الحمد لله هدى العباد بالإيمان إلى سبيل الرشاد؛ ووفقهم في الطاعات لما هو أنفع زادا في المعاد؛ وتفرد بعلم الغيوب فعلم من كل عبد إضماره وتصريحه؛ يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه.
وصلى الله وسلم على الذي رفعه باصطفائه إلى محله المنيف؛ وبعثه إلى الناس كافة بالدين القيم الحنيف؛
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾
أيها المسلمون: إن ما نعيشه في هذه الأزمنة المتأخرة من واقع مؤلم يؤرق كل غيور ، وفتنة بل فتن مقبلة يمهد بعضها لبعض ، ليستدعي منا اليقظة وتدارك الحال ، روى البخاري عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فَزعاً مذعوراً يقول: ” سبحان الله ماذا أُنزل الليلة من الخزائن؟ وماذا أُنزل من الفتن؟ مَنْ يوقظ صواحب الحُجرات؟ (يريد : أزواجه) لكي يصلين ، رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة “
عباد الله : أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى فتنتين :
أُولاهما بقوله 🙁 ماذا فُتِح من الخزائن ؟) يعني: فتن الدنيا. وأشار إلى الأخرى بقوله:(رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)
عباد الله: إنَّ المتأمل لبعض أحوال العالم الإسلامي من حولنا في الأزمنة المتأخرة يجد هاتين الفتنتين من أكبر أسباب فساد كثير من مجتمعاته. فُتِحت الدنيا عليهم أو على مترفيهم فطغت نساؤهم وضعف أمامها المترفون منهم، فخرجت في الشوارع سافرة، ونزعت الحجاب متبرجة، وزاحمت الرجال في المكاتب والأسواق والمنتزهات جريئةً غير مستحيةٍ ، فأزال الله بذلك نعمه ، وأذاقهم بأسه ( فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
فاتعظـوا رحمكم الله بذلك واعتبروا بمن حولكم لا يصبيكم ما أصابهم.
عباد الله : إنما يحصل اليوم من النساءِ تساهلٌ كبير في أمر دينهن وتفلتهن من عفافهن ؛ وانتهاكهُن حرمة الآداب؛ وكثرةُ الفسوق والفساد؛ وهذا أمر لا يخفى على أحد.
فعن ماذا نتكلم؟. وبأيِّه نبدأ ؟.
فلو كان سهماً واحداً لاتقيتُه.. ولكـنّه سهمٌ وثانٍ وثالـثُ
تبرج المرأة وتزيُّنها وتعطرها واختلاطها بالرجال في الأماكن العامة تزاحمهم، وتستهوي نفوسهم، وتفتن قلوبهم، لهو دليل على ضعف الوازع الديني في نفسها أو عدمه، وأمارةٌ على موت الغيرة، وبلادة العفة وقلة الحياء.
وإذا الحياء تهتكت أستاره فعلى الحياة من الحياء عَفَاءُ
إن المرأة المتبرجة المختلطة، الخرَّاجة الولاجة، إن سلمت في نفسها، فإن الناس لا يسلمون من فتنتها، والله جل وعلا يقول 🙁 وقرن في بيوتكن ) أي أقررن فيها ثم جعل الله سبحانه كثرة خروجهن من التبرج فقال 🙁 ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )
وما كان الأمر يصل بالنساء إلى ما نرى؛ لو لم يكن خلف ذلك رجالٌ متساهلون؛ ضعفت هممهم؛ وملّوا المسؤولية؛ وبدأوا يطأطئون الرؤوس عما يعلمون أنه عيبٌ وخزيٌ وعار!، ويلقون اللوم على الآخرين .
فيا أيها الرجال أين القوامة والرعاية ؟!! والله جل وعلا يقول:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } أين القيام بالأمانة والمسؤولية ؟! ولا نبالغ حينما نقول: إن الاختلاط والتبرج الذي حلَّ بالمجتمعات سببه موت غيرة بعض الرجال، وبلادة إحساسهم، وسبات ضمائرهم، وإلا فهل يرضى صاحب العفة والغيرة والشرف والمروءة، أن تكون موليته لقمةً سائغة، ومائدةً مكشوفة، تلاحقها نظرات الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: “صنفان من أهل النار لم أرهما، قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مائلاتٌ مميلات، كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرةِ كذا وكذا”.
فعلام التساهل بما أوجب الله عليكم،أو التهرب من الواجب المناط بكم ( فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته )
كيف يعد نفسه رجلاً من ترك امرأته في خارج البيت ؛ تفوح رائحتها؛ ويستلذ الكلاب بكلامها؛ أليست هذه دياثة ؟!
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لا يدخل الجنة ديوث »؛ والديوث هو الذي لا يغار على محارمه.
