“أهمية تربية الأولاد وصور من قصص الأنبياء”
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا)، أما بعد:
فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار،
أما بعد:
فلقد قص الله علينا في كتابه أحسن القصص: أجمله طريقةً وأصدقه خبرًا، كما قال عز وجل: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)، وكما قال تعالى: (وكلًا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك).
ولقد امتدح الله – عز وجل – عددًا من رسله في حرصهم على أولادهم و ذريتهم، وسعيهم في هدايتهم بإرشادهم وتوجيههم. قال تعالى في قصة نوح – عليه السلام – وما كان من حرصه على نجاة ابنه: (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ). وقال تعالى مذكّرًا بخبر إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام -: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، وقال تعالى عن إبراهيم – عليه السلام – وما كان من وصيته ويعقوب لأبناءهما: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، قال السعدي – رحمه الله – عند تفسيره لهذه الآية: ({إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ} امتثالًا لربه {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} إخلاصًا وتوحيدًا، ومحبة، وإنابة فكان التوحيد لله نعته، ثم ورثه في ذريته، ووصاهم به، وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه، وتوارثت فيهم، حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه).
وكان من دعاء إبراهيم – عليه السلام – : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ). بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين: نبينا محمدٍ عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، أما بعد:
فتفيد هذه القصص والأخبار عدة أمورٍ، منها:
أولًا: ضرورة الالتجاء إلى الله تعالى ودعاؤه بأن يرزقنا الأولاد والذرية، وأن يصلح ما وهبنا، وقد كان هذا دأب الأنبياء قبلنا، كما مر في دعواتهم.
ثانيًا: استشعار الأمانة والمسؤولية من قبل الآباء وأولياء الأمور في تربية الأولاد، فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري ومسلم. ورويا أيضًا عنه – صلى الله عليه وسلم –: (مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ).
ثالثًا: الحرص على تربية الأولاد، والاجتهاد في ذلك غاية الاجتهاد؛ فإنّ المرئ كما أنّه مأمورٌ بنجاة نفسه، فإنه كذلك مأمور بأن يسعى في نجاة أهله وولده، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). قال السعدي – رحمه الله -: (وقاية الأنفس بإلزامها أمر اللَّه، والقيام بأمره امتثالاً، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط اللَّه، ويوجب العذاب، ووقاية الأهل، والأولاد، بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر اللَّه، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر اللَّه به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه).
عباد الله: وإنّ من أعظم ما يجب على الوالد تجاه ولده: تربيته على التوحيد، وأمره بالصلاة، وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل – عليه السلام – بصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة والزكاة، وأمر أهله بهما، فقال تعالى: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا * وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا).
وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – أصلًا والمؤمنين تبعًا بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
قال السعدي – رحمه الله – (أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرًا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها، {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإنّ ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإنّ العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع).
وعن علي – رضي الله عنه -، أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – طرقه وفاطمة ليلًا، فقال: “ألا تصليان؟ ” متفق عليه.
وروى أحمد وأبو داود أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ على تَركِهَا لعشرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ) صححه الألباني.
قال ابن القيم – رحمه الله -: (فَفِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة آدَاب: أَمرهم بهَا وضربهم عَلَيْهَا والتفريق بَينهم فِي الْمضَاجِع)
وقال ابن رجب – رحمه الله -: (أكثرهم على أنها لا تجب على الصبي، لكن يجب على الولي أمره بها لسبعٍ، وضربه إذا تركها لعشر).
فاتقوا الله تعالى بالقيام بحقه وحق من لهم حق من العباد، واتقوا النار التي أعدت لمن أهمل الواجبات وارتكب الفساد، واعلموا أنّ من أوجب الواجبات عليكم ملاحظة الأهل والأولاد، فاجتهدوا في تربيتهم غاية الاجتهاد؛ لتكونوا عند سؤال الله لكم عنهم على أتم استعداد.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أعد الخطبة: بدر بن خضير الشمري، للملاحظات يرجى التواصل عبر الرقم: 0533646769
أهمية تربية الأولاد وصور من قصص الأنبياء