ما يهمك من سمات الفرقة الناجية

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

بسم الله الرحمن الرحيم

[ما يهمك من سِمات الفرقة الناجية]

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]، أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

أخبر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة المحمدية ستفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقة، وكل هذه الفرق مُسلمة غير كافرة، ومع ذلك كلها في النار إلا فرقة واحدة.

ثبت عند الإمام أحمد وأبي داود من حديث معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدةً، وهي الجماعة».

إن من أهم المهمات معرفة سمات وعلامات وأمارات هذه الفرقة الناجية، حتى نسير سيرها وننضم إليها.

قد أخبر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن هذه الفرقة الناجية باقية إلى قيام الساعة، أخرج البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه- ومعاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهما-، وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنه-، وجابرة بن سمرة، وثوبان، وسعد بن أبي وقاص، ..وغيرهم، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك

».

وإن لهذه الفرقة الناجية سمات وعلامات، أذكّر ببعضها :

– السمة الأولى: أنهم أهل اعتناء بالتوحيد، كما أجمع على ذلك الأنبياء والمرسلون، قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: 36]، وقال سبحانه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23]، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}[آل عمران: 64]، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5]، ..إلى غير ذلك من الآيات الكثيرات.

فلا يدعون إلا الله، ولا يستغيثون إلا به، ولا يطلبون المدد إلا منه، ولا ذبح ولا نذر إلا لله الذي لا إله إلا هو.

ولا يطلبون كشف المدلهمات، ولا رفع الأمور العظيمات، إلا من جبار الأرض والسماوات، سبحانه وتعالى، ومن دعا غير الله، فقد وقع في الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، بل ذلك موجب لحبوط الأعمال ودخول النيران، والبعد عن الجنان –والعياذ بالله-.

قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النساء: 48]، وقال سبحانه مخاطبًا محمدًا –صلى الله عليه وسلم-، فكيف بغيره بأبي وأمي –صلى الله عليه وسلم-؟ قال سبحانه: {لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر: 65].

وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة: 72].

فأدلة القرآن والسنة كثيرة في بيان التوحيد، وأنه لا ذبح ولا نذر، ولا دعاء، ولا استغاثة، إلا لله وحده الذي لا إله إلا هو، كما قال الله لمحمد –صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُوَبِذَٰلِكَأُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: 162-163].

ومع ظهور هذا الأمر في القرآن والسنة، إلا أن كثيرًا من المسلمين اليوم ابتُلوا بصرف العبادات لغير الله، فكم من ضريح يُقصد؟ وكم من وليٍ وصالح يُعبد؟

هذا شيء كثير قد عمَّ وطمَّ أكثر بلاد العالم الإسلامي.

– السمة الثانية من سمات الفرقة الناجية: أنهم أهل اتباع لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فلا يتقدمون بين يدي الله ورسوله، ولا يأتون بدين جديد، ولا بعبادة مُحدثة لم يفعلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ولا صحابته الكرام.

ويعتقدون أن كل دين وعبادة لم يتعبّد بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، فإنها بدعة مُحدثة، بل من أكبر الكبائر –عافاني الله وإياكم-.

وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يُحذّر من البدع كل جمعة على المنبر فيقول: «.. وكل بدعة ضلالة».

وأخرج الخمسة إلا النسائي من حديث العرباض بن سارية –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ ..»، النواجذ: أي بمؤخرة الأسنان، إشارة إلى قوّة العض، «..عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة».

وأخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من رغبت عن سنتي فليس مني».

لذا روى البيهقي في كتابه (المدخل) عن ابن عمر أنه قال: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”.

فلا يوجد في الدين بدعة حسنة، بل كل عبادة لم يتعبّد بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، فإنها بدعة مسخطة لله الذي لا إله إلا هو.

فمن كان يريد جنة عرضها السماوات والأرض، وأراد أن يكون من الفرقة الناجية فليحذر البدع، وإياه ثم إياه ثم إياه أن يُسوّغ البدع التي نشأ عليها، حتى أصبحت من الأعراف والعادات، إياه أن يُسوّغ هذه البدع بحجّة أن في الدين بدعة حسنة.

كيف يكون في الدين بدعة حسنة ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «وكل بدعة ضلالة»؟

فاحذروا البدع واجتنبوها، وكونوا منها في مهرب، لأنها مسخطة لله الذي لا إله إلا هو.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك، وأعذنا من البدع يا أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن السمة الثالثة للفرقة الناجية: أنهم دعاة اجتماع، ودعاة إلى نبذ الفرقة وذمها، وذلك أنهم دعاة اجتماع على السمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله، لأن في الاجتماع إرضاءً لله، و قوة وأمنًا وتماسكًا للمسلمين.

وقد أمرنا رسولنا –صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة، بالاجتماع، وأن نعتقد في أعناقنا بيعة لحكامنا المسلمين، لأن في هذا رحمة للشعوب ،وعزًا للدين؛ وذلك أن الشعوب إذا اجتمعت وعمّ بينها الأمن والأمان، أمِنَ كل واحدٍ على عرضه، ونفسه، وماله، وولده، ..إلى غير ذلك.

أما إذا تفرّق المسلمون وتنابذوا وتصارعوا، فإن الأمن يذهب، وإذا ذهب الأمن فلا تسأل عن الدماء التي تُسفك، ولا عن الأعراض التي تُنتهك ..، والواقع خير شاهد.

فما نراه في بعض بلاد العالم الإسلامي التي قامت فيها الثورات والمظاهرات من التشرد والتفرق وانتشار الرغب والخوف مؤلم للغاية، أسأل الله أن يجمع شملهم على التوحيد والسنة، وأن يُؤمّنهم وأن يُغنيهم، إنه الرب الكريم سبحانه وتعالى.

لكن بمخالفة هذه الأصل العظيم –وهو الاجتماع على الحاكم المسلم في غير معصية الله- حصلت المفاسد العظيمة، لذا أكثر رسولنا –صلى الله عليه وسلم- من الدعوة إلى الاجتماع إلى السمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله.

واعلموا أن ذلك ليس لأجل الحكام، وإنما لأجل الشعوب، لأن الناس لا يصلحون بلا رأس يسوسهم، كما قال الشاعر الجاهلي الأودي:

لا يصلح الناس فوضى لا سرات لهم … ولا سرات لهم إذا جهّالهم سادوا

أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنكم ستلقون بعدي أثرة ..»، أي حكام يأخذون أشياء من دنياكم، «.. وأمورًا تنكرونها»، أي: حكام عندهم ذنوب ومعاصي، فالأول خطاب لأهل الدنيا، والثاني خطاب لأهل الدين.

فقال الصحابة –رضي الله عنهم-: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟

قال: «تُؤدّون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم». وقال في حديث أُسيد في الصحيحين: «فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».

يا لله ! أقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: قوموا بالمظاهرات؟! بالثورات؟! بالاعتصامات؟! طلبًا للحرية وردًا للحقوق؟!!

كلا، لأن هذا الأمر وإن كان في ظاهره خيرٌ، وفيه ردٌ للحقوق، لكن الحقيقة على خلاف ذلك، والواقع خير شاهد.

أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية»، هذا كلام رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

وأخرج الإمام مسلم من حديث عوف بن مالك –رضي الله عنه-، قال –صلى الله عليه وسلم-: «ألا من ولي عليه والٍ فرأها يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأت من معصية الله»، لا ترض بالمعاصي التي عند الحكام، لكن ليس معنى وجود المعاصي عند الحكام أن نقوم بالمظاهرات والثورات، كلا، بل نصبر.

قال –صلى الله عليه وسلم-: «فليكره ما يأت من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة».

وأخرج البخاري عن ابن عمر –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يُؤمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة».

وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- قال: “بايعنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأثرة علينا، وألا نُنازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان”.

إذن لابد من كفر ظاهر بيّن، لا ذنوب ومعاصٍ ظاهرة، كلا، بل قال: “..إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان “.

وأخرج مسلم من حديث حذيفة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «تسمع وتطيع للأمير وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع».

نعم، إذا أخذ المال بغير حق، وجلد الظهر بغير حق، فإن هذا ظلم وأذيّة، لكن نصبر على ظلم شخصيٍ أو ظلم بنسبة قليلة لتحقيق مصلحة أكبر، وهي تأمين الناس في بلادهم، وحفظ دمائهم وأعراضهم.

وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يكاد أن تخرج طائفة على الحكام، إلا أن تُفسد أكثر مما تصلح.

لذا، فاعلموا أن من دعاكم للسمع والطاعة في غير معصية الله، هو يدعوكم لما أمركم الله به ورسوله –صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعوكم لما فيه خير لكم في دينكم ودنياكم.

فإن بالسمع والطاعة للحاكم، وعدم منابذته ولا منازعته، حفظًا للدماء والأعراض، وتيسرًا للدعوة إلى دين الله، ولإقامة هذا الدين.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة حتى نلقى الله راضيًا عنا .

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين، اللهم وفق ولاة أمرنا لما فيه خير الدين والدنيا .


شارك المحتوى: