أيها المتظاهرون تبصروا
الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد، فيا أهل الإسلام والسنة ـ سدد الله أقوالكم وأفعالكم ـ:
إن هذه المظاهرات التي يقوم بها اليوم بعض الناس في عدد من أقطار بلادنا الإسلامية لأجل المطالبة بعزل الحاكم وإسقاط ولايته، أو الاعتراض على بعض تصرفاته وأفعاله وقراراته لا يليق أن تصدر عن مسلم، ويمشي فيها، ويكون في عداد أهلها، وينتظم في سلك دعاتها أو المؤيدين أو الداعمين لها، وذلك لأن المسلم ليس كباقي الناس بل هو أكرم وأجل، فهو مؤمن بالله وبرسوله، ومؤمن بدينه وشرعه، وله شريعة عزيزة تحكمه وتضبط تعامله وتصرفه مع إخوانه المسلمين، ومع حاكمه وولي أمره ونوابه، ومع غير أهل دينه ممن في بلده أو غيرها.
والواجب على المسلم مع ولي أمره وحاكمه إذا صدر عنه أمور تنكر ولا تجوز أن يتعامل معه وفق ما جاء في هذه الشريعة من نصوص، وأن يتلقاها بالقبول والرضا والتسليم، ويكون على يقين جازم أن الصلاح له ولأحواله وجميع المسلمين إنما هو في العمل بها، وقد قال الله سبحانه: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِيناً }.
فالمسلم إن استأثر حاكمه عليه بالأموال والثروات وأصابه ضيق من ذلك، فقد بين له نبيه صلى الله عليه وسلم الطريقة التي يتعامل بها معه، حيث قال:(( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ )) رواه البخاري ومسلم.
وإن كان حاكمه يمنع عنه حقه، فقد بين له نبيه صلى الله عليه وسلم الطريقة التي يتعامل به معه، حيث أخرج الإمام مسلم أن سلمة بن يزيد الجعفي ـ رضي الله عنه ـ قال: (( يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ )).
وإن كان حاكمه لا يهتدي ولا يستن بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، ويجور عليه فيضربه ويأخذ ماله، فقد بين له نبيه صلى الله عليه وسلم الطريقة التي يتعامل بها معه، حيث أخرج الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ؟ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )).
وإن كان حاكمه من شرار الولاة، فقد بين له نبيه صلى الله عليه وسلم الطريقة التي يتعامل بها معه، حيث قال:(( خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ )) رواه مسلم.
أيها المسلم الكريم ـ وفقك الله لطاعته وما يرضيه ـ:
إذا قال لك ولي أمرك وحاكمك: لا تتظاهر ولا تتجول في هذه الساعة من الليل، فرددت عليه بقولك: لا لن أستجيب لك، ولن أرضخ لأوامرك، فهل تطيع في ردك هذا وتستجيب لنبيك صلى الله عليه وسلم؟ أم تطيع نفسك وتستجيب لهواك؟ هل تطيع وتستجيب لرسولك صلى الله عليه وسلم؟ أم تطيع وتستجيب للسياسيين والإعلاميين وقادة الأحزاب؟
أهل الإسلام والسنة ـ سلمكم الله من كل شر وفتنه ـ:
لقد جرت هذه المظاهرات التي بدأت تكثر في بلادنا الإسلامية إلى شرور عظيمة، وفساد عريض، وضرر محقق كبير؟ فكم من نفس سُفك دمها؟ وكم من أسرة رُملت ويُتمت؟ وكم من جسد أصيب وجرح؟ وكم من متجر سُرق ونُهب؟ وكم من مركبة أُتلفت ودمرت؟ وكم من المراكز والمتاجر والمراكب أحرقت وأفسدت؟ وكم من طريق قُطع وعُطل؟ وكم من امرأة أو صغير أو شيخ خُوف وأرعب؟ وكم من مريض أعيق عن الخروج لعلاجه ودوائه؟ وكم من صلاة ضيعت وأخرت؟ وكم من عابر سبيل أخيف وأهين ونهب؟ وكم من مدرسة أُقفلت وأغلقت؟ وكم من أسرة فقيرة لم يخرج وليها لكسب الرزق وجلب القوت لها؟ وكم وقعت من خسائر في الاقتصاد وبنيته؟ وكم أضعف من الأمن ورجالاته؟ وكم سُمع من سب ولعن وشتم؟ وكم من فوضى عارمة حلت وانتشرت، وكم أفلت من المجرمين من السجون والعقوبة؟.
قد يكون كثير من المتظاهرين لم يباشر بيده بعض هذه الجرائم الفظيعة، والكبائر الشنيعة، والمنكرات الغليظة، أو تكون مظاهرته على حد قوله سلمية، لكنه يعتبر متسبباً في حصولها، ومتسبباً في استمرارها، ومتسبباً في تزايدها، وذلك لأنه لو لم توجد هذه المظاهرات لما حصل شيء من تلك الأضرار والكوارث والشرور.
