“أسباب النجاة “
يوسف بن سعد الجريد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:فهذه كلمات أرجو أن تكون خارجة من القلب إلى القلوب فموضوع اليوم هو عن “أسباب النجاة” وبالتحديد في زمن الفتن ،وكل سبب إذا عكسته أصبح كما أنه سبب نجاة أصبح سبب هلاك ،
ليست القضية أن تعرف ماهو الأمن وما هو هدفنا من الأمن ، القضية: أن تعرف ماأسباب اختلال الأمن ، وما الأسباب التي تجعل الأمن يثبت إذا بهذا يتبين لك إن الأمر ليس خاصا بالسعودية ، إنما هو أمن للأمة ، هو دين نتدين به لله وأول الأمور الذي هو سبب لحفظ الأمن والسلامة من الفتن الاوهو:*/العلم : الله عز وجل ما طلب من أحد من الأنبياء ولا من الرسول طلبا أن يطلبه إلا الزيادة من العلم ، فقال سبحانه: (وقل ربي زدني علما ) والعلم هذا لابد أن تعرفه من كتاب الله وسنة رسوله ولابد مع ذلك أن يكون أخذك من الكتاب والسنه على فهم سلف الامة نفهم القرآن كما فهمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكما فهمه عمر بن الخطاب وغيرهم من الصحابة والتابعون وأهل العلم حتى ننجو كما نجوا، أتي برجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شرب الخمر فقال له الفاروق : لما شربت الخمر؟ـ المفترض أن يقول : أغواني الشيطان ، غلبتني شهوتي ـقال :الله يقول(ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ) فأنا اتقيت وآمنت فلي أن أطعم وأن أشرب ما شئت، فـا نظر إلى هذا الفهم ـ قال له الفاروق رضي الله عنه : أخطأت أستك الحفرة ، لو اتقيت وأمنت ما شربت الخمر أي أن التقوى والإيمان حاجز بينك وبين جميع الذنوب والمعاصي رجل وقع في أم الخبائث ـالخمرـ بسبب أنه فهم كتاب الله بفهمه الخاص !وقائل يقول: أنت تقول أن العلم من أسباب النجاة ووجدنا من هو عنده شي من العلم وقع في هذه الفتن ، أقول انتبه !! فإن العلم درجات ودرجة لاتكفي دون أخرى :
1/ الدرجة الأولى :هي معرفه الحلال والحرام ، وهذا لايكفي للسلامة والنجاة لابد من أمر ومرتبة أعلى ألا وهي
2/العلم بالمقاصد الشرعية ، بالمصالح والمفاسد ، بأن المشقة تجلب التيسير ، فقد تكون هناك عبادة مشروعة فتكون في زمن من الأزمان محرمة ، وتكون قربة لله في زمن وتكون إثم ومعصية في زمن من الأزمان ، لذلك يقول ابن تيميه رحمه الله : إذا اجتمع في الأمر الواحد معروف ومنكر ـ مثال ذلك : زيارة القبور مشروعه للرجال ، إذا عرفت أن هذا الرجل إذا زار القبر سيعبد صاحب القبر هل يجوز لك أن تقول له زر هذا القبر ؟زيارة القبر معروف أمرك بهذا المعروف منكر وصد عن سبيل الله ـ يقول ابن تيميه : إذا اجتمع في الأمر معروف ومنكر والمنكر أعظم من المعروف صار الأمر بالمعروف صدا عن سبيل الله )
واعكس المسالة : إذا اجتمع في الأمر معروف كثير ومنكر قليل صار النهي عن المنكر صد عن سبيل الله ، لذلك هناك كلمة جميلة يقولها شيخ الإسلام ابن تيمية : (نريد أن ننكر المنكر بلا منكر ونأمر بالمعروف بالمعروف ) لايجوز أن ننكر منكر ويترتب عليه منكر أكبر من ذلك ، علم بالإحكام الشرعية ، علم بالمقاصد الشرعية لايكفي للسلامة من الفتن لابد من مرتبه ثالثة أعلى
3/ العلم بالحقوق: *حق الله عز وجل *حق رسوله * حق أولى الأمر من العلماء والحكام* حق الوالدة المسكينة *وحق الأب أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قسم النبي قسمة فقال للرسول: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ، قال له الرسول : ويحك من يعدل إن لم اعدل .وفي رواية أخرى: قال للحبيب اتق الله ـ يكلم من؟ يكلم أفضل من اتقى وأول من اتقى محمد صلى الله عليه وسلم ـ اتق الله يا محمد هذه قسمة لم يرد بها وجه الله. ماذا أجاب الحبيب: ويلك ومن يتق الله إن لم اتقه ؟ ثم قال بعدها صلى الله عليه وسلم : ( يخرج من ضئضي هذا ـأي من سلالته وعلى طريقته ـ أناس تحقرون صلاتكم عند صلاتهم ـ يصلون أحسن من صلاتكم ياصحابة ـ وصيامكم عند صيامهم ـ سبحان الله ـ يقرؤون القران لايجاوز تراقيهم ).لسان فقط ، لم يدخل إلى القلوب ، وفي رواية أخرى (يمرقون من الدين ) وفي رواية (كلاب النار) وفي رواية أخرى ( شر الخلق والخليقة ) وهؤلاء السلالة يظهرون في زمن ويختفون في زمن آخر وآخرهم يخرجون مع الدجال ولا حول ولا قوة إلا بالله .
