يقول السائل: حولني رجل في دينٍ لي عليه، فهل يصح أن أقبل الحوالة بشرط أنه إذا لم يُوفِّ رجعت عليه؟
الجواب:
صورة هذه المسألة: أن رجلًا مُدانًا لرجل، وحوَّل المُدان الدائن إلى رجل آخر ليأخذ الدين منه، والسائل يسأل يقول: إذا حولني المدين إلى رجل آخر ليقضي الدين، هل يجوز لي أن أشترط أن ذاك الرجل الذي حولتني عليه إذا لم يقض الدين فإني أرجع إلى الذي عليه الدين من حيث الأصل؟
هذه المسألة على أصح قولي أهل العلم تصح، كما ذهب إلى هذا المالكية وهو قول عند الشافعية، وذلك أن الأصل في المعاملات الجواز والأصل في الشروط الجواز، ولا يُحرم منها إلا ما جاء الدليل بتحريمه، ولا دليل يدل على حرمة مثل هذا، فلذلك من أحال رجلًا على رجل فاشترط المُحال أنه إذا لم يُوفِّ المُحال عليه فإنه يرجع إلى المُحيل، فإن هذا يصح على أصح القولين كما تقدم، ولا دليل يدل على عدم صحته.
يقول السائل: إذا أصاب المرأة الحائض جنابةً، فهل ينفعها الغسل من الجنابة؟
الجواب:
لهذه المسألة صورتان:
– الصورة الأولى: أن تكون المرأة جنبًا من احتلام أو جماع أو غير ذلك، ثم يُصيبها الحيض، فمثل هذه ينفعها الاغتسال وتستفيد منه، ولو اغتسلت ارتفعت جنابتها وبقي حيضها، ومن ذلك أنه يجوز لها على أصح القولين أن تقرأ القرآن، وقد نصَّ على هذا المالكية، وقد ذهب أحمد وإسحاق وجماعة إلى أن المرأة الجنب إذا حاضت ثم اغتسلت أثناء حيضها فإنها تستفيد من اغتسالها، وذكر المالكية أن لها أن تقرأ القرآن … إلى غير ذلك من الأحكام، وهذا هو الصواب.
– الصورة الثانية: أن تكون المرأة حائضًا ثم تُصيبها جنابة، فمثل هذه إذا اغتسلت لا ينفعها الغسل، هكذا رأيت العلماء ذكروا أن المرأة الحائض إذا أجنبت فإنها لو اغتسلت لم ترتفع جنابتها، ولم أرَ في كلام العلماء من يقول إن الجنابة في مثل هذه ترتفع وتستفيد من ذلك بأن تقرأ قرآنًا -والله أعلم- ونحن مأمورون ألا نخرج عن أفهام أهل العلم وأن نفهم الكتاب والسنة بفهم أهل العلم، لكن لو وُجد من العلماء الماضين من يقول إن جنابتها ترتفع لكان قوله صوابًا -والله أعلم-.
يقول السائل: هل الخوارج ينفون أنهم خوارج؟ وهل هم يُكفرون بالكبيرة لذاته؟ أو هم يرون الكبيرة كفرًا؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن الخوارج مبتدعة وضلال، وقد وردت فيهم أحاديث، وقد ذكر ابن حزم وابن تيمية وابن القيم أنه لم يصح حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من طوائف أهل البدع إلا الخوارج، وقد ذكر ابن تيمية أن الإمام مسلمًا روى فيهم عشرة أحاديث، وأن ثلاثة من هذه الأحاديث أخرجها البخاري أيضًا، فهم مبتدعة وضلال وهم كلاب أهل النار.
وضابط الخارجي: كل من يُكفر بغير مكفر بتأويل غير سائغ، كما يُستفاد من كلام ابن قدامة في كتابه (المغني)، وابن تيمية في أكثر من موضع من (مجموع الفتاوى) وعبارته أوضح، والنووي في كتابه (روضة الطالبين).
والخوارج صاروا خوارج لأنهم يُكفرون بالكبيرة، فيرون أن الكبيرة كفر في ذاتها، فمن كفَّر بكبيرة فهو خارجي.
أما قول السائل: [هل يُكفرون بالكبيرة لذاتها؟ أم هم يرون فعل الكبيرة كفرًا؟]
يُقال: لا فرق بينهما والنتيجة واحدة، فمن كفَّر لأجل كبيرة فهو خارجي والعياذ بالله، كما تقدم تقريره، ثم الخوارج ينفون عن أنفسهم أنهم خوارج، بل يرون أنفسهم أهل الحق، كما هو قول الأباضية الآن، وكما هو قول الخوارج الذين خرجوا على علي -رضي الله عنه- ولا يكفي أن يدعي أحد من أهل الحق، فإن العبرة بواقع الحال لا بالدعاوى.
فإن اليهود والنصارى يدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وهذه الدعاوى لا قيمة لها، ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى﴾ فقال الله ردًا عليهم: ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111].
فإذن الدعاوى لا تكفي، وإنما العبرة بواقع الحال وبما دل عليه الدليل من الكتاب أو السنة.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.