ثم إن قال كثير من المتظاهرين: سنخرج مسالمين، فلن يستطيعوا أن يُسَيِروا الجميع على طريقتهم، ولن يقدروا على ضبط نفوس غيرهم إذا هاجت وأُلهبت حين تُذَكر وتُشعل أكبادها بما ما يحصل من الحاكم من ظلم وجور واستئثار بالأموال والثروات، بل قد تعجز حتى عن كبح جماح أنفسها التي هي بين أيديها.
ألا فليعلم المتظاهرون أنهم مُساءلون يوم القيامة عن ذلك، وقد يحملون وزراً وإثماً كبيراً وثقيلاً بسبب ما أريق من دماء، وما سلب ونهب وأتلف ودمر وأحرق من أموال، وما حصل من فساد وشر وبلاء، لأن خروجهم هو الذي سبب وجودها، ولو لم يخرجوا وبقوا في بيوتهم ومدارسهم وأعمالهم لما وجدت، ولكانوا هم والناس والبلاد في سلامة منها وعافية.
بل كيف يطيب لهم عيش ومظاهراتهم هذه قد تسببت في سفك دماء نفوس مسلمة؟ وكيف تهنأ لهم حياة ومظاهراتهم قد تسببت في ترميل نساء وتيتيم أطفال؟ وكيف يرتاح لهم قلب ومظاهراتهم قد تسببت في دخول الحزن والكرب والمصاب على بيوت قد قُتل أبوها أو أخوها أو ابنها الذي يرعاها وينفق عليها؟ وكيف تخمد لهم جفون وتنام لهم عيون ومظاهراتهم قد تسببت في إصابة وجرح وتمزيق أبدان ألوف؟ وكيف يتلذذون بمسير وشراب وطعام ولباس ومظاهراتهم قد تسببت في سرقة ونهب وإتلاف أموال ألوف؟.
أهل الإسلام والسنة ـ أغناكم الله من فضله ـ:
لعل السبب الرئيس أو الأكثر تحريكاً وترويجاً لخروج هذه المظاهرات هو: الاقتصاد، أو بعبارة أخر هو: حطام الدنيا، حيث يرون من الحكام الاستئثار بأموال بيت المال، ويشاهدون تزايد الفقر والعاطلين عن العمل مع وجود الخيرات والثروات في البلاد، وهذا الاستئثار والتقصير واقع وظاهر لا يمكن تغطيته، ولا يسع أحداً حجب أعين الناس عنه، ولكن الشريعة الإسلامية الرحيمة لم تتركك الناس هملاً، بل بينت لهم في وضوح أنه سيحصل من الولاة شيء من ذلك، وبينت لهم كيف يتعاملون معهم حين وجوده، وأوجبت عليهم لزوم العلاج الذي جاءت به، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ )) رواه البخاري ومسلم.
فالعلاج والحل في شرع الله هو: الصبر الطويل على هؤلاء الولاة ولو امتد إلى يوم القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ )) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم لحذيفة: (( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )) رواه مسلم.
فالعلاج والحل في شرع الله هو: أداء الحقوق التي أوجبها الله علينا جهة هذا الحاكم كالسمع والطاعة في غير معصية، وترك الخروج عليه، وعدم نزع اليد من الطاعة، وسؤال الله الكريم حقوقنا التي وجبت على الحاكم فلم يؤدها لنا.
أهل الإسلام والسنة ـ أسعد الله قلوبكم ورزقها الرضا بما قسم ـ:
اتقوا الله ربكم حق تقواه، واخشوه حق الخشية، وعظموه أحسن تعظيم، وأجلوه أكبر إجلال، وطمأنوا أنفسكم وأريحوها بأن الرزق من عند الله ربكم لا من غيره، وأن ما كُتب لكم منه آت، لن يضيع منه دينار ولا درهم ولا أقل، أعاش أجدادكم من غير رزق؟ لا والله، أعاش آباؤكم من غير رزق؟ لا والله، أفتعيشون بعدهم من غير رزق؟ لا والله، قال الله عز وجل: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } وقال جل جلاله: { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ }.
ألا فلتهدأ النفوس، ولتبرد الأكباد، ولتطب الخواطر، فإنه ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، وعليه هدايتها إلى أسباب الرزق، وعليه إعانتها في تحصيله، ولا تخافوا من الفقر في المستقبل، لا على النفس، ولا على الأهل والعيال، حتى ولو أرهف أهل الاقتصاد والسياسة والإعلام بضعف الاقتصاد، وغلاء الأسعار، وقلة الوظائف، وانخفاض الرواتب، وتزايد البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، وذلك لأن أرزاق العباد مكتوبة، ولن يعيش أحد إلا برزق يقتات منه شاء أم أبى، ولن يغادر الدنيا إلا وقد أخذ رزقه كاملاً غير منقوص.
