أربعة شواهد تؤكد مخالفة “المظاهرات” للكتاب والسنة “تثير الفتن وتحدث الشغب وتسفك فيها الدماء
المعروف أنه دائما ما تحدث في المظاهرات إصابات وخسائر بشرية وأضرار بالغة لممتلكات المواطنين. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد:
فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد خلق الخلق لحكمة عظيمة بينها في كتابه العزيز، فقال تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” الذاريات: 56، والمعنى أن الله لم يخلق الثقلين إلا لعبادته وحده لا شريك له، فلا يصرفون شيئا من أنواع العبادة لغير الله تعالى، كما قال تعالى: “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا” النساء: 36، فهذا النهي قد عم أنواع الشرك كلها صغيرة وكبيرة، ويدخل فيه كل ما عبد من دون الله.
ثم إن هذه العبادة قد حدها بعض أهل العلم بقوله: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وأنواع العبادة كثيرة: لكنها لا تقبل إلا بشرطين:
الأول: إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، كما قال ـ عز وجل ـ: “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة” البينة: 5.
الثاني: المتابعة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن لا يعبد إلا الله بما جاء من طريق هذا الرسول الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ من كتاب الله والسنة الصحيحة، قال الله ـ سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا” النساء: 59.
وقال تعالى: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبوعني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم” آل عمران: 31.
وقد بينت السنة هذا الأصل العظيم في غير ما حديث، من ذلك:
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” متفق عليه. وفي رواية: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” أخرجه مسلم.
ـ عن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ قال: وعظنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة” أخرجه أبو داود والترمذي.
ـ عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا خطب يقول: “إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة” أخرجه مسلم.
وكما أن المسلم لا تقبل عبادته إلا بتحقيق هذين الشرطين، فإنه لا يمكن أن يهتدي إلى الفهم الصحيح لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بالأخذ بفهم السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ وفي مقدمتهم الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ كما قال ـ سبحانه وتعالى ـ: “فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اعتدوا” البقرة: 137. وقال تعالى “ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا” النساء: 115.
والآثار السلفية في وجوب الأخذ بكتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفهم سلف الأمة الصالح أكثر من أن تحصر في مثل هذا الموضع، فمن ذلك:
ـ قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: “من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه فتنة، أولئك أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”.
إذا تقرر ما تقدم، فاعلم ـ رحمني الله وإياك ـ أن هناك أمورا كثيرة قد حدثت في زمننا هذا، ليست من شرع الله في شيء، وإنما يتعلق بها أناس يجهل الكثير منهم أو يتجاهل نصوص الشرع، وآثار السلف في النهي عن المحدثات في الدين، ويعظم الخطب حينما تنسب هذه الأمور المحدثة إلى دين الله ـ عز وجل ـ، كما يفعله بعص الناس ممن يفتي في القنوات الفضائية، مخالفين بذلك هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حيث لا يشعرون.
ومن هذه الأمور المستحدثة في دين الله “المظاهرات”، حيث أصبحت ظاهرة مشهودة في كثير من بلاد المسلمين إلا ما ندر، ورغم صدور الفتاوى في تحريمها من قبل كبار أهل العلم المعتبرين، إلا أن أكثر الناس حيال هذه الفتاوى على قسمين:
القسم الأول: من اطلع على هذه الفتاوى، ومع ذلك يحاول ألا تظهر على الساحة، ويحول بين الناس وبين سماع وقراءة مثل هذه الفتاوى، وهذا حال كثير ممن ينتسبون إلى ما يسمى بـ “الجماعات الدعوية”، إذ إن هذه الفتاوى تصادم أهداف هذه الفرق التي أسست على أمور أهمها مصادمة الحكومات، والخصومات السياسية.
القسم الثاني: ممن لم يطلع على هذه الفتاوى، وهذا حال كثير من العوام المساكين، ممن لا يقرأ في كتب أهل العلم المعتبرين، وإنما يأخذ دينه عن طريق وسائل الإعلام التي أكثر من يظهر فيها هم ذوو الاتجاهات المنحرفة والمشبوهة إلا من رحم الله.
