أول أمر ونهي في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
أما بعد…
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
إن أكثرَ وأهمَ ما بين القرآنُ التوحيدُ، وأكثرَ وأهمَ ما حذر منه الشركُ، حتى إن أول أمر في القرآن أمرٌ بالتوحيد، قال سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال:” { اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } أي: “وحدوا ربكم” .
وإن أول نهي في القرآن نهي عن الشرك، قال سبحانه {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
وإن أعظم سورة في القرآن هي الفاتحة، وفيها أمرٌ بالتوحيد ونهيٌ عن الشرك، ودعوةٌ لولاءِ أهل التوحيد، وعداءِ أهل الشرك ، قال سبحانه {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ومما فيها قوله سبحانه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: لا نعبد إلا أنت، ولا نستعين إلا بك .
وقد بيّن ربنا سبحانه أن الشرك هو الذنب الوحيد الذي لا يغفر في آيتين من سورة النساء، قال سبحانه { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، بل بيّن ربنا أن الأنبياء والمرسلين لو وقعوا في الشرك لحبطت أعمالهم فكيف بغيرهم! ، قال سبحانه {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }، بل إن الله قال مخاطباً خير البشر وسيدهم نبينا وخليل الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وبيّن سبحانه بيانًا واضحًا أن صرف العبادات لغير الله شرك أكبر، ولو كان باسم تعظيم الصالحين أو الأولياء أو الأنبياء أو غير ذلك، قال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أيًا كانوا، بذبح أو نذر أو طلب مدد أو غير ذلك ..
وقال سبحانه {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } أتدري ما القطمير؟ أرأيت نواة التمر؟ أرأيت اللفافة الرقيقة التي على نواة التمر هذا هو القطمير، { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا} ولو فرض أنهم يسمعون { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} سمى دعاءهم وعبادتهم من دون الله شركًا { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} وهو الله سبحانه .
وقال سبحانه {قُلْ} (أي يا محمد للناس) {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } وقال {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }
فالقرآن واضح للغاية في وجوب التمسك بالتوحيد، والحذر من الشرك، وأن أعظم الأوامر توحيد الله، وأن أحب الأعمال إلى الله توحيده، وأبغضها إليه الشرك؛ فإنه محبط للأعمال، وأن حقيقة الشرك صرف عبادة لغير الله ولو كان بزعم أنهم أوساط أو شفعاء أو غير ذلك ، قال سبحانه { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ويقول سبحانه عن كفار قريش {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أي الأولياء والصالحين بدعاء أو طلب مدد أو استغاثة إلى غير ذلك إلا ليشفعوا لنا عند الله، ليكونوا واسطة لنا عند الله لأننا مذنبون فنحتاجهم واسطة هذا قولهم وحجتهم الساقطة ومع ذلك لم ينفعهم وصاروا مشركين وهكذا كل من يفعل فعلهم فهو مشرك مثلهم ، وقد بيّن الله لنا في القرآن بوضوح الشرك وخطورته، وعقوبته حتى إن الله قال {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
اللهم أحيينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على التوحيد والسنة، وجنبنا الشرك كله يا أرحم الراحمين ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإنه مع بيان الله للتوحيد بيانًا شافيًا كافيًا إلا أن كثيرًا من المسلمين اليوم، وقعوا في الشرك باسم تعظيم الأولياء، وباسم محبة الصالحين، وباسم الوسيلة بهذه الأسماء خدعهم الشيطان ليضلهم عن توحيد الله، قال سبحانه في بيان خديعة الشيطان وأنه يزين الشرك {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا . لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا . وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا }.
فقد خدع الشيطان المسلمين؛ وزين الشرك بألفاظ مدح وغير ذلك، حتى عمّ وطمّ في أكثر بلاد العالم الإسلامي .
فكم من ضريح من دون الله يقصد!! وكم من ولي من دون الله يدعى ويطلب بقول: مدد مدد يا ولي الله !! وكم من المسلمين الذين يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطلبون منه المدد والعون والتوفيق !! إلى غير ذلك .
إن واجبنا عظيم وهو تعلم التوحيد والدعوة إليه، وأن يربى على ذلك الأبناء والأزواج، وأن يدعى إلى ذلك الأصحاب والجيران والزملاء وكل من نستطيع، فإن دعوة الأنبياء دعوة توحيد، فمن أراد أن ينجو كما نجا الأنبياء فليسلك طريقتهم، وليكن داعية إلى التوحيد، قال سبحانه: قل يا محمد {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وقال سبحانه مبينا دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .
اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم يا حي يا قيوم، اللهم يا من لم يهتد مهتد إلا بفضله، ولم يضل ضال إلا بعدله، اللهم يا مجيب الدعوات ويا محقق الرغبات اللهم احينا والمسلمين أجمعين على التوحيد والسنة وأمتنا على ذلك، واجعلنا نلقاك وأنت راض عنا