وإن كنتم خائفين فلا تخافوا من الفقر، وإن كنتم في قلق فلا تقلقوا من الفقر، ولكن خافوا واخشوا من الدنيا أن تبسط عليكم فتنافسوها فتلتهوا بها وتهلكوا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ: (( فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ )) رواه البخاري ومسلم.
واعلموا أنكم لستم والله بأحب إلى الله عز وجل من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أكرم وأفضل وأعظم منزلة عنده منه، ومع ذلك فقد قبض روحه إليه وهو في عيش قليل ويسير، فقد قالت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها: (( لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ )) رواه مسلم.
وثبت عن عروة بن الزبير أنه سمع أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ تقول: (( كَانَ يَمُرُّ بِنَا هِلَالٌ وَهِلَالٌ مَا يُوقَدُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ، قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ )) رواه أحمد وغيره.
بل إن نبيكم صلى الله عليه وسلم لم يكن يدعو الله لآل بيته في زمنه وباقي الأزمان بالغنى وسعة الرزق وبسط العيش، بل كان يدعو لهم فيقول: (( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا )) رواه مسلم.
والقوت هو: الكفاف من العيش.
ثم ماذا على الإنسان من ضير؟ وماذا يلحقه من كدر وضيق لو عاش في دنياه فقيراً، وفي آخرته عزيزاً كريماً؟ أما يسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( قمتُ على بابِ الجنةِ، فإذا عامةُ من دخلها المساكينُ، وإذا أصحابُ الجَدِ محبوسونَ ))رواه البخاري ومسلم.
وأهل الجد هم: أهل الغنى والوجاهة.
أما يُسْكِنُ خنين فؤاده ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( يدخلُ الفقراءُ الجنةَ قبلَ الأغنياءِ بخمسِ مائةِ عامٍ )) رواه الترمذي.
أهل الإسلام والسنة ـ جعلكم الله من التائبين والمستغفرين ـ:
إن الذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء وشر وفتنة وكرب يحل بالعباد والبلاد، وصدق الله تعالى إذ يقول: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
وإن من نظر إلى واقع أكثر المسلمين اليوم فما عسى أن يرى؟ إنها ذنوب تتواصل، ومنكرات تتجدد، وسيئات تتزايد، وأوزار تتلاحق، وبعد عن الدين يكبر ويكثر، وجهل بقال الله قال رسوله يعظم ويشتد. وانظر إذا شئت ما يقع من شركيات وبدع ومحرمات عند القبور وفي الموالد والمآتم والأعياد والأعراس، وانظر إذا أقيمت الصلاة كم في المساجد وكم في الطرقات والبيوت والملاعب والمسارح والسينما والمقاهي؟ وكم عند القنوات والشاشات الفضائية والإنترنيت؟ وانظر كم من مشاهد لأفلام ومسلسلات الفساد والعهر والرذيلة عبر الفضائيات والإنترنيت والفيديو والموبايل؟ وانظر كم في الأسواق من الألبسة والأجهزة والأدوات والمواد والصور المحرمة تباع وكأنها حلال؟ وانظر كم من الغش والتدليس والاستغلال والكذب يحدث من الباعة والمهنيين والحرفيين؟ وانظر كم في المجالس والمنتديات والمقاهي من الغيبة والنميمة والسباب والشتم واللعن والاستهزاء والسخرية؟ وانظر كم يقع بين النساء والرجال من الاختلاط أو العلاقات أو الأفعال أو الأقوال المحرمة في الأعمال والأسواق والإنترنيت والهواتف والمطاعم والمقاهي؟ وانظر إلى ما وصلت إليه كثير من النساء في التبرج والتفسخ والتعري وضعف الحياء وقلة المروءة وتقليد الكافرات والفاسقات في أفعالهن وألبستهن وشعورهن وطرائقهن؟ وانظر إلى حال كثير من الأبناء والشباب في تقليد سقطة المجتمعات الغربية في الألبسة والشعور والتجمل والأفعال المخزية المخجلة؟ ويجمع ذلك كله أن يقال: كيف حال الناس مع ما يعمر دنياهم، وحالهم مع ما يعمر آخرتهم ومعادهم؟. فالبدار البدار إلى التوبة النصوح، والسرعة السرعة إلى الإقلاع عن الذنوب والآثام، والمسارعة المسارعة إلى المحافظة على الفرائض والواجبات،والسباق السباق إلى الإكثار من الأعمال الصالحة، والمزيد المزيد من الاستغفار، إن كنا نريد أن تتحسن أحوالنا، ويقوى أمننا، ويعلو اقتصادنا، ويولى علينا خيارنا، ونكون في رغد عيش وسعة، وسعادة نفس وطمأنينة، فالله الكريم جل وعلا قد وعد، ووعده حق وصدق، لا يتخلف أبداً، حيث قال عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }.
وكتبه أخوكم: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد