بسم الله الرحمن الرحيم
الكشف والبيان لزيف وخداع دعوات تقارب الأديان
الحمد لله الذي رفع الحقَّ فأعلا مقامه، ووضع الباطل فأردى بنيانه، أظهر الحقَّ والإيماِن، ومحق الباطل والطغيان، والصَّلاة والسلام على من أنيرت به دياجير الظلم، وأمطيت به كلاليب العَمَم.
أمَّا بعد:
فقد صحَّ عن الصَّادق المصدوق أنَّ من أمارات السَّاعة ظهور الفتن بين يديها.
وإنَّ من أعظم الفتن وأشدِّها على قلبِ المؤمن فتن الشُّبهات الخطَّافة؛ ذلك أنَّها تعمي البصيرة وتحلق الديانة، لا سيما إذا لُبِّست الشُّبهة بالشعارات البرَّاقة، والدعايات الرنَّانة.
ومن هذه الفتن والدَّعوات الماكرة والشعارات الخادعة ما يُروَّج له من الدَّعوة إلى تقارُب الأديان، والتَّوادِّ بين أهلها وأتباعها، تحت شعار السَّلام والإنسانيَّة، ولا شكَّ أنَّه مناقضٌ لأصول الإسلام الثابتة، وقواعده الرَّاسخة؛ فموالاة أهل الإسلام والبراء من الكفر وأهله من أوثق عرى الإيمان، فلا يكمُل للمرء إيمانُه، ويستقيم له إسلامُه؛ حتَّى يتولَّى الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا، ويبرأ من الكفر وأهله من أعداء الله ورسوله، والأدلة والنُّصوص الصريحة الصحيحة من الكتاب والسُّنَّة متضافرة في تأكيد هذا الأصل العظيم.
فقد أخبر سبحانه عن أولياء المؤمنين وأعدائهم فقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22].
فلا يجوز لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم الخيرة في حكم الله ورسوله وقد نهى الله ورسوله عن موالاة أهل الكفر مناليهود والنصارى، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].
بل نهـى سبحانه عن ذلك حتَّى لو كــان الكافر مــن أقرب الأقربين في النسب،فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23].
ولا يصح ولا يقبل من أحد كائنا من كان دينٌ ولا شريعة بعد بعثة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم غير ما جاء به من دين وشريعة، قال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
فلا تقارب بين حقٍّ وباطل، ولا بين نور وظلمات، ولا بين هدى وضلالة، فالحقُّ ثابتٌ لا يتغيَّرُ ولا يتبدَّل وإن أنكره من جهِله، والباطلُ داحضٌ لا يثبُت وإن زيَّنه صاحبُه.
وقد وصف الله سبحانه من يتولَّى الكافرين بالنفاق في غير موضع من القرآن من ذلك،قوله سبحانه: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} [النساء: 138-139].
فليحذر المسلم من الوقوع في شَرَك هذه الدَّعوات الباطلة وإن رفَعت أعلامَ الإنسانيَّة وتدثَّرت بدثار السَّلام والخير.
وينبغي أن يعلم أنَّ هذا الأصل لا يتنافى مع وجوب العدل والإحسان في معاملة أهل الأديان الأخرى بالحقِّ والمعروف، بل تجوز معاملة المسالمين منهم في العقود الجائزة ونحوها ممَّا لم يحرِّمه الشَّرع، ويحرم الاعتداء على المسالمين والمعاهدين والمستأمنين ونحوهم في أموالهم أو أنفسهم بغير حقٍّ، والإحسان في التَّعامل معهم في إظهار شفوف الإسلام على غيره في محاسن الأخلاق ومكارم العادات يجدر التحليِّ به.
قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
فواجب النصيحة يقتضي بيان حكم الله لعامَّة المسلمين حماية لجناب الدِّين وهو من الميثاق الذي يجب على أهل العلم بيانه.
ويجب أن يعلَم أنَّ هذا لا يسوِّغ الافتيات على ولاة أمر المسلمين والتحريش بين المسلمين تحت ذريعة تغيير المنكر، فلكلِّ تلك المسائل أصولها وضوابطُها وطرائقُها فشرعُ الله حكمةٌ وعدلٌ.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
كتبه:
أ.د. حمد بن محمد الهاجري
أستاذ كلية الشريعة بجامعة الكويت