بدأ يتكلم بعض الشباب الجهلة والمتحمسين ممن ينتسبون للسلفية للشيخ “صالح السحيمي” ظنَنَّا منهم كل حين وآخر يتكلمون في شيخ من شيوخ الدعوى السلفية، فما رأيكم؟ وما الحل؟
يقال: أن ما ذكره السائل واقعٌ، وهو مؤلم للغاية، كيف يتجرأ شباب أهل السنة على هامات وجبال وعلماء من علماء أهل السنة، فشيخنا العلامة صالح السحيمي -حفظه الله تعالى- من نوادر علماء أهل السنة الذين كان لهم قَدَم سبقٍ في نصرة السنة، ومواجهة دعاة الباطل من حركيين وغيرهم، فقد كان مع الشيخ العلامة محمد أمان الجامي، والشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي وآخرين، كان له جهود عظيمة في مواجهة الحركيين من الإخوان المسلمين، والثوريين، والتبليغيين وغيرهم في وقت كان بعض مشايخنا الأفاضل محسنَ الظن بهم، وساكتًا عنهم، بينما كان شيخنا العلامة صالح السحيمي من العلماء المبرزين في القيام بالواجب في أمثال هؤلاء القوم، فمع هذه الجهود الجبارة والسباقة، يوجد من شبابنا من لا يستحي من الله ولا من خلقه، ويتجاسر ويقدح في شيخنا العلامة صالح السحيمي حفظه الله تعالى.
والشيخ العلامة صالح السحيمي قد اتصف بصفاتٍ، قلَّ أن تجتمع في رجلٍ، أحسبه كذلك والله حسيبه، فقد منَّ الله عليه بحسن خُلق حتى أن جليسه لا يسمع منه إلا خيرًا، ولا يمل من مجالسته، ومنَّ الله عليه بكرم وجودٍ، ومنَّ الله عليه بعلم في الاعتقاد، ومنَّ الله عليه بدعوة ونشاط في نشر التوحيد والسنة.
فله دروس مباركة في التوحيد والسنة وفي غيره من علوم الشريعة، ومن جهوده العظيمة دروسه في الحرم المدني، ثم المكي، ثم دروسه ودعوته، و نشاطه في الدولة السعودية، وفي دول الخليج، بل في الدول العربية، وحتى في دول أروبا وغيرها مع كبر سِنِّه إلا أن له نشاطًا لا يستطيعه كثير من الشباب، فما بين حين وآخر تراه في سفر لإلقاء الدروس، والدورات، والمحاضرات، والمواعظ وغير ذلك، وله نشاط كبير في بيان ضلال أهل البدع بشتى أصنافهم، حتى في الرد على الحركيين ودعاة الباطل.
فمثل هذا مما يتحسر المحب للسنة أن يوجد من شبابنا من يتسلط عليه بتحذير أو بغير ذلك ،والواجب أن يُشكَر مثل هؤلاء العلماء، وأنْ يُعْرَفَ قَدْرُهم.
وإني بهذه المناسبة أذكّر بعضًا من إخوان أهل السنة ممن تسلط عليهم بعض أهل السنة بغيًا وجورًا أن يصبروا، وأن لا يلتفتوا إلى هؤلاء بحيث إنهم يكسلون عن الدعوة، بل ليستمروا في طلب العلم والتعلم والتعليم والدعوة، وليتذكروا ما في الصحيحين من حديث معاوية أن النبي ﷺ قال: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ »والخذلان إنما يكون ممن يرجى منه نصرة، وممن لا يُظَنّ منه الخذلان.
لذا؛ اللهَ اللهَ بالصبر، واعلموا أن الله منَّ عليكم بأن صِرْتم تتعلمون وتعلِّمون، وتدعون للتوحيد والسنة ،وفُتِحَ لكم باب خير في ذلك، وكذلك مما فتح الله لكم، هو أن ابتلاكم بمن بغى عليكم، فقابلوا ذلك بعبادة عظيمة، وهي عبادة الصبر، هذا أذكّر به أخواني.
