الحمد لله، جعل التمسُّكَ بالسنَّة الغرَّاء إلى مراضِيهِ سبيلاً، وشاهدًا على توفيقه ودليلاً،أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيلا ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صاحب الغرة والتحجيل ، المؤيد بجبريل ، المذكور في التوراة والإنجيل، حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي ، وعلى آله وصحبه ما تنفس حي ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان .
أما بعد : عباد الله اتقوا الله (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )
عباد الله :لقد كنا ضلالاً فهدانا الله بمحمد صلى الله عليه وسلم ، متفرقين أعداء فجمعنا الله وألف بين قلوبنا به، عالة فأغنانا الله به، أذلة فأعزنا الله ونصرنا به، أهل جهالة بالله وعمى به فبصَّرنا الله به، فالحمد لله أن اصطفاه من بين خلقه فبعثه إلينا مبشراً ونذيراً وداعياً، والحمد له سبحانه أن أكرمنا بالإيمان به ومتابعته في أحواله وأقواله وأفعاله، { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
عباد الله : ولعظيم منزلته فله علينا حقوقا وواجبات ومن أعظمها محبته واتباعه ففي صحيح البخاري عن أنسٍ رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم :(لا يُؤمِنُ أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِه وولدِه والناسِ أجمعين (
ومن دلائلِ محبتِه: الإكثار من ذِكره بالصلاة والسلام عليه؛ فمن أحبَّ شيئًا أكثَرَ من ذِكره، وأولَى الناس بالنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يوم القيامة: أكثرُهم عليه صلاةً.
إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة وطاعة
جليلة، وإن أجرها عند الله تعالى كبير ، فقد صح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا )
فلا تبخلوا بها على أنفسكم لا سيما عند ذكره صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إنَّ الْبَخِيلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ).
عباد الله :إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تُشرع وتتأكد في مواطن وأوقات عدة:
منها: يوم الجمعة،لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ ) .
وكذا عند الدعاء: وفيه قصة الرجل الذي دعا ولَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَجِلَ هَذَا ، ثُمَّ قال : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ ، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ ) رواه أحمد وصححه الألباني .
ومنها: بعد الأذان مع أذكاره، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)
وعمد دخول المسجد والخروج منه .
وأفضل صيغة يُصلى بها على النبي صلى الله عليه وسلم،
هي الصلاة الإبراهيمية، لأنها الصيغة التي علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يصلوا عليه بها حين سألوه كيف نصلي عليك يا رسول الله، فقال لهم قولوا:( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ )
ولهذا فإن من الأخطاء التي تحصل من بعض الناس مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
زيادة لفظ سيدنا في الصلاة الإبراهيمية التي تقال في التشهد الأخير من الصلاة.
وزيادتها لم ترد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أسيادنا من بعده، وهم أصحابه – رضي الله عنهم -، ولا عن التابعين لهم، ولا عن الأئمة الأربعة.
بل ذكر الحافظ المحدث ابن حجر العسقلاني الشافعي – رحمه الله – أن فقهاء المسلمين الأوائل قاطبة لم يقع في كلام أحدهم زيادة لفظ سيدنا مع الصلاة الإبراهيمية عند التشهد الأخير من الصلاة.
ولا ريب عند كل محب لله ورسوله ومعظم أن الاقتصار في العبادات على ما جاء في السنة النبوية وموافقتها هو الواجب والأكمل والآجر ، وإلا فهو بأبي وأمي صلى الله
عليه وسلم سيدنا وسيد ولد آدم كلهم .
ومن الأخطاء:قول بعض الناس لبعض إذا نسي شيئاً صَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، أو قُل: اللهم صَلِّ على محمد.
وهذا غير مناسب في هذا الموضع، لأن مقام النسيان يناسبه الاستعانة بالله على التذكير، وذكره سبحانه وحده لا ذكر مخلوق ولو عظم، فالله هو المُذَكِّر، وهو من نحتاجه أن يُذكرنا في هذا الموضع، ولهذا أمر الله سبحانه بذكره وحده عند النسيان فقال في سورة الكهف آمراً لنا ولرسوله صلى الله عليه وسلم:(وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )
ومن هذه الأخطاء:الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الخطبة إذا ذَكر الخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يقل أحد من أهل العلم من السلف الماضين: إن السنة هي الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن هذه الأخطاء:الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعياً بصوت متوافق مرتفع، ومن بحث عن هذه الطريقة فلن يجدها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابة – رضي الله عنهم -، ولا عن التابعين وباقي سلف الأمة الصالح، ولا عن الأئمة الأربعة أبي حنيفة
ومالك والشافعي وأحمد وتلامذتهم.
وسيجد هذه الطريقة عن أقبح الناس عقيدة ومذهباً، وهم الشيعة الرافضة، وغلاة الصوفية .
أسأل الله أن يجنبنا الشرك والبدع، وأن يشرح صدورنا بالسنة والاتباع ، واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا لاتبّاع سيد المرسلين، ويسَّر لنا اقتفاء آثار السَّلف الصالحين، وطهر بواطننا وظواهرنا من الابتداع في الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين
اما بعد أحباب محمد صلى الله عليه وسلم اتقوا الله فعلامة محبته سبحانه طاعة رسوله (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
عباد الله :إن المحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا بتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، وذلك بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد اللَّه إلا بما شرع ، ومن كان كذلك
فليبشر بمحبة الله جل وعلا ومغفرة الذنوب .
و إن البدع والمحدثات ليست طريقاً لإظهار الحب والتعظيم ، بل الحب والتعظيم إنما يكون في الاتباع
معشر المسلمين فليس من محبته صلى الله عليه وسلم الاحتفال بمولده فقد مضت أمة الإسلام بقرونها الثلاثة الأولى لم تعرف بدعة ما يسمى باحتفال المولد ، وهي القرون التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه .
ولم يقل بمشروعيته أحد من أئمة المذاهب الأربعة ، بل إن أول من أحدثه العبيديون وهم المسمون بالفاطميين – كذباً وزوراً – في القرن الرابع الهجري، والذي أحسن أحوالهم أنهم رافضة مكفرون للصحابة ومتهموا أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- بالزنا.
ومع تأخر ابتداعهم له فقد كان ظهوره تشبها بالنصارى
في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام ،
ومع هذا وذاك قرروا أن النبي صلى الله عليه وسلم أو روحه الشريفة تحضر هذه الاحتفالات ،وقد يكون فيه من الاستغاثة به ما هو مناف لأصل الدين الذي جاء به.
اللهم إنا نسألك حبك ، وحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يسقينا من حوضه ، ونسأله سبحانه أن يشفع فينا نبينا محمداً إنه سميع الدعاء .
عباد الله:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه امهات المؤمنين والصحابة اجمعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، وفرج عن اخواننا المستضعفين في سائر بلاد المسلمين ، وارفع الفتن والقتل عنهم ، وولي عليهم من يقيم شرعك
اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْغَلاءَ وَالْمِحَنَ، وَالزَّلازِلَ وَالْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ،وانصر به دينك واقهربه عدوك يا رب العالمين ، اللهم مجري السحاب هازم الأحزاب اجعل الدائرة لعبادك المرابطين على ثغور بلاد الحرمين , اللهم انصر جنودنا عسكر الإسلام والسنة ، اللهم قوِّ عزائمهم , وصوِّب رميهم , وأمدهم بمدد من عندك , اللهم اشف مريضهم , واجبر كسيرهم, ويسِّر عسيرهم , ومنَّ عليهم بفتح مبين .
اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم اجعل ما أنزلته صيبا نافعاً، وعطاء مشفوعاً برضى، اللهم وزدنا بغيثك المدرار ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد يا ذا الجلال والإكرام
وقوموا الى صلاتكم .