مالِ بعض الناس عموا وصموا؟
والله لتعجب من بعض الرجال حين تخرج بنته أو زوجته أو أخته وهي سافرة متبرجة؛ قد كشفت الوجهَ والمحاسن؛ وهو في حال صمت و كأنه يقول للناس جميعاً: تعالوا وانظروا إلى زوجتي وعفتي!.
يا للعجب!! أيجعل الرجلُ شرفه وعرضَه سلعةً للنظر بأرخص الأثمان؛ بل وبلا ثمن؟!
تعدو الذئاب على من لا كلاب له .. وتتقي مربِض المستأسد الضاري
فيا حسرتاه على أمةٍ فقدت رجالها وهي في أمسِّ الحاجة لهم ،لم تتحرك قلوبهم غيرةً على نسائهم.
اسأل نفسك .لمن تتزين؟. ولمن تتبرج؟. ماذا تريد ؟!
عباد الله : ومما يجب أن يتفطن له حماة عفاف نسائهم ما أدخله علينا أعداؤنا من ملابسِ تبرجِ سميت بغير اسمها؛ فظهرت عباءةُ الكَتِفْ؛ والعباءةُ الإسلامية؛ والنقاب؛ وما هي في الحقيقة إلا من باب التبرجِ المعلب .
وإلا فهل عباءةُ الكتف تستر .وتمنع الفتنة ؟
أين الغيورون ؟!
وإذا أصيب القوم في أخلاقهـم.. فأقـم عليهم مأتمـاً وعويـلا
لابد أن نكون صريحين أكثر فنقول: إذا كان الواحد منّا يرى زوجته وابنته ومن تحت ولايته تلبس ألبسةً مخالفةً، ويسكت عن الإنكار والتغيير فليعلم أن غيْرته ناقصة، وأنه ليس أهلاً للقِوامة والرعاية.
كيف لبنات صغيرات معهن الأجهزة بشبكاتها العنكبوتية لا يدرى ما الذي تتصفحه ؟! وأخريات بلباس قصير لأنهن لازلن أطفالا ! فمتى تعتاد مثل أولئك الستر ؟!
وعلى ماذا سيتربى هذا النشأ .
أسئلة تحتاج إلى جواب؟
يجب أن نراجع أنفسنا في تربيتنا لبناتنا؛ فإن التربية هي اللبنة الأولى للسلوك الحسن.
إذا ما الجـرح رم على فساد تبـين فيـه إهمـال الطبيب
اللَّهُمَّ أعِذْنا من مُضلاَّتِ الفتنِ، وجنبنا الفواحشَ ما ظهَرَ منها وما بطَن، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنا إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
رفع ربنا سبحانه قدر المرأة ومكانتها وصان كرامتها، وحفظ لها حقوقها يوم أن خلقها.
فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:”لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم” وعند أحمد والترمذي والنسائي والحاكم بسندٍ صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال”ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما” ولا يخفى على كل أحد، ما عمَّت به البلوى من تساهل كثير من الناس في ذلك .
تقول عائشة رضي الله عنها رواه البخاري “لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط” ، وقالت أميمة بنت رقيقة وصاحباتها – رضي الله عنهن – عند البيعة: ابسط يدك يا رسول الله نبايعك، قال لهن: إني لا أصافح النساء” وروى الطبراني وصححه الألباني عن معقل بن يسار مرفوعا ” لأن يُطْعَنَ في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأةً لا تحل له”. ثم قد كان - – يحث النساء على الصلاة في آخر الصفوف، يقول صلى الله عليه وسلم : “خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها” رواه مسلمٌ ، كما حثَّ صلى الله عليه وسلم الرجال على المكث في المصلى حتى تخرج النساء حتى لا يختلطنَّ بالرجال . رواه البخاري ، وعند أبي داود وحسنه الألباني أنه صلى الله عليه وسلم أمر النساء بلزوم حافات الطريق حتى لا يختلطن بالرجال، هذا الذي ينبغي للنساء حتى لا يفتنَّ أو يُفتنَّ.
لكن البشر بجاهليتهم لقيمة المرأة، جعلوها مسلوبةَ الإرادةَ والحرية. جعلوها تعيش عبوديةَ الجهل وجبروتَ الأعراف وظلمَ التشريعات.
فهل يليق بفتاة الإسلام ، وسلالة الأكرمين ، وحفيدة أمهات المؤمنين، الدرة المصونة ، واللؤلؤة المكنونه ، أن لا تلتفت إلى من يعُدُ الالتزام بنهج الله وشرعه جموداً ورجعية، والانفلات والإباحية؛ حريةً وتقدمية، والانسياق وراء الشهوات رقياً وتحضراً ومدنية، والتبرج والسفور والاختلاط مَوْضَة، والخلاعة والفجور والانحلال فناً، والعلاقات المحرمة حباً، أنهم أعداؤها ومذهبوا شرفها .