قرائة الكتاب
شروط الصلاة وبعض الأخطاء فيها
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
بسم الله الرحمن الرحيم
[ شروط الصلاة وبعض الأخطاء فيها ]
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 21-22].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
إن فرائض الإسلام إذا شُرعت ينزل الوحي على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، إلا الصلاة فإن الله لما أراد أن يفرضها على أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- عرج بنبينا –صلى الله عليه وسلم- إلى مقام عالٍ حتى إنه سمع صريف الأقلام –صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-كما أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- .
فهذا إن دلّ دلّ على أهمية الصلاة، فهي أهم أركان الإسلام العملية، فهي أهم من الزكاة والصيام وحج بيت الله الحرام، وما عدا الأركان من باب أولى.
فاللهم أعنا على الصلاة يا رب العالمين.
وإن هذه الصلاة لا تُقبل إلا بأركان وشروط، ومن شروط الصلاة ما يلي:
الشرط الأول: [ استقبال القبلة ]
قال سبحانه: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواوُجُوهَكُمْشَطْرَهُ}[البقرة: 144]، وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للمسيء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبّر».
فدلّ هذا على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا باستقبال القبلة.
وينبغي أن يُعلم أن المراد في استقبال القبلة استقبالُ جهتها لا عينها، كما أفتى بذلك عمر –رضي الله عنه- عند ابن أبي شيبة، وابنه عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- عند عبد الرزاق، وقال ابن تيمية في (شرح العمدة) وابن رجب في شرحه على البخاري: لا خلاف بين الصحابة في ذلك.
ومما ثبت عن عمر –رضي الله عنه-: أنه بسط يديه اليمنى واليسرى، ثم قال: “صلّ بينهما كيفما شئت”.
فلا ينبغي التشديد في أمر القبلة لأن المراد استقبال جهتها لا استقبال عينها، لذا قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: 144]، أي جهة المسجد الحرام.
وهذا فيمن كان بعيدًا عن الكعبة لا يراها، أما من كان قريبًا منها ويرى الكعبة فيلزمه استقبال عينها، وهذا بإجماع أهل العلم، كما حكاه ابن قدامة –رحمه الله تعالى- في كتابه (المغني).
ومن شروط الصلاة: [ دخول الوقت ].
فإن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة، قال سبحانه: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}[النساء: 103]، فمن صلى قبل دخول وقت الصلاة لم تصح صلاته.
ومن تعمّد تأخير الصلاة بلا عذر فصلاها بعد خروج وقتها فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، قال سبحانه: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم: 59]، قيل لسعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه-: أكانوا تاركين لها؟ قال: “لو تركوها لكفروا، وإنما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها”.
والغي: وادٍ في جهنم، كما ثبت ذلك عند ابن جرير عن ابن مسعود –رضي الله عنه-.
إذن الأمر كبير للغاية! فتأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من كبائر الذنوب، فما أكثر المسلمين الذين فرّطوا في هذا الشرط، فتراهم في الحضر يجمعون بين الصلوات!
بل بعضهم إذا جاء آخر الليل قام وصلى صلاة اليوم كلها!
يا مسكين! قد وقعت في كبيرة من كبائر الذنوب.
يا مسكين! قد توّعدك رب العالمين بوادٍ في جهنم!
ما الذي يمنعك أن تصلي الصلاة في وقتها؟!
إن الصلاة لا تستغرق ممن يطيل صلاتها عشر دقائق!
فما يمنعك كلما دخل وقت فرض أن تتوضأ وأن تفزع للصلاة بين يدي الله؟!
لماذا لا أسبق منا في أمور دنيانا؟! ولا أحسن منا في الاتقان فيما ينفعنا في هذه الحياة الدنيا؟!
وإذا جاءت العبادات رأيتنا متأخرين بل متكاسلين ومضيّعين إلا من رحم الله، أسأل الله أن يعاملني وإياكم برحمته، وهو أرحم الراحمين.
ومن شروط الصلاة: [ستر العورة].
قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31]، فستر العورة شرط من شروط الصلاة.
أما الرجل، فقد ذكر علماؤنا أن عورته ما بين السرة والركبة، وأنه يجب عليه أن يستر منكبيه، لما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء».
والله يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ}[الأعراف: 31]، ليس المراد ستر العورة فحسب، بل التزيّن للصلاة، فإننا نقف بين يدي جبّار السماوات والأرض.
بالله عليكم، إذا دُعينا في وليمة، كم نتزيّن لها؟!
وإذا كان عندنا موعد للقاء مسؤول، كم نتجمّل ونتحسّن؟!
فكيف ونحن نقف في الصلاة بين يديّ جبّار السماوات والأرض؟!
يأتي أحدنا بقميص نومه، أو بثوب غير نظيف، أو لم يتطيّب، أو برائحة ثوم أو بصل … إلى غير ذلك، وكل هذا خطأ في الصلاة، فإن الله يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31].
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الله قِبَل وجهه».
لا إله إلا هو! نُقابل الله بثياب رثّة!!
وبرائحة كريهة!!
إن هذا دليل على ضعف الإيمان، أسأل الله أن يهدينا وأن يصلح حالنا، وأن يجعلنا ممن يتزيّن بين يدي جبار السماوات والأرض.
