يقول السائل: ما حكم ما تفعله بعض الجمعيات الخيرية من إنتاج مقطع يتحدث فيه شخص عن تبرعه بمبلغ للجمعية عنه وعن كل من ينشر المقطع؟
الجواب:
هذا السائل يسأل عن مقطع تُنتجه جميعة من الجمعيات الخيرية، ويُجرى لقاء في هذا المقطع مع رجل تبرَّع لهذه الجمعية أو لمسجد أو لغير ذلك، ويقول الرجل: كل من نشر هذا المقطع الذي فيه دعوة للتبرع لهذه الجمعية فإني أجعله شريكًا لي في الأجر.
هذا -والله أعلم- غير مشروع ولا يصح أن يُفعل، فإن الخير كل الخير في اتباع من سلف، ما كان سلفنا الذي مذهبهم هو الأسلم والأعلم والأحكم يفعلون مثل هذا، بحيث إن أحدهم إذا بنا مسجدًا أو دعوا إلى بناء مسجد فتبرع أحدهم ببعض مبلغ المسجد قال: كل من دعا الآخرين لأن يتبرعوا في هذا المسجد فإني أجعله شريكًا لي في الجزء الذي دفعته لبناء هذا المسجد.
فلذا الواجب الاتباع وعدم الابتداء، وليُستحضر دائمًا أن الأصل في العبادات المنع الحظر، وألا يُتقدم بفعل عبادة إلا إذا دل دليل شرعي على ذلك، وإذا لم يدل دليل على ذلك فلا يجوز لأحد أن يتقدم بفعل عبادة.
يقول السائل: في فرنسا أكثرية المسلمين يُقلدون المذهب المالكي، لأنهم من المغرب العربي، وأنا فرنسي أصلي، فهل أدرس الفقه المالكي لأجل التوافق مع أكثرية المسلمين الفرنسيين؟ أو أدرس المذهب الحنبلي؟ لأن بعض العلماء يقول: إن المذهب الحنبلي أقرب إلى السنة، وكثير من المعلوفين كابن عثيمين.
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن دراسة الفقه على أحد المذاهب الأربعة ليس مرادًا لذاته وإنما لغيره والتفقه في دين الله، بأن يعلم حكم الله في كل مسألة بدليلها، بأن يدرس ذلك على عالم وهو صاحب علم متمكن، يُبيِّن له صورة المسألة، ويُبيِّن له الراجح والمرجوح في هذه المسألة، وليس المراد ذات المذهب.
وكأن السائل قد التبس عنده الأمر، فجعل دراسة المذهب مقصودة لذاتها، بحيث إنه إذا تفقه على المذهب المالكي إذن يتعبد بالمذهب المالكي، وهذا خطأ، فلا يصح لأحد إذا تفقه على المذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي أن يتعبد بما في هذه الكتب، بل يتعبد بالدليل، فيُقلد الموثوقين من أهل العلم، أو يدرسه على صاحب علم يثق به، ويسمع أدلته فيكون متبعًا للدليل الذي يظهر له.
فإن قيل: ما الفرق بين أخذ حكم المسألة من موثوق من طلاب العلم وأهل العلم وبين أن تُؤخذ من المتون الفقهية؟
يقال: الفرق بينهما كبير، فإن من كتب في المذهب سواء كان المذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي، فإنه يكتب بالنظر إلى الراجح في المذهب، لا بالنظر إلى الراجح من حيث الدليل، أما العالم إذا أفتى وطالب العلم، فإنه يُفتي بالدليل، أي بما يدين الله به.
فلذا من كتب في المذهب قد يتعبد بخلافه، ففرق بين أن يكتب في المذهب وبين أن يتعبد الله سبحانه، لذا لا يصح أن يُتعبد بما في هذه المتون الفقهية.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.