يقول السائل: الكفر بالطاغوت: إذا اعتقد المسلم بطلان عبادة كل معبودٍ مع الله، وأنها كفرٌ، وأن العبادة خاصة بالله، معتقداً بطلان كل دينٍ غير دين الإسلام، وكفر أهله وبغضهم لكفرهم بالله وبرسوله وبدين الحق، وأنه في النار، وإن ماتوا على الكفر إلى آخره، ثم قال: هل يكفي هذا أم لابد أن يُصرِّح بتكفيرهم؟ خاصةً لمن يقيم بين الكفار، أو أن التصريح بالكفر والمجاهرة أمر زائد، ثم ذكر: ما ضابط هذا الدين؟ إلى آخر سؤاله.
يقال: قال الله عز وجل : فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا [البقرة:256]، فلا يصح الإيمان بالله إلا بعد الكفر بالطاغوت، ثم بعد ذلك يوحِّد الله سبحانه وتعالى، فقال : فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فلا يكون الرجل مؤمنًا، ولا يصح توحيده وإيمانه حتى يكفر بالطاغوت، فلابد من النفي والإثبات على مقتضى كلمة التوحيد لا إله إلا الله.
ويكفي في الكفر بالطاغوت ما ذكر السائل من أن يُعتقد بطلان هذه بالعبادات، وأن من عبدها فهو كافر، وأنهم في النار، وأن العبادة لله وحده، ولا تصح العبادة لأحد غير الله، وأن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ممن يعبدون غير الله كفارٌ إلى غير ذلك، يكفي هذا بالكفر بالطاغوت.
أما الجهر بذلك والتصريح به، فليس واجبًا، هذا من حيث الأصل.
أما الإقامة في بلاد الكفار فهي حرامٌ لمن لم يستطع إظهار دينه، أي: أنها حرام لمن كان مستضعفاً، يدل لذلك قول الله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ[النساء:97].
هؤلاء ظالمون لأنفسهم؛ لأنهم بقوا في بلاد الكفار وهم مستضعفون.
ومفهوم المخالفة أن من ليس مستضعفًا فليس آثمًا، ولا ظالمًا لنفسه.
وأصح أقوال أهل العلم في ضابط إظهار الدين هو ما ذهب إليه الشافعي، والشافعية، ذكر هذا الماوردي في كتاب “الحاوي”، أنهم يعلمون أنه مسلم، ولا يؤذونه لعلمهم أنه مسلم، فإذا علم الكفار أن فلانًا مسلمٌ، وأخبرهم هو بأنه مسلم ولا يؤذى لمجرد كونه مسلمًا، فهذا قد أظهر دينه، هذا أصح الأقوال – والله أعلم-.