الحمدُ لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه … أمَّا بعدُ :
فإنَّ المسحَ على الخفين والجوربين من المسائل التي أنكرَها كثيرٌ من المسلمين -قديمًا وحديثًا- ! إمَّا جهلا بما ثبتَ من أحاديثَ وآثار في هذا الباب ، أو تقليدًا وتعنُّتا وتعصُّبًا من الأتْباع !
ولا شكَّ أن السُّنة لم تجتمعْ في عالمٍ من العلماء ؛ وأهلُ العلم معذورونَ فيما خفيَ عليهم منها .
🔹 قال شيخ الإسلام رحمه الله : والنزاعُ في ذلك معروفٌ في مذهب أحمد وغيره ؛ وذلك أنَّ أصلَ المسح على الخفين خَفِيَ على كثيرٍ من السَّلَف والخلف ؛ حتى أنَّ طائفة من الصَّحابة أنكروه ، وطائفة من فقهاء أهل المدينة وأهلِ البيت أنكروه مُطلقًا ؛ وهو رواية عن مالك .
[ الفتاوى (21/185) ]
🔹 وقال رحمه الله : ‹ هذا البابُ مما هابه كثيرٌ من السلف والخلف ؛ حيث كان الغَسل هو الفرض الظاهر المعلوم .
[ الفتاوى (21/186) ]
أمَّا المسحُ على النَّعلين والخـُفَّين = فهو ثابتٌ بالكتاب والسنة المـُتواترة .
🔹 قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين }
🔹 قال البغوي رحمه الله : قوله عز وجل: { وأرجلكم } قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص : وأرجلَكم (بنصب اللام)
وقرأ الآخرون : وأرجلِكم (بالخفض)
🔹 ثم قال : ‹ قال بعضهُم : أراد بقوله : وأرجلِكم = المسحَ على الخفين .
[ تفسير البغوي (2/23-24) ]
🔹 وقال ابن كثير رحمه الله : ‹ هي محمولة على مسحِ القدمين إذا كان عليهما الخفَّان ؛ قاله أبو عبد الله الشافعيُّ رحمه الله .
[ تفسير ابن كثير (3/53) ]
🔹 ومن السُّنة ما جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ أنه : مسحَ على الخفين .
[ صحيح البخاري (202) ومسلم (275) عن بلال ]
🔹 وعن أوس بن أبي أوس رضي الله عنه أنه رأى رسول الله ﷺ « أَتى كظامة قوم (يعني: الميضأة) فتوضَّأ ومسحَ على نعلَيه وقدمَيه .
[ صحيح سنن أبي داود (160) ]
🔹 قال ابن أبي العزِّ رحمه الله : تواترتِ السُّنة عن رسولِ الله ﷺ بالمسح على الخفين . [ شرح الطحاوية (379) ]
🔹 وقال سفيان الثوري لشعيب بن حرب ↓ بعد أن أملى عليه جملة من أصولِ أهل السنة والجماعة : ‹ يا شعيبُ بن حرب ! لا ينفعكَ ما كتبتُ لكَ حتى ترى المسحَ على الخفين دونَ خلعِهما أعدلَ عندكَ من غسلَ قدمَيك .
[ أصول الاعتقاد لللالكائي (1/170) ]
ويكونُ المسحُ على ظاهر الخفِّ فقط ؛ لما جاء عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال : رأيتُ النبيَّ ﷺ يَمسحُ على الخفين على ظاهرِهما .
[ صحيح سنن الترمذي (98) ]
🔹 وقال علي رضي الله عنه بعد أن توضَّأ ومسحَ على ظاهرِ قدمَيه : لولا أني رأيتُ رسولَ الله ﷺ فعلَ كما رأيتموني فعلتُ ؛ لرأيتُ أنَّ باطنَ القدمَين أحقُّ بالمسحِ من ظاهرهما .
[ سنن الدارمي (742) ]
ولم يُشترط – في النصوصِ – لجواز المسحِ على الخفَّين شرطٌ إلا أن يكونا لُبِسا على طهارةٍ ، وأن يكون المسحُ في مدَّةٍ معلومةٍ سيأتي بيانها بعون الله .
🔹 أما لُبسهما على طهارةٍ ؛ فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : كنتُ مع النبيِّ ﷺ في سفرٍ فأهوَيتُ لأنزعَ خُفَّيه فقال : دَعهُما فإني أدخلتُهما طاهرتَين ؛ فمسحَ عليهما . [ متفق عليه (206) (274) ]
🔹 وأما وقتُ المسح ؛ فقد سُئل عليُّ بن أبي طالب عن وقت المسحِ على الخفين فقال رضي الله عنه : جعلَ رسولُ الله ﷺ ثلاثة أيامٍ ولياليَهنَّ للمسافر ، ويومًا وليلة للمقيم . [ صحيح مسلم (276) ]
والوضوء باقٍ إنْ خلعَ النعل أو الخف ؛ لما ثبتَ عن عليٍّ رضي الله عنه أنه : دعا بماء فتوضأ ومسحَ على نعلَيهِ ثم دخلَ المسجدَ فخلعَ نعلَيهِ ثم صلَّى .
[ شرح معاني الآثار (615) ]
🔹 قال شيخ الإسلام رحمه الله : ‹ ولا ينتقضُ وضوءُ الماسح على الخفِّ والعمامةِ بنزعِهما ، ولا يجبُ عليه مسحُ رأسهِ ولا غسلُ قدميه ›
[ الفتاوى الكبرى (5/305) ]
ولا ينتقضُ الوضوء – كذلك – بانتهاء وقتِ جوازِ المسح ؛ لأنه لا دليلَ على نقضِ الوضوء بذلك ، والأصلُ بقاء ما كانَ على ما كان ؛ والمسحُ رخصة تتماشى مع قاعدةِ : رفعِ الحرَجِ والتَّيسير ؛ لا العكس .
🔹 قال ابن حزم رحمه الله : ‹ ليس في شيء من الأخبار أنَّ الطهارة تَنتقضُ عن أعضاء الوضوء ولا عن بعضِها بانقضاء وقتِ المسح ؛ وإنما نهى ﷺ عن أن يَمسحَ أحد أكثرَ من ثلاثٍ للمسافر أو يومٍ وليلةٍ للمقيم .
فمَن قالَ غيرَ هذا = فقد أقحمَ في الخبَر ما ليس فيهِ ، وقوَّلَ رسولَ الله ﷺ ما لم يَقُلْ ! ›
[ المحلى (1/329) ]
🔹 وقال الإمام النووي رحمه الله بعد ذكرهِ لثلاثةِ أقوالٍ في المسألة : ‹ الرابع : لا شيءَ عليه ؛ لا غَسل القدمين ، ولا غيره ، بل طهارتهُ صحيحة يُصلِّي بها ما لم يُحدِثْ كما لو لم يَخلع .
وهذا المذهبُ حكاه ابن المنذر عن الحسن البصريِّ وقتادة وسُليمان بن حرب ؛ واختاره ابن المـُنذر ؛ وهو المـُختارُ الأقوى ›
[ شرح المهذب (1/527) ]
وليس جوازُ المسح مُقتصرًا على النَّعلين والخـُفَّين فحسب !
🔹 فعن المـُغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله ﷺ توضَّأ ومسحَ على الجوربين والنَّعلين .
[ صحيح سنن أبي داود (159) ]
🔹 قال ابن منظور : ‹ الجوربُ : لِفافة الرِّجْل ›
[ لسان العرب (1/263) ]
🔹 وقال البهُوتي : ‹ هو ما يُلبسُ في الرِّجْل على هيئة الخُفِّ مِنْ غير الجلد ›
[ الروض المربع (54) ]
🔹 وعن ثوبان رضي الله عنه قال : بَعثَ رسولُ الله ﷺ سريَّة فأصابهم البَرْد ، فلما قَدِموا على رسولُ الله أمرَهُم أن يمسحوا على العصائب والتَّساخين .
[ صحيح سنن أبي داود (146) ]
🔹 قال الخطابي رحمه الله : ‹ وقال بعضُهم : التَّساخينُ : كلُّ ما يُسخَّن به القدمُ ؛ من خُفٍّ وجَورب ونحو ذلك . [ غريب الحديث (2/61) ]
🔹 وقال الإمام أبو داود رحمه الله : ‹ ومسحَ على الجوربين علي بن أبي طالب ، وابنُ مسعود ، والبراء ابن عازب ، وأنس بن مالك ، وأبو أُمامة ، وسهلُ بن سعد ، وعَمرو بن حريث ؛ ورُويَ ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس ›
[ سنن أبي داود (1/41) ]
🔹 وزاد القاسميُّ في عَدِّهم ؛ فكان المجموعُ ستة عشَرَ صحابيًّا .
[ انظر : المسح على الجوربين (55) ]
💡 فهذا هو مذهبُ علماء الصَّحابة وأفاضلهم ؛ الذي لا يَعدلهُ مذهبٌ قطُّ ؛ فاستمسِكْ به كما في كلِّ أمرٍ من أمورِ دِينك .
🔹 قال ابن القيم رحمه الله : ‹ وكما أنَّ الصَّحابة سادة الأمة وأئمَّتها وقادتها = فهُم ساداتُ المـُفتِــين والعُلماء .
قال مُجاهد : العُلماءُ = أصحابُ مُحمَّد ﷺ ›
[ إعلام الموقعين (1/12) ]
🔹 وقال الإمام الشَّافعي رحمه الله عن الصَّحابة : ‹ وهم فوقنا في كلِّ علمٍ واجتهادٍ وورعٍ وعقلٍ ، وأمرٍ استُدرك به علمٌ واستُنبط به ، وآراؤهم لنا أحمدُ وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفُسنا ›
[ المدخل للبيهقي (37) ]
🔹 وقال العزُّ بن عبد السَّلام رحمه الله : ‹ إذا صحَّ عن عصر الصَّحابة مذهبٌ في حكمٍ من الأحكام = فلا يجوزُ العدولُ عنه إلا بدليل أوضحَ من دليله ›
[ شرح مختصر خليل (1/31) ]
🔹 ورُوي عن الإمام أبي حنيفةَ ؒ أنه مسحَ على جوربَيه في مرضهِ ، ثمَّ قال لعُوَّاده : ‹ فعلتُ ما كنتُ أنهى الناسَ عنه ›
[ شرح كنز الدقائق للزيلعي (1/52) ]
✊🏻 ولا وجه للتَّفريق بين النَّعلِ والخفِّ والجورب من حيثُ جواز المسحِ عليهما ؛ بل هو مخالفٌ للنصِّ والأثر وصحيحِ القياس والنَّظر !
🔹 قال ابن عمر رضي الله عنهما : ‹ المسحُ على الجوربين = كالمسحِ على الخفين ›
[ مصنف عبد الرزاق (782) ]
🔹 وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ‹ الفرقُ بين الجوربين والنَّعلين = إنَّما هو كونُ هذا من صُوفٍ وهذا من جلود ؛ ومعلومٌ أنَّ مثلَ هذا الفرق غيرُ مؤثِّر في الشَّريعة .
… فمن المعلوم أنَّ الحاجة إلى المسحِ على هذا كالحاجةِ إلى المسحِ على هذا سواء ، ومع التَّساوي في الحكمةِ والحاجة = يكونُ التفريقُ بينهما تفريقًا بين المتماثلَين ! وهذا خلافُ العدل والاعتبار الصَّحيح ›
[ الفتاوى (21/214) ]
🔹 وقال المباركفوري رحمه الله بعدما نقلَ عن ابن القيم أنَّ الإمام أحمد قال بجواز المسحِ على الجوربين مع إعلالهِ للحديث الوارد فيه : ‹ وهذا من إنصافهِ وعدلهِ رحمه الله ؛ وإنَّما عُمدتهُ هؤلاء الصَّحابة وصريحُ القياس ؛ فإنَّه لا يَظهرُ بين الجوربين والخفَّين فرقٌ مُؤثِّر ›
[ تحفة الأحوذي (1/284) ]
✊🏻 ولقد أخرجَ كثيرٌ من الفُقهاء رُخصة المسح على الجورب عن الحكمةِ التي شُرعِ من أجلها ؛ من التَّيسير ؛ ورفعِ الحرجِ عن النَّاس ؛ فاشترطوا لجواز المسحِ عليه شُروطًا بعيدةً عن الواقع العمليِّ ، وُمصادمةً لما جاء في قواعد الشَّريعة ومقاصدها ؛ كأنْ يكونَ الجوربُ مُجلَّدا مُنعلًا ثخينًا صفيقًا غير مخرَّق …. !
🔹 قال شيخ الإسلام : ‹ فمَن تدبَّر ألفاظَ الرَّسول ﷺ ، وأعطى القياسَ حقَّه = علمَ أنَّ الرُّخصة منه في هذا الباب واسعة ، وأنَّ ذلك من محاسنِ الشَّريعة ، ومن الحنيفيَّـةِ السَّمحة التي بُعِثَ بها ›
[ الفتاوى (21/186) ]
🔹 وقال مُحمَّد جمال الدِّين القاسمي رحمه الله : ‹ ومثلُ الجورب لا يحتاج إلى أن يُعضدَ معناه اللُّغويُّ والشَّرعيُّ ( المعروف لكلِّ أحدٍ ) بنقلِ العلماء في معناه ؛ لأنَّه من باب توضيح الواضحات ! ›
[ المسح على الجوربين والنعلين (55) ]
💡 فما كان جوربًا عند النَّاس = فيجوزُ المسحُ عليه دون النَّظر إلى شكلهِ أو لونهِ أو مادةِ صُنعهِ …
وقد تقرَّرَ في الأصول أنَّ النصَّ العامَّ أو المـُطلقَ يبقى على عمومهِ وإطلاقهِ ما لم يَرِد ما يُخصِّصُهُ أو يُقيِّده ، ويتأكَّد هذا في النُّصوص التي تحتملُ التَّفصيل ولم يُفصَّل فيها .
🔹 قال القاسمي رحمه الله : ‹ كلُّ المرويِّ في المسح على الجوربين مرفوعًا إلى النَّبيِّ ﷺ ليس فيه قيدٌ ولا شرطٌ ، ولا يُفهم ذلك لا من مَنطوقهِ ، ولا من مَفهومه ، ولا من إشارته .
وجليٌّ أنَّ النُّصوص :
¤ تُحملَ على عُمومها إلى ورود مُخصِّص
¤ وعلى إطلاقها حتَّى يأتي ما يُقيِّدها .
ولم يأتِ هنا مُخصِّصٌ ولا مُقيِّد لا في حديثٍ ولا أثر ›
[ المسح على الجوربين (73) ]
🔹 وقال أبو المـُظفَّر السَّمعاني حاكيًا عن الإمام الشَّافعي رحمه الله أنَّه قال : ‹ تركُ الاستفصال في حكايات الأحوال معَ الاحتمال = يُجرَى مَجرى العُمومِ في المقال ›
[ قواطع الأدلة (1/225) ]
ولقد جاءت الآثار لتؤكِّد عدم اشتراط تلك الشُّروط
🔸 فأمَّا في الجورب الرَّقيق : فقد جاء عن الإمام النَّووي رحمه الله أنه قال : ‹ وحَكى أصحابُنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جوازَ المسحِ على الجورب وإنْ كان رقيقًا ؛ وحكَوه عن أبي يوسف ومُحمَّد وإسحق وداود ›
[ شرح المهذب (1/500) ]
💡 وهذا يَنقضُ دعوى الإجماع المزعوم على عدمِ جوازِ المسحِ على الجوربين الرَّقيقين ! => فاحفظ هذا ؛ ولا تنساه .
🔸 وأمَّا في الجورب الذي يَنفُذُ منه الماء : فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله : ‹ ومن فرَّقَ بكونِ هذا يَنفُذُ الماء منه وهذا لا يَنفُذُ منه = فقد ذكرَ فرقًا طرديًّا عديمَ التَّأثير !
ولو قال قائل : يصلُ الماء إلى الصُّوف أكثر من الجلد ؛ فيكون المسحُ عليه أولى لِلِصُوق الطُّهور به أكثر = كان هذا الوصفُ أولى بالاعتبار من ذلكَ الوصفِ ، وأقربَ إلى الأوصاف المؤثِّرة ! ›
[ الفتاوى الكبرى (1/419) ]
🔸 وأما في الجورب المخرَّق : فقد قال سفيان الثوري رحمه الله : ‹ امسَحْ عليها ما تعلَّقتْ به رجلكَ ؛ وهل كانت خفافُ المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشقَّقة مرقَّعة ؟!
[ مصنف عبد الرزاق (753) ]
🔹 وقال ابن حزم رحمه الله : ‹ وقد عَلم رسول الله ﷺ – إذ أمرَ بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين ومسح على الجوربين – أنَّ من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يُلبس على الرجلين المخرَّقَ خَرقًا فاحشًا أو غيرَ فاحش ، وغيرَ المخرَّق ، والأحمرَ والأسودَ والأبيضَ والجديدَ والبالي … فما خصَّ بعضَ ذلك دون بعضٍ ، ولو كان حكم ذلك في الدِّين يختلف = لما أغفله الله تعالى أن يُوحي به ولا أهمَلهُ رسول الله ﷺ المفترضُ عليه البيانُ ؛ حاشا له من ذلك ›
[ المحلى بالآثار (1/335-336) ]
🔹 وذهب شيخ الإسلام إلى جواز المسح على ما يُلَفُّ على الرِّجْل فقال رحمه الله : ‹ والصَّوابُ أنه يُمسَحُ على اللَّفائف ؛ وهي بالمسح أولى من الخفِّ والجورب ، فإنَّ تلك اللَّفائف إنَّما تُستعمَلُ للحاجة في العادة … ومَن ادَّعى في شيء من ذلك إجماعًا = فليسَ معه إلا عدمُ العلم ، ولا يُمكنهُ أن يَنقلَ المنعَ عن عشرةٍ من العلماء المشهورين فضلا عن الإجماع !
[ الفتاوى (21/185) ]
🔹 وقال رحمه الله ردًّا على مَن زعمَ إجماعًا في مثل تلك الشروط التي لا دليلَ عليها : ‹ إنَّ دعوى الإجماع من علمِ الخاصة الذي لا يُمكنُ الجزمُ فيه بأقوال العلماء ؛ إنَّما معناها عدمُ العلم بالمنازع ؛ ليس معناها الجزم بنفي المنازع ! فإنَّ ذلك قولٌ بلا علم ، ولهذا ردَّ الأئمةُ – كالشافعيُّ وأحمد وغيرهما – على مَن ادَّعاها بهذا المعنى ، وبسَطَ الشافعيُّ في ذلك القولَ ، وأحمدُ كان يقول هذا كثيرًا ويقول : مَن ادَّعى الإجماعَ فقد كذب ؛ وما يُدريهِ أنَّ الناسَ لم يختلفوا ؟!
ولكن يقول : لا أعلَمُ مُخالفًا .
وأبو ثور قال : إنَّ الذي يُذكَرُ من الإجماع = معناه أنَّا لا نعلمُ منازعًا .
✊🏻✊🏻 ثمَّ ما يُعرَفُ من ادَّعى الإجماع في هذه الأمور إلَّا وقد وجد في بعضِ ما نذكره من الإجماعات نزاعًا لم يطَّلع عليه ›
[ الرد على الأخنائي (207) ]
وفيما سبق من الأحاديث والآثار ما يكفي للعملِ بهذه السُّنة التي جاء بها الشرعُ تخفيفًا على الناس وتيسيرًا لهم .
أقول هذا مُستحضرًا قولَ ابن القيم رحمه الله : ‹ بأنَّ المقلدَ المتعصِّب لا يتركُ مَن قلَّده ؛ ولو جاءته كلُّ آية ! وأنَّ طالبَ الدليل لا يأتمُّ بسواه ؛ ولا يُحكِّم إلا إيَّاه ؛ ولكلٍّ من الناس مَوردٌ لا يتعدَّاه ؛ وسبيلٌ لا يتخطَّاه ؛ ولقد عُذر مَن حملَ ما انتهتْ إليه قُواه ، وسعى إلى حيثُ انتهت إليه خُطاه ›
[ زاد المعاد (5/201) ]
إلا أنَّني أذكِّرهُم بقول رسول الله ﷺ : « لا تشدِّدوا على أنفُسِكم ؛ فإنَّما هلكَ مَن قبلكم بتشديدهِم على أنفُسِهم »
[ الصحيحة (3124) ]
وقولهِ ﷺ : « إنَّ الله تعالى يُحبُّ أن تُؤتى رخصُه كما يُحبُّ أن تُؤتى عزائمُه .
وفي رواية : « كما يكرهُ أن تُؤتى معصيته »
[ صحيح الجامع (1885) (1886) ]
🔹 وبقول الإمام النووي رحمه الله : ‹ وإذا ثبتت السُّنة = لا تُترك لتركِ بعضِ الناس أو أكثرِهم أو كلِّهم لها ›
[ شرح مسلم (8/56) ]
ثمَّ أختمُ بكلامٍ عظيم لابن القيم حيثُ قال رحمه الله : ‹ ولا نرى خلافَ السُّنن والأثار إلا عند أصحاب الرأي والقياس !
فللهِ كمْ من سُنةٍ صحيحةٍ صريحةٍ قد عُطِّلتْ به ؟!
وكمْ من أثرٍ درَسَ حكمهُ بسببه ؟!
فالسُّنن والآثارُ عند الآرائيين والقياسيين = خاوية على عروشها ، مُعطَّلة أحكامُها ، معزولة عن سلطانها وولايتها ؛ لها الاسمُ ، ولغيرها الحكمُ ؛ منها السكة والخطبة ، ولغيرها الأمرُ والنهي ! ›
[ إعلام الموقعين (1/187) ]
والله المـُستعان ، والحمدُ لله ربِّ العالمين .
أخوكم فراس الرفاعي
8 ربيع الآخر 1436 هـ