ومن شروط الصلاة: [إزالة النجاسة].
من صلى وفي ثوبه نجاسة لم تصح صلاته، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر: 4]، وفي أحد أقوال أهل العلم المراد: طهّر ثيابك من النجاسات.
وفي الصحيحين من حديث أسماء –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في الثوب يُصيبه دم الحيض: «تحتّه ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء ثم تصلي فيه».
فلا يصح لأحد أن يصلي وفي ثوبه نجاسة، فتفقّد ثيابك ألّا تكون نجسة، لا بدمٍ فاحش، ولا بمذيٍ، ولا ببول، ولا بغير ذلك من النجاسات.
فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرّ على قبرين وقال: «إنهما ليُعذبان، وما يُعذبان في كبير … »، ثم قال في رواية: «بلى»، قال: «أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، أما الآخر فكان لا يستنزه من بوله».
لكن كن حذرًا، فما أكثر ما يأتي الشيطان ويدخل على بني آدم بالوسوسة من هذا الباب، نعم يجب إزالة النجاسة وأن يكون المسلم متفطنًا لذلك، لكن في المقابل يجب أن ينتبه وأن يغلق الباب على الشيطان حتى لا تدخل عليه الوساوس.
ومن شروط الصلاة: [التطهّر من الحديث الأكبر والأصغر].
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضّأ».
وأخرج مسلم من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يقبل الله صلاةً بغير طهور».
فاللهَ اللهَ إخوة الإيمان أن ننتبه لهذا الأمر العظيم، وهو ألّا يصلي المسلم إلا متطهّرًا من الحدث الأكبر بالاغتسال، ومن الحدث بالأصغر بالوضوء.
اللهم يا من لا إله إلا أنت، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارحمنا واجعل قرّة أعيننا في الصلاة، اللهم اجعلنا ممن يُقبل عليها خاشعًا يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وشروط الصلاة: [النية].
أخرج البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطابي –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى».
والنية محلها القلب، والتلفّظ بها أو الجهر بها أو تكرارها، كل هذا من البدع المُحدثة التي لم يفعلها سلف هذه الأمة.
فبعض الناس إذا أراد أن يتوضّأ يقول: اللهم إني نويت أن أتوضّأ لصلاة كذا وكذا.
وإذا أراد أن يصلي يقول: اللهم إني نويت أن أصلي صلاة كذا وكذا.
… وكل هذا من البدع المُسخطة لله سبحانه وتعالى.
يا قوم!
لو كان التلفّظ بالنية أو الجهر بها أو تكرارها خيرًا محبوبًا إلى الله، لفعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، أين هذا في الأدلة الشرعية؟!
فهذه البدعة مع ظهور بطلانها إلا أنها شائعة ومنتشرة بين المسلمين.
إخوة الإيمان: إن ما تقدم من الشروط يستوي فيه حكم الرجل والمرأة، إلا أن المرأة في ستر العورة لها أحكام خاصة، فقد أجمع العلماء أنه يجب على المرأة إذا أرادت أن تصلي أن تُغطي رأسها، حكى الإجماع ابن المنذر –رحمه الله تعالى-، وثبت عن عائشة عند ابن أبي شيبة، وعلي بن أبي طالب عند ابن أبي شيبة أنهما سئلا عن المرأة، قالا: “تصلي في خمار ودرعٍ سابغ”.
فدلّ هذا على أنها تغطي رأسها، لأن الخمار هو ما يُغطى به الرأس.
أما الوجه فإنه ليس عورة للمرأة في الصلاة بالإجماع، حكى الإجماع ابن عبد البر.
أما اليدان، فإن يدي المرأة –على أصح أقوال أهل العلم- بل حكاه ابن عبد البر إجماعًا أنهما ليستا عورة، ومن ذكر خلافًا فهو محجوج بالإجماع.
أما القدمان فإن قدمي المرأة عورة، لما تقدم من فتوى عائشة وعلي –رضي الله عنهما- قالا: “في درع سابغ”، فدلّ هذا على أنه يُغطي القدمين.
قال ابن عبد البر –رحمه الله تعالى-: وقد أجمع الصحابة أن قدمي المرأة عورة.
وليُعلم أن قدمي المرأة عورة سواء كان ظاهرها أو باطنها، فإذا انكشفت العورة في الصلاة لم تصح الصلاة على تفصيل عند أهل العلم.
اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم احفظ علينا صلاتنا، اللهم احفظ علينا صلاتنا، اللهم احفظ علينا صلاتنا.
اللهم تقبّل منا صلواتنا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من الخاشعين المُقبلين الواقفين بين يديك، على ما يرضيك يا رب العالمين.
اللهم تقبلها، وزدها وبارك فيها يا أرحم الراحمين.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، اللهم وأعز الإسلام والمسلمين، وعليك بالكفار والمشركين يا أرحم الراحمين.
اللهم ووفق ملكنا الملك سلمان، وولي عهده، أن يُعزوا دينك وأن يُعلوا كلمتك، وأن يكونوا رحمة على الرعيّة يا أرحم الراحمين، وعلى المسلمين أجمعين، ووفق حكام المسلمين أجمعين، أن يقوموا بدينك وأن يُعلوا رايتك يا أرحم الراحمين.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.