ولقد علم إنكار كبار أهل العلم على من حاول نسبة هذه المظاهرات إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن العلماء الذين أنكروا ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ حيث قال في معرض رده على عبد الرحمن عبد الخالق: “ذكرتم في كتابكم: (فصول من السياسة الشرعية) ص 31، 32: أن من أساليب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدعوة التظاهرات (المظاهرة) ولا أعلم نصا في هذا المعنى، فأرجو الإفادة عمن ذكر ذلك؟ وبأي كتاب وجدتم ذلك؟
فإن لم يكن لكم في ذلك مستند، فالواجب الرجوع عن ذلك، لأنني لا أعلم في شيء من النصوص ما يدل على ذلك، ولما قد علم من المفاسد الكثيرة في استعمال المظاهرات، فإن صح فيها نص فلابد من إيضاح ما جاء به النص إيضاحا كاملا حتى لا يتعلق به المفسدون بمظاهراتهم الباطلة” مجموع فتاوى ومقالات ـ الجزء الثامن ص 240.
والآن دونك ـ رحمني الله وإياك ـ ما تيسر من البحث حول هذه الظاهرة الخطيرة، والتي تسمى (المظاهرات).
ما المقصود بالمظاهرات؟
المقصود منها: خروج جمع من الناس مجتمعين في الطريق أو نحو ذلك، للمطالبة بشيء معين، أو لإظهار القوة، أو نحو ذلك، فهم قد ظاهر ـ أي ساعد ـ بعضهم بعضا على إظهار الشيء الذي قاموا لإظهاره، أو للدعوة إليه، فمن هنا سميت مظاهرة. هكذا عرفها صاحب كتاب نظرات وتأملات من واقع الحياة.
أصلها:
لا يشك أحد أن المظاهرات قد دخلت على المسلمين من الخارج، حيث تنتشر الأحزاب والمنظمات التي تتخذ من المظاهرات وسيلة لإبراز مطالبها السياسية ونحوها واتخاذها كوسيلة ضغط على حكومات تلك الدول. والمظاهرات في الغرب تعد من وسائل التنفيس والرد على الحكومات، إذ إن كل من لا يستطيع إيصال صوته عبر الوسائل الرسمية يلجأ إلى المظاهرات.
وقد أعجب بهذه المظاهرات كأسلوب من أساليب الضغط على الحكومات، كثير من الأحزاب والحركات المحدثة سواء كانت أحزابا سياسية أو علمانية أو ما يسمى بالجماعات (الإسلامية)، ولم يبحث أحد من أولئك في مشروعيتها أو كونها مخالفة للشرع أو موافقة له، بل كانت المطامع والأهداف الحركية والحزبية طاغية بما لا مجال معه عند هؤلاء للتوقف والبحث في مشروعيتها من عدمه.
أدلة من قال بجوازها:
في هذا المبحث نناقش أناسا تكلموا أخيرا عن هذه المظاهرات مجوزين لها، لما تواردت عليهم أسئلة من بعض من اطلع على فتاوى تحريمها، فكان من أولئك أن استدلوا على جوازها بما يلي:
ـ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج بعد إسلام عمر ـ رضي الله عنه ـ على رأس صفين من أصحابه، وعلى الأول منهما عمر ـ رضي الله عنه ـ وعلى الثاني حمزة ـ رضي الله عنه ـ رغبة في إظهار قوة المسلمين، فعلمت قريش أن لهم منعة.
(الحلية لأبي نعيم 1/40)، (الإصابة لابن حجر 2/512 ونسبه لمحمد بن عثمان في تاريخه)، (الفتح لابن حجر 7/59 ونسبه إلى البزار).
بالنسبة للدليل الأول: هو خبر لا يثبت، ومدار هذا الحديث على رجل اسمه اسحاق بن أبي فروة، وهو منكر الحديث لا يحتج به، فيبطل الاستدلال به على جواز المظاهرات، قال العلامة المحدث عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في معرض رده على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق الذي استدل بهذه الرواية على جواز (المظاهرات) “وما ذكرتم حول المظاهرة فقد فهمته وعلمت ضعف سند الرواية بذلك كما ذكرتم، لأن مدارها على إسحاق ابن أبي فروة، ولو صحت الرواية فإن هذا أول الإسلام قبل الهجرة وقبل كمال الشريعة. ولا يخفى أن العمدة في الأمر والنهي وسائر أمور الدين على ما استقرت به الشريعة بعد الهجرة” مجموع فتاوى ومقالات ـ الجزء الثامن 246.
ومن أدلتهم أن فيها من المصالح: إظهار الحق، وإنكار المنكر، والتعبير عن الرأي الصحيح، وإظهار قوة الدين، وإحياء الوحدة الإسلامية، وغيرها من المصالح.
بالنسبة لما ذكر من المصالح لا يسوغ المظاهرات بحال، لأمور كثيرة منها:
أولا: أن ما ذكر من المصالح إنما هو تخمين، وظن ضعيف، والواقع يشهد بخلاف ما ذكر، فهل منعت المظاهرات في العالم كله أمريكا من أن تعتدى على العراق، أم هل ألغت المظاهرات والمسيرات قرار منع الحجاب في فرنسا؟؟
ثانيا: إن المفاسد المترتبة على المظاهرات أعظم، وأكبر من هذه المصالح المزعومة. والقاعدة الفقهية تقول (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).
