يقول السائل: هل يلزم من أثنى على رجل كان يراه سنيًّا ثم بعد تبين له أنه لم يكن سنيًّا، أو أنه انحرف، هل يلزمه أن يظهر التحذير منه والتراجع عن ثنائه؟ وهل يختلف الحكم إذا رأى مصلحة في السكوت عنه حتى بعد معرفة انحراف الرجل؟ ماذا يقال: فيمن يقول إن السكوت بعد الانحراف بعد أن أثنى عليه يعد ثناءً على أهل البدع، فيلحق بهم؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: إنه إذا كان الرجل سنيًّا ثم تغير، أو كان يظن أنه سني ثم تبين أنه مبتدع، فأثنى أحد على هذا الرجل الذي قد كان على السنة فانحرف، أو كان يظن أنه سني، ثم تبين أنه ليس كذلك، فينبغي لمن أثنى عليه أن يبين للناس ضلال هذا الرجل، لا سيما إذا سئل أو دعت الحاجة إلى ذلك، وهذا يختلف باختلاف الرجل، إذا كان الذي أثنى عليه له شأن ومكانة، فسئل فينبغي أن يبيّن، أو يبين ابتداءً حتى لا يغتر الناس بالرجل الذي ضل أو كان ضالًّا وظنه غير ضال، وهذا واجب، وهذا من الغيرة على دين الله، وإنكار المنكر.
لكن هذا وغيره راجع للقاعدة الشرعية، وهو أن الدين قائم على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
فإذا قُدِّر أن رجلًا قد ضل بعد أن كان على خير، أو هو ضال وكان يُظن أنه على خير، فأثنى على هذا الضال رجل من أهل السنة، ثم تبين له ضلاله، فإن الأصل وجوب بيان حال هذا الضال، لكن لو اقتضت المصلحة الراجحة ألا يبينه، فإن الدين قائم على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
فإذا كان هجر المبتدع واجبًا لكن قد يترك لمصلحة راجحة، هذا ابتداءً، فكيف برجل التبس أمره؟ فهو أولى، كما قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثامن والعشرين من “مجموع الفتاوى” وفي غيره، وقرر هذا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن كما في “الدرر السنية”.
ويدل على هذا القاعدة الشرعية العامة والشاملة للدين كله، وهو أن الدين قائم على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
وينبغي لأهل السنة إذا عرفوا رجلًا سنيًّا قد أثنى على رجل كان ضالًّا أو ظنه على سنة وهو ضال، ينبغي لهم ألا يقفوا موقفًا عدائيًّا من هذا الرجل الذي أثنى عليه، ولم يبيّن خطأ هذا الرجل بعد أن أحسن الظن به، لا سيما إذا كان هذا الرجل السني الذي قد أثنى على ذاك الضال معروفًا بالسنة والدفاع عنها، فينبغي أن يحسن الظن، وأن يعلم أن سبب عدم التحذير من هذا الرجل يرجع لأمور، بدليل أنه قد حذر من أناس كثيرين لما تبين له ضلالهم.
أسأل الله أن يجعل قلوب أهل السنة على الهدى، إنه الرحمن، إنه الرحمن الرحيم.