أما علماؤنا كالشيخ العلامة صالح السحيمي، فإنه ممن لا يُلفَت إلى أمثال هذه الأمور، بل له جهود مشكورة في جمع قلوب أهل السنة، والتأليف بينها، وقد هدى الله به جمعًا من الشباب المتحمسين، حتى ردَّهم إلى جادة السنة، وصاروا أهل اعتدال.
وإنه مما أشير إليه، أن بعض من بغى عليه من شباب أهل السنة يعتمد على أمور هي صحيحة شرعًا، لكن تطبيقه لها لا يصح.
من ذلك؛ أنه إذا سمع شيخًا أو ذا فضل، يجرَّح رجلًا آخر سارع بقبول كلامه بدون نظر إلى الدليل والبرهان مع أن المجروح رجل عُرِف بالسنة والسلفية، ومع ذلك سارع بقبول خبر الجارح، وبحجة أن هذا من قبول خبر الثقة، وقبول خبر الثقة واجب، لقوله تعالى: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات:6].
فيقال: إن هذا التأصيل وهو قبول خبر الثقة صحيح؛ لأن مفهوم المخالفة من الآية هو أن خبر الثقة يقبل ولا يُرَدُّ، كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي وابن رجب، وابن كثير، وغيرهم من أهل العلم.
لكن هناك فرق بين قبول خبر الثقة، وقبول حكم الثقة، فلو قال ثقة: إنَّ فلانًا فَعَل كذا وكذا، فالأصل أن خبره مقبول، لأنه ينقل خبرًا، لكن لو حكم، وقال: وبناء على هذا الفعل فهو ضال أو فاسق، فهذا شيء آخر غير قبول خبر الثقة، وهو حكم الثقة.
فرق بين قبول خبر الثقة، وحكم الثقة، فحكم الثقة لا يقبل على الإطلاق، بل فيه تفصيل عند أهل العلم، أما خبره فالأصل قبوله، فيجب أن نفرِّق بين قبول خبر الثقة، وقبول حكم الثقة، والقول بقبول حكم الثقة بناءً على قبول خبر الثقة حقيقته دعوة إلى التقليد.
بعض إخواننا يرُدُّ قول الإمام مالك، أو الشافعي، أو أحمد بحجة أن قولهم ليس دليلًا فيقول: إن أقوال الرجال يحتج لها لا بها، ثم إذا جاء في أمثال هذه المسائل قَبِلَ أقوال الرجال ممن هم دون الأئمة، بدون نظر إلى الدليل بحجة قبول خبر الثقة.
وأيضًا مما أخطأ فيه بعض إخواننا أنه عَمِل بقاعدةٍ حكاها السلف وقرَّروها، كابن بطة في “الإبانة الكبرى”، وهو (من لا يبدِّع مبتدِعًا، فهو مبتدِعٌ مثله).
يقال: هذا حق، وقد استعمل هذا الإمام أحمد وغيره، لكن لا ينبغي أن يُطَّرَدَ هذا مطلقًا في كل من يظنه أفراد أهل السنة أنه مبتدع، فيقال: مَن لا يوافق هؤلاء الأفراد فإنه مبتدع، مثل ذاك الذي يبدع، لأنه أولًا قد لا يوافق في تبديع من بدَّعه فضلًا عن أن يبدِّع من لا يبدِّعه، فأيضًا لا يصح أن تطرد هذه القواعد، ولأبد أن تضبط بضوابط، وقد سبق ذكرت هذا في جوابٍ سابق.
فالإمام الذهلي بدَّع الإمام البخاري، والإمام المسلم لم يوافق الذهليَّ في تبديع البخاري، ولا ترى أهل السنة بدَّعوا الإمام مسلمًا، ولا تراهم تواردوا في تبديعه، بل لم يتوارد أهل السنة بعد ذلك على تبديع الإمام البخاري في ذلك فضلًا عن تبديع من لم يبدّعه؛ بل المشهور المستقر عند أهل السنة أن الإمام البخاري إمام سنة، وأن الإمام مسلمًا إمام سنة، وأن الإمام الذهلي إمام سنة، ولم يوافقوا الذهليَّ على تبديع الإمام البخاري.
