إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على ما أنعم به علينا خاصة وعلى المسلمين عامة من نجاح موسم حج هذا العام. فأدى الحجاج مناسكهم آمنين مطمئنين، حتى رجعوا إلى أوطانهم سالمين غانمين إن شاء الله.
إن النجاح الباهر الذي حققته حكومة خادم الحرمين الشريفين في إدارة الحج والحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة لم يأت من فراغ ولكنه بعد فضل الله وتوفيقه ثمرة سياسة حكيمة وإدارة حازمة ومتابعة دقيقة، وجهود مضنية، وبذل سخي، ونية طيبة صالحة يدل على صدقها من الدلائل والشواهد ما لا يمكن لأحد من الناس أن يعدها أو يحصيها.
ومما يجب الإشادة به أن رعاية الدولة السعودية للحج تقوم على أسس عظيمة، يتجلى فيها الامتثال لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ وعلى سبيل المثال انظر قوله تعالى : ” {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}
فأمر الله تعالى في اول هذه الآيات الكريمة إبراهيم عليه السلام أن يبني الكعبة ونهاه عن الشرك، ونجد الدولة السعودية وفقها الله تترسم هذا المنهج الرباني القويم فإنها قائمة بعمارة الحرمين الشريفين عمارة حسية حتى بلغت توسعاتها لهما مساحة لم يشهد التاريخ لها مثيلا. ولا زالت مشاريعها قائما متجددة منذ شرفها الله تعالى بخدمة الحرمين إلى يومنا هذا.
كما أنها حريصة غاية الحرص على رفع منار التوحيد والسنة ومحو مظاهر الشرك وأسبابه ووسائله، فها هي خطب الحرمين وخطبة نمرة يقرر فيها إفراد الله بالعبادة ويحذر فيها من الشرك ويعظم فيها الكتاب والسنة ويترضى فيهما عن الصحابة وأمهات المؤمنين، ومتى بدرت بوادر غلو أو تبرك شركي أو غير ذلك من صور البدع الخرافة المفضية إلى عبادة غير الله بادرت إلى منعه وإزالته وإنزال العقوبة الرادعة بمن يستحقها ممن يستغل جهل الحجاج والزوار لإضلالهم والتغرير بهم وإفساد عقائدهم.
وأمر الله تعالى إبراهيم بتطهير بيته للطائفين والقائمين والركع السجود وقد أولت الدولة السعودية قضية التطهير والتنظيف عناية فائقة فتنظيف المطاف والمسجد الساحات ودورات المياه على مدار الساعة مع عظم المساحة وكثرة الحجاج والعمار والزوار والمصلين، فلا ترى عين الزائر ولا تشم أنفه ما يؤذيها من وسخ او قذر او نتن والحمد لله.
وأمر الله تعالى إبراهيم أن يدعو الناس للحج من كل مكان فلا يصد أحد ولا يمنع أحد من اهل الإسلام، وهذا ما دأبت عليه الدولة السعودية عبر تاريخها فقد فتحت أبواب الحرمين الشريفين لكل قاصد للحج والعمرة والزيارة من المسلمين من العرب والعجم ومن الموافق والمخالف فلم تستغل خلافا عقديا أو مذهبيا أو سياسيا على منع أحد من الحج.
وأمر الله تعالى بذبح الهدي والأكل منها وإطعام الفقراء وقد أقامت الدولة السعودية مشاريع عظيمة تمكن الحجاج من شراء الهدي والاضاحي وما يجب عليهم ذبحه بسبب ترك نسك او فعل محظور بكل يسر وسهولة وأنشأت المجازر الحديثة وانشأت البرامج التي تستغل فائض لحوم الهدي لإطعام الملايين من فقراء المسلمين فيما يقارب ثلاثين دولة تصل إليهم محفوظة مبردة في رعاية فائقة.
فشكر الله لهذه الدولة الكريمة جهودها العظيمة في خدمة الحجيج ورعاية الحرمين الشريفين وجزاها على ذلك خير الجزاء. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واشكروه على ما انعم واستغفروه وتوبوا إليه واستعينوا به وتوكلوا عليه. فمن شكره زاده ومن استغفر غفر له ومن تاب تاب الله عليه ومن توكل عليه كفاه .
إخوة الإيمان: كان إبراهيم عليه السلام يدعو ربه فيقول { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} ويقول {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}
وقد استجاب الله دعاء الخليل عليه السلام فجعل مكة بلدا آمنا وأنبع فيه ماء زمزم وساق إليه الثمرات، وكان مَن قَصَد مكة بسوء فإن الله يحميه منه بقدرته كما فعل سبحانه بأبرهة صاحب الفيل وجيوشه، ولما بعث الله محمدا ﷺ بين للأمة حرمة البيت وأنه لا يحل فيه قتل الصيد ولا قطع الشجر فضلا عن ترويع المسلم أو العدوان عليه بغير حق، كما قال تعالى {نَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} أي من دخل مكة فأمنوه ولا تعتدوا عليه، فإذا امتثل المسلمون ذلك أمن الناس فيها ومتى ضيعوا حدود الله واستخفوا بحرمة الدم والمال والبلد الحرام وقع فيها الخوف وسفك الدماء والسلب والنهب كما كان واقع مكة في مواسم الحج قرونا طويلة والله المستعان.
وإذا نظرنا إلى الواقع اليوم بل منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الامام عبدالعزيز ال سعود رحمه الله وجدنا مكة والمدينة وطرق الحجاج آمنة مستقرة مطمئنة تتمثل فيها دعوة إبراهيم عليه السلام فها هي المملكة تستضيف في الموسم ما يقارب ثلاثة ملايين من شتى بقاع الدنيا فيؤدون المناسك ويتنقلون بين المشاعر مستمتعين بكل أنواع الأمن.
آمنين على أنفسهم من العدوان، آمنين على أموالهم من السلب والنهب والسرقة، لوجود نظام امني سخر نفسه لحمايتهم بكل قوة وحزم وبذل نفسه في خدمتهم بكل تواضع وسرور، آمنين من جهة السكن والمبيت في داخل مكة وفي المشاعر، آمنين على صحتهم فلا أوبئة ولا طواعين ولا أمراض معدية بأمر الله، وذلك لوجود رعاية صحية فائقة ونظافة بيئية عالية، آمنين غذائيا فلا جوع ولا عطش بل كل أصناف الطعام والشراب في متناول الفقير والغني وكثير منها يوزع بالمجان.
فالحمد لله الذي وفق هذه الدولة المباركة لتحقيق الأمن والرخاء والرفاهية لحجاج بيت الله الحرام وجعل ذلك في موازين حسناتها. كما نسأله سبحانه ان يديم هذه النجاحات في كل موسم وأن يزيد دولتنا توفيقا وتأتييدا، وعزا وسؤددا إنه سميع مجيب الدعاء.
اللهم اجز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان خير الجزاء على خدمتهم لبيتك وحرم نبيك وحجاج بيتك، اللهم اكتب أجرهم وضاعف مثوبتهم وألبسهم ثياب الصحة والعافية والعز والنصر والتأييد يا رب العالمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }