بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البقرة:21-22].
أما بعد:
فإن تسلط الكافرين من اليهود والنصارى على المسلمين في شرق الأرض أو غربها مُصابٌ جلل وبلاء عظيم وداءٌ عُضال، ولكل داءٍ دواء ولكل مرض شفاء، والسبب الرئيس لهذا الداء واضح في كتاب الله وفي سنة النبي ﷺ ظاهر وشاهر، وهو ذنوب العباد.
قال تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾.
وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾.
ومن أعظم هذه الذنوب الشرك الأكبر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ فما أكثر ما يقع من المسلمين دعاء غير الله، واعتقاد علم الغيب في الأولياء والصالحين، وطلب المدد والعون والتوفيق منهم، وما أكثر البدع كذكر الله بالرقص، والتعبّد بالأعياد المحرمة كالاحتفال بمولد النبي ﷺ أو اتخاذ أذكار وأدعية بطريقة جماعية لم تشرعها الشريعة كالدعاء الجماعي بعد الفرائض أو إهداء الفاتحة للنبي ﷺ.
أما عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والتبرج والسفور وأكل المال الحرام من الربا وغيره والغش في البيع والشراء … فحدِّث ولا حرج في كثير من المسلمين -هدانا الله وإياهم-.
لذا طريق العز والتمكين للأمة الإسلامية -وهو الطريق الوحيد الناجح- هو الرجوع إلى الله، فمتى ما رجع المسلمون إلى الله أعزَّهم الله، قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾.
وقال تعالى: ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾.
أما المظاهرات والاعتصامات والصراخ والعويل ودغدغة المشاعر والعواطف، فلا تُجدي شيئًا، بل تضر أكثر مما تنفع، ولنا عبرة فيما مضى مما يسمى بالربيع العربي وقبل ذلك بما يقرب من خمس عشر سنة في الحرب التي كانت بين حماس واليهود كهذه الحرب.
فقد جرَّت هذه الأحداث نكبات وأزمات على المسلمين، وتأخّرت على إثر ما يسمى بالربيع العربي دولٌ، فزاد فقرها وضعُفَ أمنها وتشتت جمعها، نسأل الله أن يجمع شمل المسلمين على التوحيد والسنة وأن يعم بلادهم بالأمن والأمان، وقد قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: السعيد من وُعظ بغيره. رواه الإمام مسلم، فاعتبروا يا أولي الألباب، فاعتبروا يا أولي العقول.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واجمع كلمتهم على التوحيد والسنة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن إخواننا المسلمين في فلسطين هذه الأيام يمرون بأزمة عظيمة من تسلط اليهود الغاصبين، والواجب علينا ما يلي:
أولًا: أن نتألّم لمصابهم؛ للأخوة الإسلامية، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾.
ثانيًا: أنه بمقتضى الأخوة الإيمانية أن ندعو لهم بأن يُسلّمهم الله وينتقم من عدونا وعدوهم وهم هؤلاء اليهود الغاصبون.
ثالثًا: أن نضبط عواطفنا بالشرع، وألا يستخفّنّا الغرب بأن يجعل بلاد المسلمين بلاد مظاهرات واعتصامات بحجة التضامن مع إخواننا، قال تعالى: ﴿ولا يَسْتَخِفَّنَّك الذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾، فإن هذه الأفعال لا فائدة منها بل تزيد السوء سوءً.
رابعًا: أننا في السعودية تحت قيادة ولاتنا فلا نتقدم عليهم، بل نسير خلفهم وهم -والله- من أحرص المسلمين على القدس وعلى فلسطين وأهلها، فإياك أن يخدعك الشيطان ونفسك الأمّارة بالسوء بدافع الحماسة أو الغيرة فتتقدم عليهم، فإن الأمر شرعًا مُوكل إليهم كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾.
ولا يُستبعد أن وراء هذه الفِعلة الشنيعة من اليهود مخطط عالمي لإثارة الشعوب المسلمة في البلاد الإسلامية ليعُم بلادها الفتن والتفكك، بل وإثارة الأقليات المسلمة في بلاد الكفار حتى يكون للكفار حجة في الضغط عليهم وأذيتهم وغير ذلك، فاتقوا الله إخواني وكِلوا الأمر إلى أهله واجتهدوا في الدعاء لإخوانكم.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم سلّم إخواننا في فلسطين، اللهم سلم إخواننا في فلسطين، اللهم وفق ملكنا وولي عهده أن يُعزوا دينك وأن يُعلوا كلمتك وأن يكونوا رحمة على المسلمين.