلك حث النبي على العبادة في الهرج.
(٤)- لا تفرح بتصرفات الناس المخالفة لشرع الله “فالغدر ليس من ديننا” والغدر لا يأتي بخير ، والغادر يُنصب له لواء يوم القيامة ..
(٥)- للمسلم على المسلم حقوق (لا يخفره في ذمته ولا يؤذي من أمَّنه) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : “من أخفر مسلما في ذمته فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” فكيف إذا كان الذي (أمَّن) هو الحاكم المسلم؟!
(٦)- العاقل لا يستثير العدو ، وخاصة إذا كان في وقت ضعف.! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة لما بعثه ينظر في تجمع الأحزاب: “لا تذعرهم علي”.!
وبوب أبو داود على حديث “اتركوا الترك ما تركوكم” : ” باب في النهى عن تهييج الترك والحبشة “
والمراد بالترك هم شمال اسيا وهي آراضي التتر ، وقد وقع ما حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قتل (خوارزم شاه) أناسا من التتر كانو يشترون بضائع في السوق اندلعت الحرب وغزا التتر المسلمين ودخلوا مدينة (مرو) فقتلو أهلها بالكامل وأحرقوها فكان عدد قتلى أهل مرو (٧٠٠٠٠٠) سبعمائة ألف بسبب قتل خمسة أو سبعة رجال من التتر.!
(٧)- ذم العلماء ما فعله (خوارزم شاه) مع الترر حتى قال السبكي: “فيالها من فعلة ما كان أقبحها جرت كل قطرة من دمائهم سيلا من دماء المسلمين”.!
(٨)- قبح الإسلام الغدر بكل صوره ، حتى لو غدر كافر بكافر وأخذ ماله ، ثم أسلم فلا يُقبل منه ذلك المال.! كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة: “الإسلام أقبله وأما المال فمال غدر لا حاجة لنا فيه”.! وكان شعبة قد غدر ببعض الكفار وأخذ مالهم ثم جاء يريد الإسلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القول.
(٩)- صحة أمان الكافر من عدمه ليس هو ما قام في قلبك ، بل العبرة ما قام في قلبه هو ، فإن كان يظن هذا أمانا فهو آمن بلا خلاف حتى قال عمر: “لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء فنزل الكافر فقتله أحدكم لقتلته”.!
قال أحمد: “إذا أشير إلى الكافر بشيء غير الأمان فظنه أمانا فهو آمن”.!
قال الشافعي وهو يعدد من لا يصح منهم الأمان كالمجنون والكافر قال: ولو أمنوا أحدا فهو آمن ، ولا يتعرض لهم في مال ولا نفس لأنهم لا يفرقون بين من يجوز أمانه ومن لا يجوز”.!
هذا في حق الحربيين المقاتلين والحرب قائمة .!
(١٠)- لو أمَّنت امرأة أو صبي وقت الحرب كافرا محاربا لكان أمانه صحيحا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أمَّنت (أم هانئ) رجلا من الكفار وكان أحد المسلمين يريد قتله قال النبي صلى الله عليه وسلم: “قد أجرنا من أجرتي”.!
هذا وهم محاربون والحرب قائمة فكيف بما هو دون ذلك.
(١١)- “الأمان شديد والقليل منه يكفي” هكذا قال العلماء.!حتى ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقال عمر بن الخطاب: “لو أن رجلا ممن تستعينون بهم من الكفار (أمَّن) رجلا من المحاربين فهو آمن”.!
(١٢)- حرم العلماء الغدر بالكفار الحربيين في أرضهم بمجرد السماح بدخولها ، فهل تكون أراضيهم لا غدر فيها وآراضينا مرتع الغدر؟!
قال ابن قدامة: “من دخل إلى أرض العدو بأمان، لم يخنهم “.!
(١٣)- وضرب العلماء أروع الصور في عدم الغدر وفي الوفاء بالعهد فقالوا: لو أن اسيرا مسلما عند الكفار وشرطوا عليه إن أطلقوه أن يبقى عندهم لم يخنهم ولم يهرب منهم .!
قال ابن قدامة: “وإذا أسر الكفار أسيرا، فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة، كانوا في أمان منه، ولم يكن له أن يهرب منهم، ولا أن يخونهم في أموالهم؛ لأنهم على هذا أطلقوه. وإن أطلقوه ولم يشرطوا عليه شيئا، فله أن يقتل، ويسرق، ويهرب”
(١٤)- كان العرب يأنفون من الغدر ، ويفتخرون بالوفاء ..
فقد كانت هناك حروب طاحنة بين (كنانة ومنهم قريش) وبين (قيس عيلان ومنهم هوازن) وكانت هوازن إذا قدمت لسوق عكاض وضعوا سلاحهم عند (ابن جدعان) فجاءه (حرب بن أمية) وقال له: احتبس قبلك سلاح هوازن، فقال (ابن جدعان): “أبالغدر تأمرني يا حرب؟! والله لو أعلم أنه لا يبقي منها سيف، إلا ضُربت به، ولا رمح إلا طُعنت به ما أمسكت منها شيئاً”.!