هذا الذي استقر عليه أهل السنة، ومن اطرد هذه القواعد يلزم عليه أن يقول: إنه من لم يبدِّع البخاري اليوم فهو مبتدِع، والأمثلة على هذا كثيرة.
وقد طلب السائل الحل، فيقال: إن الحلول كثيرة، وأوَّل حلٍّ تقوى الله، لأنَّ مَن اتقى الله، وصدق مع الله، والتجأ إلى الله، فالمرجو أن من كان كذلك أن يوفقه الله، فإن تقوى الله سببٌ لكل خير.
وكذلك من الحلول إحسان الظن، يجب أن نحسن الظن بعضنا ببعض، هذا في عامة أهل السنة، فكيف في علمائنا، ومن لهم قدم صدق في نصر السنة، وقمع البدعة كالشيخ العلامة صالح السحيمي، نحن مأمورون أن نحسن الظن بعموم المسلمين، فكيف بعلمائنا؟! قال الله سبحانه: ﴿ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ [النور:12].
لأبد أن نحسن الظن بإخواننا فضلًا عن مشايخنا.
وكذلك التثبّت، وألا يُقْبَل كل ما يُنقَل وكُلّ ما يقال، أولًا نتثبت أن الشيخ الفلاني تكلَّم بهذا القول، ثم بعد ذلك نتثبَّت في صحة حكمه، فكلُّ أحدٍ يؤخذ من قوله ويُرَدّ، كما قال الإمام مالك إلا النبي ﷺ ، وكلُّ أحَدٍ يُحتَج لقوله، وليس قوله حجة مهما كان هذا الرجل ومهما بَلَغَ من العلم.
فكيف تتعصبون وأنتم تحاربون التعصب، ومن أميز ما يتميز به السلفيون أنهم دعاه اتباعٍ للدليل وتعظيم للدليل، فكيف اليوم يدخل بينهم التعصب باسم اتّباع الدليل؟!
وأيضًا من الحلول: النظر إلى المآلات، فإن النظر إلى المآلات وما تؤدي إليه نافع للغاية في بيان صحة الطريقة أوخطئها، كما قال تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [الأعراف:58].
فالثمرات، والمآلات تبيّن صحة أمر يُشَك فيه، لذا بالنظر إلى مآلات أمثال هذه الأقوال والأفعال، فقد فرَّقت جموع أهل السنة، وأضعفت جهودهم، وقوّت أهل الباطل؟ حتى إن أهل الباطل صاروا يشمتون بأهل السنة، وقد كُفِي جهود كثير من أهل السنة لأنه انشغل بأمثال هذه الأمور.
وأيضًا من الحلول: أن يكون كلُّ واحدٍ مِنَّا صريحًا مع نفسه، وأن يراجع نفسه في كلامه في غيره من أهل السنة، من دعاة السنة، من دعاة السلفية، هل الذي دفعه إلى ذلك الله والدار الآخرة؟ أم الحسد؟ أم حب العلو في الأرض والرئاسة؟
إن من الناس من يدفعه الحسد، أو حب الرئاسة، ويُظهِر ذلك في لباس السنة، والغيرة عليها، وهو وإن خدع الناس، لكن الله يعلم حقيقة الأحوال، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وليعلم أن من سلك هذا المسلك، فإن الله فاضحه، وإن أمهله لكنه لا يهمله سبحانه، والفضيحة الكبرى تكون عند لقاء ربه.
فيجب علينا أن نتوب جميعًا وأن نرجع إلى الله كما قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[النور:31]
وأن نشفق على أنفسنا، كيف نضيع جهودنا في أمثال هذه الأمور؟ وأن ننظر إلى الناس نظر الرحمة، كيف تفوتنا على الناس خيرًا عظيمًا كان بالإمكان أن نسرع إليهم بسبب اشتغال بعضنا ببعض، ثم نراجع أنفسنا في تقصيرنا في واجب واجبنا اتجاه نصرة عقيدتنا، والدعوة التي عليها النبي ﷺوصحابته، وهي الدعوة السلفية.
أسأل الله أن يجمع القلوب على الهدى، وأن يؤلف بين أهل السنة، وأن يقويهم، إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرًا.