الدعوة إلى منهج الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بأيّ معنى ؟!
لا ينبغي أن نُحاكم الناس إلا إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة الذي يجب على الأمة أن تتبعه وتهتدي بنوره وتقتفي آثاره، ومن سواه من الناس وإن ارتفعت مقاماتهم وعلت منازلهم إلا أنّه يعتور سلوكاتهم وتصرفاتهم ما يعتريها من الخطأ والخلل والتقصير.
بيد أني رأيت بعضا ممن يدعو إلى منهج سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ويُطالب طلبة العلم بسلوك طريقة ابن باز في كتب ومصنفات أُفردت لذلك، يقصد أمرا لم يكن عليه ابن باز بله لم يكن يدور في خلده ..!
فيجعل من منهجه هذا، وانشغاله الدائم بإفتاء الناس وتعليمهم وتلمّس احتياجاتهم وسدّ خلّاتهم، حُجّة تقطع الطريق على كلّ من شغل وقته بالرد على أهل البدع، وتزييف المناهج المستوردة، وتعقّب الأفكار الخاطئة، ويقول –بلسان حاله أو قاله-: لو كانت طريقتكم وما تصدّرتم له حقّا لما خالفتم ابن باز ولما سلكتم غير سبيله !
فيدّعي أنّ هذا منهج مباين لما كان عليه ابن باز، ومخالفٌ لما عُرف عنه من الأخلاق الفاضلة والآداب والحسنة، وهذا كذب على هذا الإمام، وتزوير للحقيقة، وجناية على المنهج السلفي، وخديعة للناشئة والمتعلّمين.
نعم كان قدس الله روحه مثالا حسنا للسماحة والرفق في التعامل مع النّاس والدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ذلك لأنّ الله تعالى آتاه علمًا جمّا، ومحبّة في قلوب الخلق، وطبيعة نفسيّة، وتركيبة فطريّة، وخشوع وتألّه وتطامن، وصفات خُلقيّة مكّنته من الترقي لهذه المقامات، وأهّلتهُ لبلوغ هذه المنازل التي يعسر على غيره تسنّمها.
ونحن نرى أنّ قدرا من العلماء الربانيين الذين عاصروا ابن باز رحمه الله كانوا يختلفون عنه في طريقة الطرح وأسلوب التعامل مع المخالفين بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعيّة، ولم يكن ذلك قادحا في إمامتهم، ولا خافضا لشيء من منزلتهم.
فالشيخ حمود التويجري رحمه الله مثلا كان يتعقّب المخالفين، وينشغل بالرد عليهم وتبيين انحرافاتهم، بكتب ومصنفات سارت بها الركبان، رغم هذا كان الشيخ ابن باز يُجلّه ويثني عليه، بل وقدّم له جملة من كتبه.
وكذلك شيخه سماحه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كان له منهج معلوم في الإفتاء والتعليم، وله أسلوبه المتميّز في الدفاع عن الشريعة والصدع بوجوب تحكيمها، وتبيين انحرافات الضالين، ونقد مقالات الرعاع عنها.
ولم يكن واجبا على ابن باز أن يقلّد شيخه ابن إبراهيم في كل هذه التفاصيل، فهذه كمالات ومراتب، هي في كثير من جزئياتها منفكّة عن اختيار الإنسان وإرادته، لكونها متعلقة بطبيعته المركوزة فيه، وهيئته التي جبلهُ الله عليها، ومكانته الاجتماعية التي تتطلّب منه أن يكون مرجعا مؤتمنا للمسلمين عامتهم وخاصتهم.
فكونُ بعض المشايخ يدعون طلبة العلم كلّهم أن ينهجوا نهج ابن باز رحمه الله في التعامل، وأن تكون صفاتهم كصفاته وسلوكهم كسلوكه، فذلك حقّ إذا فُهم على وجهه، لا أن تُجعل هذه القالة تُكأة لتثبيط المنافحين عن الشريعة وكفّ ألسنتهم وأقلامهم عن كشف أستار المنحرفين وتبيين أغلاطهم.
كما أنّ الشيخ ابن باز رحمه الله لم يكن مُغفلا لهذا الجانب بالكليّة، فله ردود شائعة وتعقبات نافعة على المخالفين كتب الله لها الانتشار والقبول، بحسب ما وجده من سعة في الوقت وحاجة داعية.
كتبه محمد بن علي الجوني