قال الجاهلي (الحادرة):
[ أَسُمَّيَ وَيْحَكَ هل سمعتِ بِغَدْرَةٍ .. رُفع اللِّوَاءُ لنَا بِها في مَجمعِ ]
(١٥)- عفى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عن كل الناس إلا أربعة فقد أهدر دمهم ، منهم (عبد الله ابن أبي السرح) فلماء جاء للنبي صلى الله عليه وسلم مع عثمان ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه النبي ثلاث مرات ثم بايعه فقال النبي: أليس منكم رجل رشيد يراني حين كففت يدي عنه فيقتله ، فقال الصحابة: لو أومأت لنا بعينك ؟ فقال: لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين”.!
(١٦)- ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الغدر أبدا ولا يتعامل به حتى مع أشد الناس عداوة له ، بل كان يفي لهم بعهدهم ، فقد أخذ كفار قريش حذيفة ابن اليمان وأباه واشترطوا عليهم إن اطلقوهم أنهم ما يقاتلون مع محمد فوافق حذيفة وأبوه ، فلما ذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقاتلوا معي نفي لهم بعهدهم.!
وهل بعد هذا وفاء ؟! حذيفة وأبوه كانوا مظلومين مُكرَهين ومع ذلك وفَّى النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش هذا الشرط .!
(١٧)- سفير قريش (أبو رافع) لما بعثته قريش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ووقع في قلبه الإسلام ، قال: يا رسول الله لا أرجع لهم ابدا ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا يعتبر غدر.! فقال له ارجع لهم فإذا رجعت لهم وكان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع”.! فأين هذا من القتل الذي نحن فيه ؟!
(١٨)- قال النبي صلى الله عليه وسلم “الإيمان قيد الفتك والمؤمن لا يفتك” ومعناه أن الإيمان الصحيح يمنع صاحبه من الغدر ، كما قيل يشدُّ على الرجل وهو غافل فيقتله
(١٩)- ومن صور السلف في عدم الغدر والخيانة ما رواه ابن أبي شيبة: عن محمد بن سوقة، قال: سأل رجل عطاء عن رجل أسرته ( الديلم ) فأخذوا منه عهد الله وميثاقه على أن يرسلوه، فإن بعث إليهم بفديته فهو بريء، وإن لم يبعث إليهم كان عليه العهد والميثاق أن يرجع إليهم فذهب فلم يجد مالا ، وكان معسرا، قال عطاء: يفي بالعهد ويرجع إليهم، فقال الرجل: إنهم أهل شرك، فأبى عطاء إلا أن يفي بالعهد” وقال “إن العهد كان مسؤلا”.!
(٢٠)-لما أسر الكفار (خبيب بن عدي) وأجمعوا على قتله طلب منهم خبيب (موس) كي يستحد به ، فدخل صبيٌ فجلس على فخذ (خبيب) تقول أم الصبي: فدخلت فرأيت الصبي على فخذه والموس في يد خبيب ففزعت فزعة عظيمة فعرف خوفي فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذلك”رواه البخاري
ولم يساومهم حتى بالصبي ولم يغدر ولم يخن.!
(٢١)- “وفاء لا غدر” ..
كان بين معاوية، وبين الروم عقد، وكان يسير نحو بلادهم وهو يريد إذا انقضى العقد أن يغير عليهم، فإذا شيخ يقول الله أكبر الله أكبر (وفاء لا غدر)، فإذا هو عمرو بن عبسة، فسألته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: “إذا كان بين قوم عقد، فلا يحل عقدة، حتى يمضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء”.!
سبحان الله .! مع أن معاوية لا يريد غزوهم إلا بعد انقضاء المدة وإنما عجل بالمسير حتى يكون على قرب منهم فإذا انقضت المدة غزاهم فاعتبر الصحابة أن هذا غدر .!
فأين هذا مما نحن فيه؟!
(٢٢)- “المسلم إنما يُنصر بعمله الصالح لا بالغدر والخيانة..
بوب البخاري فقال: [عمل صالح قبل القتال] ثم ذكر قول أبي الدرداء: “إنما تقاتلون بأعمالكم”.! البخاري.
(٢٣)- “اغزوا ولا تغدروا” قالها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في وقت القتال الذي هو محل تلف النفوس وزهوق الأرواح ومع ذلك نبه على عدم الغدر بقوله “لا تغدروا” لأن القتال أشد ما تكون النفوس البشرية فيه ميلا للغدر .!
(٢٤)- أيها المسلمون احفظوا أصول دينكم ولا تتلاعب بكم الأهواء ، (أفكل) ما أتت فتنة جرفت معها شريحة من الشباب ، فأصبحنا ننكر ما كنا نعرف ، ونعرف ما كنا ننكر ، فهذه الفتنة كما قال ابن مسعود.!
(٢٥)- حفظ حقوق الناس من كفار وخوارج وظلمة وتطبيق النصوص الواردة عليهم سواء وافقت هواك أو لم توافقه لا يعني حبهم وتعظيمهم فافهم هذا ترشد.
(٢٦)- وأخيرا لا تعامل الناس بحسب أخلاقهم بل عاملهم بأخلاق الإسلام فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “ولا تخن من خانك” .! فلو غدر الكافر فلا تغدر ، وإذا خان فلا تخن .. فالمحافظة على صفاء الإسلام من أهم الأمور ، ويكفي تشويها للإسلام مما حصل من أبنائه.!
أسال الله أن يحمي المسلمين وبلاد المسلمين من كل شر ، وأن يحمي دولة تركيا من شر الروس الظلمة المجرمين
كتبه د/ حسن صنيدح العجمي