إذا وأعظم أسباب حفظ الأمن في أي بلد من بلاد الدنيا ، إنه العلم الشرعي المنبني على نهج السلف ولذلك من أسباب اختلال الأمن هو الجهل لذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :والجهل داء قاتل وشفاؤه أمران في التركيب متفقان نص من القران أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني وهذا يرشدك إلى سبب آخر من أسباب حفظ الأمن :1/إنه الرجوع إلى العلماء الربانين، لماذا نرجع إلى العلماء.. ما الميزة ؟لأن الأحكام منها ما هو عام وهناك دليل خصصه وأنت لا تعرفه ومنها ما هو مطلق وهناك دليل قيده أنت لا تعرفه منها ما هو مقرر في الشريعة وهناك حكم آخر نسخ هذا الحكم ، فلا بد أن ترجع إلى العلماء لتعرف الناسخ والمنسوخ فلا يجوز لك أن تحكم بالمنسوخ ولابد أن تحكم بالناسخ ،
وبعد أن تأخذ الكلام من العلماء يجب أن تنتبه إلى قاعدة مهمة بل قاعدتين :
1\ القاعدة الأولى: استدل ثم اعتقد ، ابحث عن الدليل قال الله قال رسوله فهم السلف , ماذا قال أبو بكر الصديق ماذا قال سفيان الثوري , ماذا قال مالك ،ماذا قال الشافعي ، وما دلت عليه الأدلة في مجملها اعقده في قلبك وتوكل على الله ، العكس خطير ( لا تعتقد ثم تستدل , تعتقد في قلبك اعتقاد ثم تبحث عن أدلة توافق هذا الاعتقاد ، أضرب لذلك مثال : قيل لرجل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البخاري و مسلم : (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية )هذا الحديث في البخاري ومسلم اتفقت على قبولهما الأمة ، قال : هذا الحديث موضوع ومكذوب على رسول الله ، لماذا؟؟ لأنه أعتقد ضد حاكم معين أو ضد أي شيء فلما أتى دليل يخالف هذا الاعتقاد رمى الدليل وهونه أو ضرب به عرض الحائط، وهذا من اخطر الأمور.
2| القاعدة الثانية: ليس الشأن أن تستدل ليست القضية أن تحكم بحكم ثم تقول: قال الله قال رسوله، ليست هذه القضية ، القضية أن يكون استدلالك على مراد الله ومراد رسوله ، كيف نصل إلى مراد الله ؟؟بفهم السلف الصالح ننظر كيف فهموا الدليل، يأتي رجل يستدل بدليل على تكفير حكومة ما، على فعل معين, من أين لك هذا الفهم ؟ قال: أنا رجل والعلماء رجال، إذا أفهم كما فهموا، ونقول له: رويدك.إذا ومن أسباب ضياع الأمن احتقار العلماء وعدم الرجوع إليهم. يقول ابن مسعود : ومن علامات الساعة : طلب العلم على الأصاغر وترك طلب العلم على الأكابر )
أما المسألة الثالثة في حفظ الأمن :3| الحذر من الغلو، والغلو: مجاوزة الحد كلنا نحب الله ونحب رسوله، ونحب الجهاد, ونحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولكن انتبه !لكل شيء حد، لاتجرف بك العاطفة , العاطفة إذا لم تضبط بالشرع أصبحت عاصفة عصفت بك في الدنيا والآخرة ، قال الله عز وجل : { لاتغلوا في دينكم } والنبي عليه السلام يقول: ( إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) . ويقول النبي: ( عليكم بالرفق فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ) ويقول صلى الله عليه وسلم لما بعث اثنين يدعون إلى الله قال : ( بشرا ولا تنفرا يسرا ولا تعسرا ) . ويقول : (بعثت بالحنيفية السمحة ) . وليس معنى كلامي أن نتساهل في المنكرات ولكن: { ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } يقول أحد السلف : ( يجب أن ننظر إلى أهل الذنوب والمعاصي نظرة شفقة ورحمة حتى ننتشلهم مما هم فيه ) لاتنظر إليه نظرة عداوة فلا يقبل منك ، انظر إليه نظرة شفقة ورحمة .
4|السبب الرابع والأخير ألا وهو : عدم الاغترار بالشعارات ، يأتيك رجل ويرفع شعار الجهاد في سبيل الله ، وآخر : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، رأس المنافقين في المدينة ـ عبد الله بن أبي سلول ـ ماذا يقول لأصحابه ؟ يقول : استميلوا قلوب الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم دسوا فيهم النفاق .العبرة ليست بالأسماء ،العبرة بالحقيقة ، لا يأتي شخص ويقول أنا مجاهد فيكون مجاهد , الجهاد عبادة عظيمة ،(من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ) ومن أنكر أن الجهاد من الشريعة فقد كفر وهو مرتد ، ولكن نقول إنه مشروع في وقت وغير مشروع في وقت ، إذا العبرة بالحقيقة ننظر إلى الشخص في هذه العبادة العظيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد هل هو على طريقة محمد ، على طريقة الصحابة ، على طريقة التابعين وغيرهم أم لا، فإذا كان كذلك فيها ونعمة وإلا فلا .
من الذي قتل عثمان ابن عفان ؟؟ هل تظنونه رجل حصل بينه وبينه خصومة ؟؟ قتله قربة إلى الله !!! النبي صلى الله عليه وسلم زوجه ابنتيه ثقة به ويقول: أنت رجل تستحي منك الملائكة ـ وما استحى هؤلاء ـ عندما كان يمشي خطوات عند بيته سمع أولئك الأشخاص عند بيته يخططون لقتله ،قال : لماذا يقتلوني ؟ ووالله ما زنيت ولا قتلت وما ارتددت عن الإسلام ؟ قتلوه والمصحف بين يديه !! أتدرون لماذا قتلوه ؟قربة إلى الله !!من الذي قتل علي بن أبي طالب ؟ـ هل سيأتينا حكام مثل عثمان وعلي ؟؟ابدآ لن يأتينا حكام مثل عثمان وعلي ـ قتله عبد الرحمن بن ملجم ،عبد الرحمن بن ملجم هذا زكاه عمر بن الخطاب ، امتدحه في بداية الإسلام ، في بداية خلافته أرسله حتى يعلم الناس،ـ ما الذي حصل ؟ ـ لان عنده علم بالدرجة الأولى بالأحكام الشرعية ، لما جاء فكر الخوارج تأثر به وجاء وطعن علي بن أبي طالب الذي جعل النبي حبه من الإيمان ـ طعنه طعنات قال هذه لله وهذه لشيء في نفسي . في عام ( 600)تقريبا أتت جماعة من الأحساء اختطفوا الحجر الأسود من الكعبة هدموا الكعبة ـ باسم الدين ـ وأخذوا الحجر الأسود ووضعوه في الأحساء.
يقول الإمام الخرقي صاحب المختصر الذي شرحه الإمام ابن قدامة في المغني :(ويقبل الحجر ـ تكلم عن الطواف ـ الأسود إن كان الحجر الأسود موجودا ) جلس سنوات في الأحساء قربة إلى الله ، بيت الله الذي يقول الرسول : (لا يختلى خلاه ) لا يقطع الشجر أمن فيه الشجر ما يأمن فيه الإنسان !! يأتي المقتول يوم القيامة واضعا رقبته على يده ويقول : ياربي سل هذا لم قتلني ؟؟ ماذا سيكون جوابه ؟!!{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } فكيف إذا كان القتل في الحرم ؟هذه القضية مهمة أن لانغتر بالشعارات ، ليست المسألة أن هناك شخصا يرفع شعارا ثم نغتر به ونمشي خلفه ، ليست هذه القضية ، ثم أنت يا من تحب الله ورسوله ، انتبه إلى أمر عظيم ليست القضية أن تحب الله أنت كل يدعي حب الله ، الشأن أن تبحث عما يحبه الله فتفعله ، أعطوني كلام الله ، ماذا يريد الله مني ؟ حتى لو كان يخالف هواي ، يخالف حياتي ، يخالف أهلي وجماعتي ، ما دام الله يريد والرسول يريد هذا هو الشأن ، ليس الشأن أن تحب الله ولكن الشأن أن تبحث عما يحبه الله وتفعله .