ثالثا: السكوت عن المظاهرات التي يدعي أصحابها (تحقيق أهداف إصلاحية) فيه فتح باب على مصراعيه لأصحاب الأهداف السيئة، والتي قد يكون ظاهرها الخير بينما هي في الحقيقة شر ووبال، ولا يستطيع أحد في وقتنا هذا أن يزعم السيطرة على هذا الباب إن فتح. رابعا: إن كل ما ذكر من المصالح لا يجيز لنا إحداث شيء في الدين لم يشرعه الله لنا ولا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولم يسبقنا إليه أحد من سلف هذه الأمة، بل هو من محدثات الأمور التي نهينا عنها.
ـ ومن أدلتهم: قياسهم المظاهرات على اجتماعات المسلمين في الأعياد والحج.
ـ فهذا باطل من وجوه:
أولا: أنه قياس مع الفارق، ولا علة صحيحة تجمع بين الأمرين، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ: “أما ما يتعلق بالجمعة والأعياد ونحو ذلك من الاجتماعات التي قد يدعو إليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء. فكل ذلك من باب إظهار شعائر الإسلام وليس له تعلق بالمظاهرات كما لا يخفى” فتاوى ومقالات الجزء الثاني 240.
ثانيا: إن تلك الاجتماعات الإسلامية أمر قد قرره الشارع الحكيم، بينما المظاهرات أمر دخيل على الأمة الإسلامية مأخوذ من غير المسلمين.
ثالثا: شتان بين الآثار المترتبة على اجتماع المسلمين في الأعياد والحج وبين الآثار السيئة الناتجة عن المظاهرات، كما سيأتي بيانه.
ـ ومن أدلتهم أن المظاهرات التي تعمل إنما هي مظاهرات سلمية.
ـ بالنسبة لقولهم مظاهرات سلمية فنقول: حتى أصحاب الشر سيقولون مثلكم، مقاصدنا سلمية ثم من يضمن لكم ألا يخرج من بين هذه الجموع من يفسد ويخرب. وتنبه العلامة محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ لمثل هذه الشبهة فقال ردا عليها: “وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية” انظر: “الجواب الأبهر” لفؤاد سراج ـ ص 75.
ـ ومن أدلتهم مشاركة بعض المنتسبين إلى العلم فيها.
بالنسبة لاحتجاجهم بمن شارك فيها من بعض من ينتسب إلى العلم فنقول تلك الحجة التي طنطن بها القبورية على تجويز ما وقعوا فيه من الشرك، وكذا فعل أهل البدع حينما احتجوا بمثل هذه الحجة وليست بحجة فإن المعول على كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعل السلف الصالح، وما أجمعوا عليه فأين من كتاب الله أو السنة الصحيحة أو فعل سلف الأمة ما يجيز فعل المظاهرات وإنما شارك فيها من شارك والله أعلم إن كان من أهل العلم حقا أم لا، وليس بحجة على الأمة فضلا عن أن يكون حجة على من سبقه، والمرجع عند الاختلاف ما ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز.
ـ ومن أدلتهم أنها هي الطريقة الوحيدة المؤثرة في إيصال صوت الحق للناس في الداخل والخارج.
المناقشة: بالنسبة لما قيل من أن المظاهرات هي الطريقة الوحيدة المؤثرة لإيصال صوت الحق إلى الناس في الداخل والخارج فهذا غير صحيح، فوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة قد انفتحت انفتاحا كبيرا جدا، وإن كنا لا نرى هذا الانفتاح محمودا من جميع الجهات، ويستطيع المسلم أن يدلي بصوته ورأيه مادام مأطورا بإطار الشرع الحنيف، وللأسف أن أكثر من يتحدث باسم الدين في وسائل الإعلام اليوم أناس لا يعرفون بالتجرد في اتباع الحق والدليل، بل كثير منهم ـ إلا من رحم الله ـ ذو توجهات مشبوهة.
ما المفاسد المترتبة على المظاهرات؟
لا شك أن أعظم مفسدة من مفاسد المظاهرات هي مخالفتها الشرع، وكونها دائرة بين التشبه بالكفار، وبين البدعة والإحداث في الدين وكفى والله بهذا مفسدة تمنع المسلم من ارتكاب هذا الأمر المشين.
ومخالفتها الكتاب والسنة يتضح أيضا فيما يلي:
1 ـ مجانبتها السكينة والرفق الذي أمرنا به. فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” متفق عليه. وعنها ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه” رواه مسلم.
2 ـ الشعارات القبيحة التي يرددها بعض المتظاهرين والكلمات النابية والسباب والشتائم كلها تخالف هدي الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: لم يكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحشا ولا متفحشا وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا” متفق عليه. وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء” أخرجه الترمذي.
3 ـ ما يقع فيها من مخالفة لولاة الأمر وهذا مخالف لما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تطيعوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال” أخرجه مسلم، ثم هل ما يحدث فيها من الشغب والمضاربات من الاعتصام بحبل الله وما فيها من إضاعة المال وتخريب المنشآت ألا يخالف هذا الحديث؟
4 ـ مشابهة اليهود والنصارى تقليدهم في استيراد هذه المظاهرة منهم، فيخشى على من قام بها أن يدخل تحت حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “من تشبه بقوم فهو منهم”. أخرجه أبو داود.
ولا تقف المفاسد من هذه المظاهرات عند هذا الحد، بل هي كثيرة نسرد بعضا منها: وهي على قسمين الأول: مفاسد ما قبل المظاهرات ومنها:
ـ ما يضيع من أموال وأوقات في سبيل إقامة المظاهرة، وجمع أكبر حشد لها وإهدار مقدرات الأمة فيما لا طائل تحته وتعطيل الوظائف والمصالح.
ـ نشر الهلع والخوف بين عامة الناس وإزعاج السلطات والآمنين، وإشغال رجال الأمن عما هو أهم من حراسة المنشآت وحماية ثغور المسلمين.
ـ تربص أهل الشر وفتح الباب لهم للإفساد من خلال تلك المظاهرات.
ـ إظهار ولاة الأمر بمظهر الخصم أمام تلك الحشود التي تجتمع للمظاهرة.
ـ إخراج النساء من خدورهن وبيوتهن إلى الشوارع في تلك المظاهرات التي يشارك فيها النساء، ولا تسلني عما يحدث لكثير منهن في مثل هذا الخروج من أمور لا تحمد عقباها.
ـ زهد الناس في الوسائل المشروعة وانصرافهم عنها إلى المحدثات فيتحقق قول ابن عباس ـ رضي الله عنه أنه ما أحدثت بدعة إلا وأميتت سنة، وصدق رضي الله عنه. الثاني: مفاسد أثناء المظاهرات، ومنها:
ـ الاختلاط الحاصل بين النساء والرجال ولا يقال نحن نفصل بين النساء والرجال فأهل الشر أدرى بطرق تحصيل ما ينشدونه من السوء وسط هذه الجموع البشرية الكثيرة.
ـ الصورة التي يظهر بها هؤلاء المتظاهرون من زمجرة وغضب ورفع صوت وصياح وجلبة مما لا يشك أحد في مجانبته سمت المسلم الذي أمر به الشرع المطهر، بل رأينا من ضاهى القرود في صعوده على الأشجار وأعمدة الكهرباء وقيامه بخلع ملابسه، وإصداره صيحات يضحك منها العامي ويحمد العاقل ربه أنه لم يبتله بما ابتلى به هذا. ـ المصادمات التي تقع بين المتظاهرين وبين رجال الأمن، فيقع الشر بين المسلمين ويزيد المنكر ومازالت وسائل الإعلام تنقل ما يندى له الجبين من هذه المصادمات الدامية، على أثر مظاهرات قيل عنها في بادئ الأمر إنها سلمية.
ـ ما أكثر المظاهرات التي خرج فيها المسلم والنصراني والرافضي متماسكين يعضد بعضهم بعضا، يصرخون بصوت واحد، فإن كان هذا ليس مما يخدش مظاهر الولاء والبراء عند المسلم، فأي شيء يسمى هذا التعاضد والتكاتف؟ ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم “الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف” أخرجه مسلم.
ـ إساءة الظن بولاة أمور المسلمين، وإيغار الصدور عليهم حينما يأخذون على أيدي المخربين والمفسدين، بل إن مجرد رؤية المتظاهرين رجال الأمن كفيل بإصدار الشتائم والسباب من كثير من هؤلاء المتظاهرين.
ـ التحرشات بالنساء والمردان من أناس فسقة يستغلون مثل هذه التجمعات لإشباع رغباتهم البهيمية.
ـ قيام أهل الثورات والشغب بإفساد المنشآت وتحطيم السيارات والسرقة وغيرها من الإفساد المصاحب للمظاهرة.
