يقول السائل: هل يصح لأحد الرعية أن يُقيم الحدود؟
الجواب:
لا يصح لأحد من الرعية أن يُقيم الحدود الشرعية بما أن الحاكم والسلطان موجود، وقد دل على هذا ما يلي:
الأمر الأول: أن الهدي العملي من وقت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بعده من الصحابة والخلفاء الراشدين على هذا، في أنه لا يُقيم الحد إلا ولي الأمر والسلطان دون غيره من عامة الناس.
الدليل الثاني: أن العلماء مجمعون على هذا، حكى الإجماع القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره، ويؤيد ذلك أن علماء المذاهب الأربعة قد ذكروا هذا وأنه لا يُقيم الحد إلا ولي الأمر ونائبه، أما من عداه فإنه لا يُقيم الحدود.
الدليل الثالث: أن الأمر لو لم يُضبط بولي الأمر لصار فوضى، لرأيت جماعةً يُقيمون الحد على فلان وجماعة آخرين يقيمون الحد على فلان لظنهم أنه يستحق ذلك، وآخرون لا يوافقونهم، وأناس يخالفونهم …إلخ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
لذا ما تقدم ذكره كله دال على أنه لا يُقيم الحد إلا ولي الأمر، فبما أن ولي الأمر موجود فلا يجوز لأحد أن يُقدم على إقامة الحد على أحد، ويكفي الإجماع الذي حكاه القرطبي ثم الهدي العملي الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده.
أما ما نُقل من خلاف ذلك عن الصحابة فله حالان:
الحال الأولى: أن أسانيده ضعيفة ولا تصح عنهم، كما جاء عن الشعبي عن عمر أن عمر قتل المنافق، فهذا إسناده منقطع، فالشعبي لم يسمع عمر -رضي الله عنه-.
الحال الثانية: أن إسناده صحيح لكن يُحمل هذا على أن عند الصحابي الذي أقام الحد إذنا من ولي الأمر ويعلم أن ولي الأمر يأذن في مثل هذا.
فبهذا تتفق أفعال الصحابة مع إجماع أهل العلم وفهمهم، فنفهم ما جاء عن الصحابة وعن العلماء بما قرره أهل العلم.
يقول السائل: هل يُطاع ولي الأمر إذا أمر بصيام يوم غد الاثنين نفلًا حتى يدعو جميع المسلمين في هذا اليوم وذلك لما يقع في البلد من جرائم الخوارج وغير ذلك من الاعتداء على الرعية؟
الجواب:
إن صيام يوم الاثنين مستحب وكلام النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه (المجموع) يدل على أن العلماء مجمعون على ذلك، وقد ثبت في مسلم من حديث أبي قتادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صيام يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه وبُعثت فيه وأنزل عليَّ فيه»، فصيامه مستحب ومطلب شرعي وحكمه في الشرع الاستحباب، فإذا أمر ولي الأمر به لدافع ديني لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته مع إمكان فعله فلا يصح أن يُطاع في مثل هذا لأنه بدعة.
فقد ابتُلي الصحابة -رضي الله عنهم- في عهد علي -رضي الله عنه- بالخوارج ومع ذلك لم يأمر علي بن أبي طالب ولا غيره من الصحابة بصيام يوم الاثنين أو الخميس أو بأن يجتهد الناس في الدعاء ضد الخوارج مع صيامهم، فدل هذا على أنه من البدع، فلذلك لا يُطاع في هذا ولي الأمر وإنما إذا أمكن أحد الرعية أن يُناصحه سرًا وبالطريقة الشرعية فليُناصحه.
وهذا لا يتنافى مع أن يدعو الرعية إلى أن يدعو الله للقضاء على الخوارج وأن يتركوا المعاصي ويُقبلوا على طاعة الله، فإن مثل هذا من الأسباب العظيمة للنصر، لكن هذا شيء وأن يُحدد يومٌ للصيام وللدعاء …إلخ شيء آخر.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.