اذكر لنا مفطرِّات الصيام باختصار مع دليلها.
يُقَالُ جوابًا على هذا السؤال: إن مفطرات الصيام كالتالي:
– المفطِّر الأول: الحيض والنفاس، وهذا مفطِّر خاص بالنساء، ودلَّ على هذا المفطِّر السُّنَّة والإجماع.
أما السنة فما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنها سئلت: «ما بال الحائض والنفساء تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فبيَّنت لها أنهن كُنَّ يفعلن ذلك في عهد النبي ﷺ ».
وقد أجمع على هذا أهل العلم، كما حكى الإجماع ابن قدامة وغيره من أهل العلم.
– المفطِّر الثاني: الأكل والشرب، كما قال سبحانه: ﴿ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۗ ﴾ [البقرة:187].
ثم الأكل والشرب مفطِّران بدلالة السنة أيضًا، وبإجماع أهل العلم، وتكفي دلالة الآية؛ فإنها واضحة في أن الأكل والشرب مفطِّران.
ومما يدخل في الأكل والشرب كُلّ ما كان في معناهما مما يغذِّي، وما كان في معنى الأكل والشرب، ومِن ذلك الإبر المغذِّية؛ فإنها مفطِّرة بخلاف الإبر التي تعطى لمرض السكري؛ فإنها ليست مفطِّرة؛ لأنها ليست في حُكْم الأكل والشرب، وليست مغذِّية.
وفي هذا تفصيل، لكن يُنظَر بحسب كُلِّ مفطِّرٍ، فإن كان في معنى الأكل والشرب فإنه مفطِّر، وإن لم يكن في معنى الأكل والشرب فإنه ليس مفطِّرًا.
– المفطِّر الثالث: تعمّد القيء، والمراد بذلك: تعمّد إخراج القيء، وعلى هذا المذاهب الأربعة.
ويدلُّ لذلك ما ثبت عن ابن عمر في الموطأ أنه قال: «من استقاء، فعليه القضاء» أي: مَن طَلَب خروج القيء فعليه القضاء، «ومَن ذَرَعه القيء، فلا قضاء عليه»، أي: مَن خرج منه القيء بلا تعمُّدٍ وبلا قصد؛ فإنه لا قضاء عليه.
وقد جاء في الباب حديث مرفوع من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه الخمسة، لكن ضعَّفه الإمام أحمد وغيره، فهو لا يصِحُّ عن النبي ﷺ.
– المفطِّر الرابع: العزم على الفطر، ومعنى العزم على الفطر، أي: أن يكون عازمًا على أن يفطِر.
فإذا قال قائل:, أو نوى في نفسه الآن أنه سيُفْطِر، ولو لم يُفْطِر، فَقد أفطر؛ لأن حقيقة الصيام إمساكٌ عن المفطِّرات بنِيِّة، فلما عزم على الفطر ذهبت نِيَّتُه، فبهذا يكون مفطِّرًا.
وهذا مفطِّر على أصح قولَي أهل العلم، وذلك بخلاف المتردِّد؛ فإن المتردد لا يفطر لتردده، مثلاً لو تردد هل يفطر أو لا يفطر؟ فمثل هذا لا يفطر لتردُّده؛ لأن الأصل صحة صيامه، فلنْ يُنتقَل عن هذا الأصل وعن هذا اليقين إلا بيقين مثله، فلما كان متردِّدًا فإنه لا يفطر بذلك، وقد أفتى بهذا شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى.
– المفطِّر الخامس: الحجامة، وقد ذَهَب إلى هذا الإمام أحمد، ويدل لذلك ما ثبت عند أصحاب السنن من حديث شداد بن أوس أن النبي ﷺ قال: «أفطر الحاجم والمحجوم»، وصحَّح الحديث الإمام أحمد وغيره.
فمن احتجم وهو صائِمٌ فقد أفطر، هو، ومَن قام بالحجامة، والعِلَّة في ذلك: أنها تعبُّدية، فعلى أصح قَولَي أهل العلم أن العِلَّة تعبدية، فيبني على هذا أنه لا يُقاس غير الحجامة على الحجامة، فمن تبرَّع بالدم فإنه لا يفطِّر بتبرعه بالدم؛ لأنه ليس حجامة، وهذا كما تقدم مبني على القول بأن العلّة تعبُّدية، كما هو أحد القولين عند الحنابلة.
– المفطِّر السادس والأخير: إنزال المني مع المباشرة، لابد أن يجتمع أمران:
الأمر الأول: إنزال المني.
الأمر الثاني: مع المباشرة، بأن يباشر ذلك باليد أو بغيره فإن مثل هذا مفطِّر بالإجماع حكاه ابن قدامة وهذا بخلاف مَن تفكَّر فأنزل، فإنَّ مِثل هذا ليس بمُفَطِّر على الصحيح، وقد حكى الإجماع على ذلك الماوردي رحمه الله تعالى في كتابه “الحاوي”، ونقله النووي في “المجموع” وأقره، وإنْ كان قد ذهب بعض الحنابلة المـتأخرين إلى أنه مفطِّر كأبي حفص البرمكي، لكنه محجوجٌ بالإجماع قبله.
فعلى هذا من نظر فأنزل فإن مثل هذا ليس مفطِّرًا؛ لأنه إنزال بلا مباشرة، فإذًا متى يكون مفطرًا؟
إذا اجتمع أمران: الإنزال مع المباشرة باليد أو غير ذلك، أما إذا لم توجد المباشرة فإنه ليس مفطِّرًا.
ومما ينبغي أن يُعلَم أن الاحتلام ليس مفطِّرًا بإجماع أهل العلم، كما حكى الإجماع ابن قدامة؛ لأنه إنزال بغير إرادة، والقاعدة الشرعية: كل من وقع في مفطِّر بلا إرادة فإنه لا يفطر بذلك، حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة، فقال: “من وقع في مفطِّر بلا اختياره، كأَنْ تدخل ذبابة في فَمِه أو كالاحتلام إلى غير ذلك؛ فإن مثل هذا ليس مُفطِّرًا.
ومما أحب أن أؤكد عليه أن إنزال المني بمباشرة اليد أو بغيرها مُفطِّر بالإجماع، حكى الإجماع جمع من أهل العلم، وممن حكى الإجماع على ذلك البغوي رحمه الله تعالى والماوردي وابن قدامة وغيرهم، ومن خالف في ذلك فإنه محجوج بالإجماع قبله.
– والمفطِّر السابع: وهو يدخل في السادس، لكن أفرده الآن ليُنتَبه إليه، وهو الجماع، والمراد بالجماع: الإيلاج سواء أحصل إنزال أو لم يحصل إنزال، فمن أولج في قُبُل امرأة أو دُبُرِها فقط أفطر، فمَن أولج في قُبُل امرأة بأن غَيَّب الحشفة؛ فإن مثل هذا يُعَد جماعًا، ويجب الاغتسال فيه، وهو مفطِّر ولو لم ينزل، وكذلك مَن أولج في دُبُرٍ فإنه مفطِّر، ويجب عليه القضاء، وعلى هذا المذاهب الأربعة، ولم أَرَ أحدًا من أهل العلم نازع في ذلك، وإنما حصل النزاع في الكفَّارة، أما في كونه مفطِّرًا فلم أر أحدًا من أهل العلم نازع في ذلك مع التنبه إلى عظم ذنب الإيلاج في الدبر.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.