يقول السائل: أشكل عَلَيَّ أنه جاء عن أبي بكر الصديق وغيره من الصحابة أنهم يؤخِّرون السحور حتى يطلع الفجر، فيأكلون، وبعضهم يأكل في أثناء الأذان، مع أنهم لا يؤذِّنون، حتى يروا الفجر طلع أم لا، كما هو الحال الآن، وبعضهم يأكل حتى تُقَام الصلاة، كيف نجمع فعلهم مع قوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]؟
يُقَالُ جوابًا عن هذا السؤال: قد جاء عن بعض الصحابة أنه كان يأكل بعد الأذان، ويتأولون فعلهم، لكن ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنه- عند عبد الرزاق بسند صحيح: «أنه لا يصح الأكل بعد الأذان»، أي: بعد أن يتبين الفجر الصادق.
ويدل على هذا كلام جماعة من الصحابة كحفصة رضي الله عنها عند ابن أبي شيبة؛ لأنها قالت: «من لم يُجمِع – يعني: يجمع النية، يعني ينوي- الصيام قبل الفجر، فلا صيام له».
فدل على أنها ترى أن بطلوع الفجر الصادق يبتدئ وقت الصيام، ومن القواعد المتقررة والتي قرَّرها الإمام الشافعي وغيره من أهل العلم: أن الصحابة إذا اختلفوا، فإننا نَفزَع إلى الدليل الشرعي، نأخذ الأشبَه من أقوالهم بالكتاب والسنَّة.
والأشبه في ذلك: هو القول بأن الأكل والشرب ينتهي بطلوع الفجر الصادق، وأنه بابتداء الفجر الصادق لا يجوز الأكل والشرب لمن هو صائم، ومَن أكل أو شرب في صيام فرض فهو آثم، وفسد صومه وبطل، وإنْ كان صيام نفل فقد فسد وبطل صومه، هذا هو الأشبه بالكتاب والسنة، وذهب إليه جمع من الصحابة، كما تقدَّم، وهو الذي عليه أئمة المذاهب الأربعة.