يقول السائل: احتج الحزبيون بأن لفظة السمع والطاعة الواردة في الأحاديث لا تنطبق على حُكَّامنا في هذا العصر في قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم–: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم»، الحديث، أو حديث «يكون بعدي أئمة»، الحديث، يقولون: هذه ليست لولاة أمرنا، أفيدونا بارك الله فيكم.
يقال جوابًا على هذا السؤال: الأصل في الأدلة من كلام الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم–أنها شاملة لكل زمان ومكان، ومن أراد أن يدعي أنها لحاكم دون حاكم، أو لزمنٍ دون زمن، أو لمكانٍ دون مكانٍ، فيلزمه أن يأتي بالدليل الشرعي.
والأدلة جاءت بالسمع والطاعة والحث على ذلك، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم– في أحاديث كثيرًا حاثًّا إلى السمع والطاعة، حتى قال: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها»، يعني: أثرة في أمور الدنيا، وأمور ننكرها في أمور الدين، هذا في حديث ابن مسعود الذي أخرجه الشيخان، وحديث أنس، وحديث أسيد، وغير ذلك من الأحاديث النبوية.
تبيَّنَ أننا مأمورون بالسمع والطاعة للحاكم الشرعي بشروط أن يكون مسلمًا إلى غير ذلك، فمن أراد ان يخصص ذلك بزمن دون زمن، فهو مخطئ قطعًا، ومحجوج بالأدلة الشرعية الكثيرة، ولا يفعل ذلك إلا رجل جاهل أو صاحب هوى، وكلاهما من أسباب ضلال بني آدم، كما قال –سبحانه–: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72].
فلذا يجب علينا أن نتقي الله، وأن نلزم الأدلة الشرعية في السمع والطاعة، وألا نقيدها بزمن دون زمن، وأن نعلم أنها شاملة حتى الحكام المسلمين في زماننا، واعتقاد أهل السنة كثير في ذلك، وبيان وجوب السمع والطاعة للحكام المسلمين، ولو كانوا ظلمة، ولو كانوا فسقة، وأن من خالف ذلك فهو مبتدع ضال، قرر هذا الإمام أحمد وحكاه في عقيدته التي حكاها عن السلف، والرازيان في عقيدتهما التي حكوها عن السلف، وعلي المديني في عقيدته التي حكاها عن السلف، وذكر ذلك غير واحد من أهل العلم.
ومن الأدلة الواضحة في ذلك ما روى مسلم من حديث عوف بن مالك –رضي الله عنه– أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «إنكم سترون بعدي أثرة»، وقال –صلى الله عليه وسلم–: «ألا من ولي عليه والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة».
فذكر أننا سنرى حُكَّامًا عندهم معاصٍ، وأوجب السمع والطاعة لهم.
وفي حديث ابن عمر، قال –صلى الله عليه وسلم–: «من نزع يدًا من سلطان لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، أخرجه الإمام مسلم.
وأخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية الله، فإنه إن أُمِـر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة»، إلى غير ذلك من الأحاديث كثيرة.
فمن خصصها بزمن دون زمن أو حاكم دون حاكم، بلا مخصص شرعي، فإنه إما جاهل أو صاحب هوى، وهذا كما تقدم عام في كل حاكم مسلم، بما أنه مسلم ولو كان فاسقًا ظالمًا.