يقول السائل: ما حكم من حلف ألا يفعل شيئًا وفعل، أو على ألا يأكل شيئًا فأكله؟
الجواب:
من كان كذلك فقد حنث في يمينه، ومعنى حنث في يمينه: أي رجع فيها، ومن رجع في يمينه التي عقدها فإنه تجب عليه الكفارة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، قال سبحانه: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 89].
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليُكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير».
وقد أجمع العلماء على وجوب الكفارة لمن حنث في يمينه، حكى الإجماع ابن قدامة.
إذا تبيَّن هذا فمن حنث -أي رجع في يمينه- فعليه الكفارة المذكورة في القرآن، وهذه الكفارة جمعت بين التخيير والترتيب، أما من حلف على يمين ثم حنث في يمينه فهو مُخير بين ما يلي:
الأمر الأول: إطعام عشرة مساكين.
الأمر الثاني: كسوتهم، أي يعطيهم لباسًا.
الأمر ثالث: تحرير رقبة.
فإذا لم يجد فإنه ينتقل بعد ذلك إلى الصيام، كما دلَّ على هذا القرآن، وقد أجمع العلماء على أنه مُخير بين هذه الثلاث، حكى الإجماع ابن قدامة في كتابه (المغني).
ومما يُخطئ فيه كثير من العامة أنه يظن أنه بمجرد أن يحنث في يمينه فإن كفارته الصيام، وهذا خطأ، بل كفارته ما تقدم ذكره من الثلاث، فإذا لم يتيسر له ينتقل إلى الصيام، ثم الصيام يكون بصيام ثلاثة أيام متتابعات كما جاء في قراءة جمع من الصحابة كابن مسعود وغيره -رضي الله عنهم-.
وأنبه إلى أن إطعامهم يكون إما بنصف صاع من أرز أو غيره من قوت البلد، أو بطعام يطبخه ويعطيه مما اعتاد عليه الناس في عرفهم، وكذلك كسوتهم بما اعتاده الناس في عرفهم.
يقول السائل: ما معنى اليمين الغموس؟
الجواب:
اليمين الغموس عند العلماء: هو من حلف على أمر ماضي كذبًا، حلف أنه بالأمس كان عند زيد ولم يكن عنده، أو بالأمس ذهب إلى المكان الفلاني ولم يذهب إليه، أو بالأمس قد أكل ولم يأكل، هذه هي اليمين الغموس وهي كبيرة من كبائر الذنوب.
ثبت في البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس».
إذن اليمين الغموس من الكبائر، وما أكثر المسلمين الذين يتساهلون في مثل هذا، ويحلفون على الماضي كذبًا، وقد سُميت غموسًا لأنها تغمس صاحبها في الإثم الذي يكون سببًا لغموس صاحبها في النار -والعياذ بالله-.
فليتق الله المسلمون وليحفظوا أيمانهم عن مثل هذه اليمين، وقد ذهب جماهير أهل العلم كما هو قول الحنفية وهو قول مالك والمالكية، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد وقول عند الحنابلة، أن هذه اليمين الغموس لا تُكفَّر لشدة ذنبها فإنها لا تُكفر، ويُؤكد ذلك أن الله جعل الكفارة فيما عُقدت فيه الأيمان، والماضي لا يُعقد فيه اليمين لأن صاحبه يعلم أنه ليس كذلك، ثم ما تقدم من حديث أبي هريرة: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليُكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير» فاليمين الغموس لا يمكن أن تُكفر ويُؤتى الذي هو خير، لأنها أمر ماضي كما بيَّن هذا ابن المنذر -رحمه الله تعالى-.
فالواجب على المسلمين أن يحفظوا أيمانهم كما قال تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ وأن يحذروا الكذب لاسيما مع الحلف، لاسيما مع اليمين الغموس -عافاني الله وإياكم-.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.