أحداث تونس الحالية بين الإفراط والتفريط
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ….. أما بعد ،،،
فإن الظلم والاضطهاد محرم على الحاكم والمحكوم والراعي والرعية ، ومن شناعة الظلم وبغض الله له أن حرمه على نفسه قال تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ )، وقال: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) وأخرج مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ).
والعدل من أعظم أسباب بقاء الدول والولايات
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/146) : ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة . ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام ا.هـ
وقال في مجموع الفتاوى (28 / 62): فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ولهذا يروى : ” الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ” ا.هـ
ومن سخط الله على الظالم أنه سبحانه يخذل الظالم وينصر المظلوم ولو بعد حين، فكم هلكت دول، وزالت أمم، وتهاوت عروش بسبب دعوة مظلوم سرت بليل قال مؤرخ الإسلام الذهبي – رحمه الله – في كتابه الكبائر : وقيل لما حبس خالد بن برمك وولده قال : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد والحبس. فقال : يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها . وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هبت أحدًا قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، يقول لي : حسبي الله : الله بيني و بينك .
و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين :
( أما والله إن الظلم شوم … و ما زال المسيء هو الظلوم )
( ستعلم يا ظلوم إذا التقينا … غدا عند المليك من الملوم ) ا.هـ
وكل من ولي ولاية فهو مأمور أن يقيم في الرعية شرع الله والعدل كما قال تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا )، وبيَّن سبحانه أن أعظم أسباب صلاح الحال الديني والدنيوي تمسك الحاكم والمحكوم والراعي والرعية بدين الله قال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا )، وقال: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ) هذا في الدنيا ، وفي الآخرة: ( فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا )، وقال: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا . وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )
وليُعلم أنه مع تشديد تحريم الشريعة للظلم وأنه من أسباب ذهاب الدول والولايات والحكومات إلا أنها في المقابل أمرتنا بالصبر الشديد على جور الحكام الظالمين ، وهذا ليس حباً لهؤلاء الحكام الظالمين وإنما لمصلحتنا ، وذلك أن الافتيات على الولاية ولو كانت ظالمة محرم لأنه يترتب عليه مفسدة أعظم بكثير عليهم وعلى بقية الرعية .
وإنما نحن مطالبون بالصبر على ظلمه الذي ينتهي بموته أو موت المظلوم على خير لأنه من الصابرين كما قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل : اصبروا حتى يستريح بر ( بأن يموت الصابر المظلوم من الرعية ) أو يُستراح من فاجر ( وهو الحاكم الظالم) .
قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (3 / 231): ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة – ثم قال – ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته ا.هـ
ومصداق هذا في واقعنا المعاصر ما جرى في دولة الصومال وقت حكم سياد بري، فقد كان الصوماليون يعيشون ظلماً، فلما انقلبوا عليه عاشوا ظلماً أشد وأشد بانعدام الأمن على الأنفس والأموال والأعراض وتشتتوا في البلاد المجاورة،وأكلَ القوي منهم الضعيف، وتسلطت القبائل بعضها على بعض.
ثم اعتبروا ذلك بحال العراق فكم كانوا يعيشون اضطهاداً وظلماً دينياً ودنيوياً في ولاية الطاغية صدام ، فلما سقطت ولايته عاش الناس تشتتاً وسفكاً للدماء والأنفس بين الأحزاب السياسية والدينية والقومية .
فما أعظم هذه الشريعة التي راعت المصالح وقامت على قاعدة عظيمة وهي جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها فتدرأ المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى ، فدرأت مفسدة ظلم الرعية لبعضهم وتشتتهم وذهاب أمنهم – وهي المفسدة الأكبر – بمفسدة الصبر على ظلم الولاة الظالمين وهي مفسدة كبيرة لكنها أقل بكثير من المفسدة السابقة .
وإليك بعض النصوص الشرعية وأقوال علماء الأمة المرضية في الأمر بالصبر على جور الحكام:
أخرج الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ” وأخرج الشيخان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ستكون أثرة ( حكام يؤثرون أنفسهم عليكم في أخذ حطام الدنيا ) وأمور تنكرونها (حكام عندهم معاصي شرعية ) ” . قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال:” تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ” وفي الصحيحين عن أسيد بن حضير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ” وأخرج مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ” وأخرج مسلم عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ”
قال الحسن البصري : هؤلاء – يعني الملوك – وإن رقصت بهم الهماليج ووطئ الناس أعقابهم فإن ذل المعصية في قلوبهم إلا أن الحق ألزمنا طاعتهم ومنعنا من الخروج عليهم وأمرنا بأن نستدفع بالتوبة والدعاء مضرتهم ، فمن أراد به خيراً لزم ذلك وعمل به ولم يخالفه ا.هـ ( آداب الحسن البصري لابن الجوزي ص121)
وقال : اعلم – عافاك الله – أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف ، وإنما تتقى وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هي أقطع ا.هـ (آداب الحسن البصري لابن الجوزي ص119 )
وأخرج الآجري في الشريعة (1 / 73): عن عمر بن يزيد قال : سمعت الحسن أيام يزيد بن المهلب قال : وأتاه رهط فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ، ويغلقوا عليهم أبوابهم ، ثم قال : والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلوا إليه ، ووالله ما جاءوا بيوم خير قط ، ثم تلا : ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) ا.هـ
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28 / 179): وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه ؛ فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة كقوله: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك ) وقوله : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) وقوله : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) . وهذا عام في ولاة الأمور وفي الرعية إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ؛ فعليهم أن يصبروا على ما أصيبوا به في ذات الله كما يصبر المجاهدون على ما يصاب من أنفسهم وأموالهم . ا.هـ
قال النووي في شرح مسلم (12 / 232): وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه ا.هـ
ومع تكاثر النصوص الشرعية في هذا الصدد لمصلحتنا إلا أن الحركيين من الإخوان المسلمين والسروريين والقطبيين والتبليغيين يعارضون هذه النصوص ولا يعملون بها بتأويلات فاسدة لا تصدر ممن امتلأ قلبه حباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكان لسان حاله :” سمعنا وأطعنا “.
واعجباً كيف يدعي قوم أنهم متدينون فيحرصون على السنن الرواتب وقيام الليل وغير ذلك من الطاعات – وهذا خير ولا شك – لكنهم في المقابل لا يقبلون هذه النصوص الكثيرة في السمع والطاعة ، إن المؤمن الراجي لله والدار الآخرة يدخل في الدين كله بأن يقر به كله كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) أي الإسلام كله . وقال: (أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) وقد ظهر هذا التناقض واضحاً جلياً بين الحركيين وفي هذه الأيام خصوصاً حين مباركتهم لما فعله الشعب التونسي المظلوم مع حاكمهم الظالم الباغي.
ولا شك أن واقع تونس أيام حكم حاكمهم المتنحي مزرٍ وغير مرضي لشدة الظلم الواقع عليهم ديناً – وهو الأهم – ودنيا – وهو مهم – لكن الأمر أشد، والظلم أكبر عند افتياتهم ومخالفتهم للنصوص الشرعية من جهتين :
الجهة الأولى/ معصيتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهذا يضرهم في الآخرة ، فكانوا مأمورين بالصبر والتعبد به ليفوزوا برضا الله الذي دعاهم إلى الصبر لمصلحتهم ومصلحة بقية الرعية وهو العليم الخبير (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) .
الجهة الثانية / إنهم في مثل هذه الحالة خرجوا من ظلم إلى ما هو أشد، فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار .
وبعض الناس لضيق أفقه وقصر نظره يريد تحقيق رغبته ولو كان ما كان، فيريد زوال هذا الحاكم ولو كان بعد ذلك ما كان من المفاسد العظيمة، وهذا ما لا يقره دين ولا عقل ، فكم فرح كفار قريش في صلح الحديبية بموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بند: أن يرد من جاءه مسلماً إلى الكفار لا العكس ، وما علموا أن هذا الصلح من حيث المآل فتح ونصر أخضعهم تحت ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام، وبسبب هذا الصلح – بعد توفيق الله – حطمت معبوداتهم وأصنامهم وخضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن لم تكن نظرته بعيدة كرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوافق لهم على هذا البند حتى لا يفرحهم، بل ويصر على قتالهم ليطفئ حرقة قلبه ولو كان ما كان من الخسائر وهذا ما لا يصح شرعاً وعقلاً.
ثم من المتقرر شرعاً وعقلاً أن حصول النتيجة والمراد لا يدل على صحة الطريقة ، أما شرعاً فقد أخرج أبو داود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:” إن الرقى والتمائم والتولة شرك “. قالت: قلت: لم تقول هذا والله لقد كانت عينى تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودى يرقينى فإذا رقانى سكنت. فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:” أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ” ، أما في العقل فإن في السرقة والاغتصاب حصول النتيجة والمراد لكن لا يدل هذا على صحة هذه الطريقة ، ومثل هذا يقال في الخروج على الحكام الظلمة فإنه لو حصلت النتيجة والمراد من رفع الظلم فلا يدل هذا على صحة الطريقة شرعاً ، ونحن عبيد لله لا نخرج عما يريده سيدنا ومولانا، فكيف والواقع أن المفاسد الناتجة من الخروج عظيمة جداً أكبر من مفسدة الصبر على جور الحاكم الظالم ، ولو قدر خلاف ذلك فإن الشريعة تعلق الأحكام بالغالب رحمة بالعباد والنادر القليل لا حكم له .
وفي هذا المقال أحذر من أمرين خطيرين:
الأمر الأول/ أحذر شعب تونس المسلم أن لا يخوضوا هذه الفتنة وأن يكونوا أحلاس دورهم ملازمين الصبر وعبادة الله حتى يرفع الله ما نزل بهم ، فما نزل بلاء إلا بذنب وما ارتفع إلا بتوبة ، أخرج مسلم عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” العبادة في الهرج كهجرة إلي ” .
وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اعتزال الفتن كما أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به ”
وأوصيهم أن يثبتوا على ما دل عليه الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة ، وألا يستخفنهم أهل الجهل أو البغي من الأحزاب السياسية والأحزاب الدينية السياسية الذين ينغمسون في أمثال هذه الفتن ليتوصلوا إلى منصة الحكم بحجة الإصلاح أو غير ذلك ، وواقع حال أكثرهم حب الرئاسة والعلو في الأرض ، ومن كان صادقاً منهم – وما أقله إن وجد – فهو يضيع دينه ويضعفه بخوض هذه الفتن ، ثم إذا قدر أن يصل إلى منصة الحكم سيضطر أن يتنازل عن أشياء كثيرة لإرضاء الشعوب ، وقد كان النجاشي ملكاً عظيماً في دولة عظيمة ومع ذلك لما أسلم أخفى إسلامه فلم يستطع إظهاره فضلاً عن تغير دولته ، وإليك مثالين واقعيين:
المثال الأول/ تولي الإخوان المسلمين الحكم في السودان بعد سعي شديد ، ونتيجة هذا أنهم ما استطاعوا إظهار الدين بل جميع الطوائف الدينية على ما هم عليه من كفار كالنصارى وغيرهم ، أو الطوائف المحسوبين على الإسلام كالرافضة الذين نشطوا في عهدهم – وهم ساكتون مكتوفو الأيدي – أو الصوفية وغيرهم ، ثم ضعفت الدنيا في زمانهم أكثر من ذي قبل ، وانتهى بهم المطاف بتقسيم السودان واستقلال النصارى بدولة لهم عن السودان .
المثال الثاني/ تولي الإخوان المسلمين في تركيا فلم يصلحوا الدين بل ازدادوا فساداً، بل وأقروا الاختلاط حتى في المعاهد الدينية بعد أن لم يكن موجوداً كما تراه في مقال بعنوان : تركيا بين الإسلاميين والعلمانيين
الأمر الثاني / ألا يتهور بقية المسلمين في اليمن والجزائر وغيرهما ويصدروا عن قول الذين يريدون أن يتسع الفساد في العالم الإسلامي – سواء بقصد أو بغير قصد – ولو من الإسلاميين كسلمان العودة في مقاله السيئ بعنوان ( أطعموا شعوبكم قبل أن تأكلكم) وكقدوته وشيخ طريقته يوسف القرضاوي الذي هنأ وبارك بفعلة التونسيين في قناة الجزيرة ، فيكرروا فعل الشعب التونسي المسلم الطيب بل الواجب أن يدفعوا المفسدة الأكبر بتحمل المفسدة الأقل وإن كانت كبيرة لكنها أقل بكثير من مفسدة الافتيات على الحاكم والتسبب في عزله .
إن الحركيين الإسلاميين وقنواتهم كقناة المجد الحركية ينشطون في أجواء الفتن لإثبات الوجود وتشرفاً وتطلعاً لرئاسة حركية فستراهم يتسابقون تأييداً لفتنة تونس متطلعين لرئاسة حركية هناك ثم إذا باءت الأمور بالدماء والخسائر والفشل طالعوا الناس في لقاءات وحوارات متعددة لتبرئة أنفسهم من حادثة تونس، وحاولوا إقناع من لا يدري ومن يحسن الظن بهم أنهم ما كانوا مؤيدين لهذه الفعال وإنما كانوا يريدون كذا وكذا كما فعلوا ذلك في الجزائر فتصدر رؤوس الحركيين كسلمان العودة وسفر الحوالي وناصر العمر وعائض القرني فتنة الافتيات على ولاتهم بخلاف علمائنا الكبار كالشيخ العلامة ابن باز والشيخ العلامة الألباني والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمهم الله -، فلما فشل هذا الخروج تبرؤوا من ذلك بلا استحياء ولا خجل ، وتعللوا بعلل واهية لا تروج على أهل العقول السليمة ، وقد فضحهم أيما فضيحة وكشف عوارهم لكل ذي بصيرة الشيخ الفاضل عبدالمالك رمضاني الجزائري في كتابه العظيم: (مدارك النظر في السّياسة بين التطبيقات الشّرعية والانفعالات الحَمَاسية). وقدم للكتاب الشيخ الألباني والشيخ عبد المحسن العباد .
