هناك من يسبّ، ويطعن في شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب، وشيخِ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله، فيقول لمن يقرأ مؤلفاتهم: الوهابية، ما توجيه نصيحتكم لمن يُبغِض هذين الشيخين، ويطعن فيهم؟ وهل يوجد مذهب يتسمى بالوهابية؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: أنك إذا تأملت في منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى لم تجد الخصوم طعنوا فيهم فيما يتعلق بالفقه، لأنهم في الفقه على المذهب الحنبلي، إلا إذا تبين الدليل على خلاف ذلك، فإنهم يخرجون عن المذهب الحنبلي إلى غيره من المذاهب المعتبرة، وإلى الأقوال المعتبرة، نظرًا للدليل الشرعي، وهذا يفعله كلُّ العلماء المحققين.
وإنما يطعنون فيما جاءوا به من دعوة التوحيد، ففي مثل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يطعنون في دعوته إلى إفراد الله بالعبادة، وإلى إثبات أسماء الله وصفاته على ما عليه أهل السنة، خلافًا للمتكلمين من الأشاعرة وغيرهم.
فإذن هو رحمه الله تعالى مجدِّدٌ، وجدَّد في توحيد الله بأن أحيا توحيد الله على ما عليه السلف الصالح، فإذن المخالفون له إنما يخالفون له فيما يتعلق بتوحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة، وفي توحيد الأسماء والصفات، وكذلك في سدِّ ذرائع الشرك، التي جاءت الشريعة بالنهي عنها.
وأيضًا مما اشتهر الخلاف فيه مع شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، هو أنه لا يقول باستحباب شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قولٌ مخالفٌ لإجماع أهل العلم، يوجد من العلماء من قال بجواز شد الرحل أي بإباحته، ويوجد من خالفه، ومنعه.
أما القول باستحبابه، وأن شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم عبادة، فهذا قولٌ محدَثٌ لم يُسبق إليه أحد، ومن المتقرر علميًا أنَّ التقرب إلى الله بالمباحات من جملة البدع.
نص على هذا شيخُ الإسلام رحمه الله تعالى في مواضع، بل ممن ذكر هذا السُبكي الداعية إلى شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عيه وسلم، ونقل هذا ابن حجر الهيثمي في فتاواه، ثم قرره.
فإذا التعبد بالمباح بدعةٌ، ومحرَّمٌ في الشريعة، ومن ذلك من تعبد بشد الرحل.
فالمقصود أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يعادَ إلا في توحيد الله، ولا يستطيع منصف أو باغٍ يستحي من البغي، أن يصف شيخ الإسلام بن تيمية بأنه تكفيري، لأنه رحمه الله تعالى كثيرًا ما يُردد الأعذار للمعين إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، ويحكي إجماع الصحابة على ذلك رحمه الله تعالى رحمةً واسعة.
لذا إذا تأملتم في الطاعنين في شيخ الإسلام إنما يطعنون في عقيدة التوحيد.
ومثل ذلك يقال في الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ما طعن فيه الطاعنون إلا لنصرته لدعوة التوحيد التي عليها أئمة السنة، والتي جدّدها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، واشتهر في الدعوة إلى توحيد الألوهية لكثرةة الشرك في زمانه، ولأنَّ دولةً نصرته.
فنفع الله به كثيرًا، وصار مجدِّدًا متميزًا بأن كان سببًا عظيمًا لإظهار التوحيد في جزيرة العرب، وهدم القباب والأضرحة، وهذا فضل الله عليه، وعلى كل من ناصره كالإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى رحمةً واسعة.
وإنَّ أثر دعوته لم تكن محصورةً بجزيرة العرب، بل امتدت إلى العالم الإسلامي كله، بل امتدت حتى إلى بلاد الكفر، ويوجد كثيرون من أنصار التوحيد والسنة تأثروا بدعوة الإمام المجدد محمد عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وبدعوة الإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
فالمقصود: أن المعادي لهما إنما عاداهما لدعوتهما إلى توحيد الله وإلى إفراد الله بالعبادة، وما تقدم ذكر بعضه.
إذا تبين هذا فليس غريبًا أن دعاة الباطل يعادون أهل الحق، وليس غريبًا أن يرموا أهل الحق بألقاب السوء؛ حتى ينفّروا الناس منهم، كما فعل ذلك كفار قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سموه شاعرًا وساحرًا وكاهنًا؛ لينفّروا الناس منه.
ثم بعد ذلك أهل البدع وصفوا أهل السنة بذلك، كما فعل هذا الجهمية وغيرهم من المتكلمين، ووصفوا أهل السنة بأنهم حشوية، وأنهم مجسمة وهكذا.
بيَّن هذا بوضوح الإمام أبو عثمان الصابوني في كتاب “عقيدة السلف أصحاب الحديث”.
فالمقصود: أن رمي التُهم ليس صعبًا، وهي عادة أهل الباطل.
وأدعو كل عاقل، ومنصفٍ، وكلّ رجلٍ يريد الله والدار الآخرة، بل أدعو كلّ رجلٍ يقدر كلمته التي تخرج من فمه أو التي يكتبها بيده، أنه إذا سمع شيئًا في الإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أن يرجع، وأن يتوثق من ذلك، فإنه في الجملة سيجد أحد أمرين:
إما أنهم قدحوا فيهم بحقٍ جاءوا به، وعليه السلف الصالح، ودعا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بوضوحٍ، كإفراد الله بالعبادة وإثبات أسماء الله وصفاته، إلى غير ذلك.
وإما أن يجد بهتانًا وكذبًا، ومما سمعت قبل زمنٍ لأحد مشايخة بلاد المغرب – هداه الله، وأعز الله بلاد المغرب بالتوحيد والسنة-، أنه خرج في قناة فضائية، وكذب أمام الناس بكذبٍ كُبَّار، وقال: إن محمد بن عبد الوهاب يقول: ((إن عصاي التي أتوكأ إليها أنفع من محمد صلى الله عليه وسلم))، ثم يقول: – وهذا من زيادة كذبه- ((إن هذا موجود في كتبه)).
وأنا أدعو الثقلين الإنس والجن أن يُخرجوا هذا من كتبه، والله لن يجدوه، وإنما هو الكذب الكُبَّار والصد عن دعوة الحق.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحينا على التوحيد والسنة، وأن يميتنا على التوحيد والسنة، وأن يجزي هذين الإمامين خيرًا لنصرتهم لدين الله، وتجديدًا لدين الله، فإنهما لم يأتيا بشيءٍ جديد، وإنما جدّدا وأحيا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وجزاكم الله خيرًا.