ـ عندما تستعر حمى الغضب في صدور المتظاهرين فلا تسل عن كثرة من يدفع أو يوطأ بالأقدام بل وقد يقتله المتظاهرون تحت أقدامهم خلال المظاهرة. وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما” أخرجه البخاري، وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم” أخرجه النسائي والترمذي.
ـ حمل المتظاهرين الصور المحرمة كصور القتلى وصور الأعداء المشبوهة، وهذا مخالف لما جاء عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول “إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون” متفق عليه. وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية، قالت: قلت: يا رسول الله أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت؟ قال: ما بال هذه النمرقة؟ قالت اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم، وقال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة” متفق عليه. قلت: فهؤلاء المتظاهرون الذين يحملون هذه الصور إذا لم تصحبهم الملائكة فجدير أن تصبحهم الشياطين والعياذ بالله.
ـ سعادة الكفار وأهل البدع برؤية بلاد المسلمين وقد هاجت فيها الفتنة وماجت وفرحهم بما يقع بين المسلمين من الشرور المترتبة على المظاهرات. إذا تقرر ما تقدم يظهر لنا عدم مشروعية المظاهرات، وما تقدم من الكلام إنما هو مناقشة لأولئك الذين يجبزونها أما تقرير عدم جوازها فظاهر من خلال أمور: الأول: عموم الآيات والأحاديث في النهي عن البدع والمحدثات في الدين، وتقدم طرف منها. الثاني: عموم الآيات والأحاديث في النهي عن التشبه بالكفار، لأن المظاهرات أصلا مأخوذة عنهم، وقد نهينا عن التشبه بهم.
الثالث: فتاوى كبار أهل العلم في تحريم المظاهرات، منها: فتوى سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى: قال رحمه الله “فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيء العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شرا عظيما على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس، والأمير وشيخ القبيلة بهذه الطريقة، لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكث في مكة 13 سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب ولكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر بالدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله” أ. هـ مجلة “البحوث الإسلامية” العدد 38 ص 210.
وسئل ـ رحمه الله ـ هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة؟ وهل من يموت فيها يعتبر شهيدا في سبيل الله؟
فأجاب ـ رحمه الله تعالى “لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج ولكنها من أسباب الفتن، ومن أسباب الشرور ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق. ولكن الأسباب الشرعية المكاتبة والنصيحة والدعوة إلى الخير بالطرق السلمية، هكذا سلك أهل العلم وهكذا أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأتباعهم بإحسان، بالمكاتبة والمشافهة مع المخطئين ومع الأمير والسلطان، بالاتصال به ومناصحته والمكاتبة له دون التشهير في المنابر وغيرها بأنه فعل كذا وصار منه كذا، والله المستعان” نقلا عن شريط بعنوان مقتطفات من أقوال العلماء.
فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ سئل ـ رحمه الله تعالى ـ هذا السؤال: هل تعتبر المظاهرات وسيلة من وسائل الدعوة الشرعية؟
فقال ـ رحمه الله ـ “الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن المظاهرات أمر حادث، لم يكن معروفا في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم.
ثم إن فيه من الفوضى والشغب ما يجعله أمرا ممنوعا حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها. ويحصل فيه أيضا اختلاط الرجال بالنساء والشباب بالشيوخ وما أشبه من المفاسد والمنكرات، وأما مسألة الضغط على الحكومة فهي إن كانت مسلمة فيكفيها واعظا كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا خير ما يعرض على المسلم، وإن كانت كافرة فإنها لا تبالي بهؤلاء المتظاهرين وسوف تجاملهم ظاهرا وهي ما هي عليه من الشر في الباطن، لذلك نرى أن المظاهرات أمر منكر.
وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية، وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أثنى على المهاجرين والأنصار وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان” انظر: “الجواب الأبهر” لفؤاد سراج ـ ص 75.
وسئل الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل الأمة الإسلامية؟ الجواب: ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، دين نظام ودين سكينة، المظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة لا فوضى فيه، ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام والحقوق يتوصل إليها دون هذه الطريقة بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية، هذه المظاهرات تحدث فتنا، وتحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال فلا تجوز هذه الأمور” أ. هـ “الإجابات المهمة في المشاكل الملمة” محمد الحصين ص 100.
هذا والله أسأل أن يهدي ضال المسلمين وأن يحمي بلادنا من كيد الكائدين وحقد الحاقدين وأن يحفظ علماءنا وولاة أمرنا من كل سوء ومكروه.
كتبه: محمد بن أحمد الفيفي
24/12/2004
عضو الدعوة والإرشاد في وزارة الشؤون الإسلامية
Aboahmad22@maktoob.com