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=953
ومثل هذا كرروه في العراق ، وقبل هذا فعلوه أيام دخول صدام حسين على الكويت والسعودية وجزموا أن أمريكا لن تضرب العراق مدعين أن هذا مخطط اتفاقي بين أمريكا وصدام ، فلما ضربت أمريكا العراق وكشف الله الغمة بكسر صدام حسين رجع الناس عليهم ذامين لهم، فأكثروا اللقاءات لتبرير فعالهم المخزية كما أجرى العشماوي لقاء مع سلمان العودة بعنوان ( على طريق الدعوة ) أخرج سلمان العودة نفسه من هذه الورطة بأنه سياسي كبقية السياسيين ، يخطئ ويصيب !!
إنه لا سواء ألبتة وذلك أنهم يتكلمون باسم الدين ويصدقهم الناس لأجل هذا، بخلاف السياسيين ثم إنهم حرضوا الناس على ولاة الأمور وطعنوا في العلماء كالشيخ العلامة ابن باز – رحمه الله – بخلاف السياسي الذي لا يعدو أن يذكر رؤياه الظنية وتوقعاته التخمينية .
ولتعلم أن الحركيين الإسلاميين سماسرة ودعاة إلى الحزب وإلى أنفسهم لا إلى دين ربهم كما عليه علماؤنا والسلفيون السائرون على طريقتهم والذين يحاول الحركيون تنفير الناس منهم بطرق شتى منها نبزهم بألقاب السوء كعباد السلاطين وكالجامية والمداخلة وهكذا … وليتضح أنهم سماسرة يتاجرون بعواطف الناس لمصالحهم الحزبية وأنهم دعاة إلى أنفسهم قارن مقال سلمان العودة ( أطعموا شعوبكم قبل أن تأكلكم ) باللقاء الذي أجراه معه تركي الدخيل في برنامج إضاءات تاريخ 29 / 5 / 2009م وبمقال بعنوان ( الإسلام والحركات ) وفيه أثنى على حكومة تونس وأنها بخلاف ما يشاع عنها في محاربة الإسلام ، وأن الحجاب شائع والمساجد مزدحمة ومظاهر الدين قائمة وأشاد بلغة الخطاب السياسي فيها وهكذا… ، ثم لما سقطت الحكومة كشر عن أنيابه بهذا المقال ( أطعموا شعوبكم قبل أن تأكلكم ) الذي يزيد التونسيين الطيبين تحريضاً بل وأراد المزيد بتهييج الشعوب الأخرى كالجزائر على دولهم .
إذا عرفت هذا عرفت أن لسمان العودة وجهين سياسيين فوجه لمن فتح له ولحزبه من الدول الباب، أو رجا أن يفتح له الباب ولحزبه أثنى عليهم وهو كاره لهم يرجو سقوط حكمهم كما فعل هذا مع حكومة تونس، ووجه آخر للشعوب المستضعفة المظلومة إذا أراد تجيرهم لرصيده الجماهيري .
والواجب على الدعاة إلى الله ألا يهلكوا شعب تونس ، بل يدعوهم إلى اعتزال الفتن وأن يبينوا عدم إقرار الشرع لفعلهم من الافتيات على سلطانهم مع ظلمه وفي المقابل لا يقر حاكمهم على ظلمه ، ودعوتهم إلى عدم الافتيات لمصلحتهم من جهة، وطاعة الله من جهة أخرى فنكون في هذا وسطاً بلا إفراط ولا تفريط .
قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (5 / 151-153) بعد إيراده نصوصاً في الصبر على جور الأئمة قال:
فهذا أمره بقتال الخوارج وهذا نهيه عن قتال الولاة الظلمة وهذا مما يستدل به على أنه ليس كل ظالم باغ يجوز قتاله
ومن أسباب ذلك أن الظالم الذي يستأثر بالمال والولايات لا يقاتل في العادة إلا لأجل الدنيا يقاتله الناس حتى يعطيهم المال والولايات وحتى لا يظلمهم فلم يكن أصل قتالهم ليكون الدين كله لله ولتكون كلمة الله هي العليا… وبالجملة العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال والإمارة وهذا قتال على الدنيا… وأما أهل البدع كالخوارج فهم يريدون إفساد دين الناس فقتالهم قتال على الدين
والمقصود بقتالهم أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله فلهذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم بهذا ونهى عن ذلك. ا.هـ
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يصلح الحال في بلاد المسلمين عامة وفي تونس خاصة عاجلاً غير آجل وأن يحقن دماءهم ويحفظ أعراضهم ويسلم دينهم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالعزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
http://islamancient.com
13 / 2 / 1432هـ
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=3040