الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ العَلِيمِ الْخَلَّاق، أَمَرَ بِالأُلْفَةِ وَالوِفَاق، وَحَذَّرَ مِن الاخْتِلَافِ وَالشِّقَاق، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْخَالِقُ الرَّزَّاق، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُتَأَسِّي بِأَعْظَمِ الأَخْلاق!.
صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى يَوْمِ الْمَسَاق!. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فـ(من يتقي الله يجعل له مخرجا) (ومن يتقي الله يجعل له من أمره يسرا)
عباد الله :إن فيما نعيشه هذه الأيام، من أحداث متعاقبة، وهجمات من الأعداء شرسة، لعبرةً للمعتبرين، ويقضة للغافلين، وتثبيتاً للموقنين، عسى أن يكون في ذلك فضحاً للأعداء، ومعرفةً للأصدقاء. قوله تعالى:
{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.
جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي
عباد الله : لقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية في كفر وشقاء، وذل وفقر وانحطاط، وتفرق وشتات . ثم بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى توحيد الخالق العليم، وأرشدهم إلى صراطه المستقيم، فدخلوا في دين الله أفواجا، فتوحدت كلمتهم،وقويت شوكتهم، وعز سلطانهم، وفتحوا الأقطار،وأناروا الطريق في الأمصار.
وبعد انقضاء القرون المفضلة، وتقادم الزمان، قل العلم وكثر الجهل، فظهرت الفرق والأحزاب، وتفرقت الكلمة، وكثرت البدع والخرافات، وانشغل الناس بالدنيا عن الدين.
ولقد كان أكثر الناس في جزيرة العرب، قد انغمسوا في أوحال الوثنية، وانهمكوا في الشرك، فعدلوا عن عبادة الله وحده، إلى عبادة الأولياء والصالحين، يستغيثون بهم في النوازل والكوارث، ويُقْبِلُون عليهم في الحاجات والرغبات، ويعتقدون النفعَ والضُرَّ في الجمادات، ويعبدون أهلَ القبورِ، ويَصْرِفُون لها الدعاء والنذور، فلا دين عندهم يتبع، ولا شريعة تحكَّم، ولا سنة تعظم، ولا صلاة ولا زكاة، فقيض الله الشيخ الكبير، والمصلح الشهير، الداعي إلى توحيد الله العلي الكبير، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقام يدعو إلى المنهل العذب الصافي، إلى كتاب الله وسنة مصطفاه، وفق فهم السلف الصالح، وقيض الله له الإمام محمد بن سعود رحمه الله، فاجتمع العلم والسيف، فأزيلت القبور، والمشاهد والأوثان. وقامت دولة التوحيد في هذه البلاد، واجتمعت كلمة المسلمين فيها على إمام واحد، فأصبحت دولة قوية يُحكَم فيها بكتاب الله، وتُعظَّم فيها سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت الأرض كنوزها، وأنزلت السماء من بركاتها، ففاض المال وعم الخير، وانتشر الأمن بعد الخوف، والعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر. قال عز وجل ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾.
عباد الله: وكما حوربت دعوات الأنبياء والصالحين، وتولى كبر ذلك المعاندون، فلقد تنوعت معاول الهدم لأسس دعوة التوحيد وبلادها الحاضنة لها، ما بين ديني محدث مبتدع محرف؛ تمثله بعض الجماعات والأحزاب المنتسبة للإسلام، وفكري ثقافي؛ تمثله الليبرالية والعلمانية، وعداء ظاهر وباطن لكل ما هو سني؛ تمثله الرافضة، وأطماع دنيوية وعقدية تمثله القوى الغربية . والكل قد اشترك في التلحف بلحاف الديمقراطية الغربية.
أيها المسلمون : إن جاء الهجوم على هذه الدعوة ورموزها من أعدائها،فهو أمر متوقع، لكن الغرابة كل الغرابة، والعجب كل العجب، أن يأتي الهجوم على هذه الدعوة من أبنائها، وممن تفيؤوا ضلالها، وتذوقوا بركتها، وترعرعوا في أحضانها ،بدؤوا يتنكرون لها، وللبلاد التي ربوا في أحضانها ، وللجنود البواسل الذين ما فتؤا
في القيام بحماها .
فإذا كان حب الوطن قائمًا في نفوس البشر كلٌّ لوطنه فكيف الأمر في هذا الوطن المبارك ؛ بلدِ التوحيد والعقيدةِ، ومَهدِ السنة والرِّسالة، ومهبط الوحي ومأرِز الإيمان، وأرضِ الحرمين، وقِبلة جميع المسلمين ؟! كيف بوطن رباك منذ نعومة أظفارك، على توحيد الله، وإفراده بالعبادة، فلا تجد بحمد الله في هذه البلاد وثنا من دون الله يعبد، ولا ضريحا يطاف حوله ويمجد، ولا تسمع أحدا فيه يحلف بغير الله، ولا يدعو غير الله، المساجد بالمصلين عامرة، والمآذن بذكر الله صادحة، وكتاب الله محفوظ، وطباعته بأعلى جودة موجود، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بواجبها قائمة، ومكاتب الدعوة بدعوة غير المسلمين عاملة، وأنت في هذه البلاد تغدوا لعملك كل صباح وتروح، ترفرف أجواء الأمن والأمان على أولادك، أليس هذا بلد جدير بأن يحب، وأن يدافع عنه، وأن تقدم الأرواح دفعا لكل صائل، ونكاية بكل خارجي، حماية لجناب التوحيد، وحفاظا على بلد الشريعة. قال الشيخ عبدالعزيز بن باز: وهذه الدولة السعودية دولة مباركة نصر الله بها الحق، ونصر بها الدين، وجمع بها الكلمة، وقضى بها على أسباب الفساد وأمن الله بها البلاد، وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله، وليست معصومة، وليست كاملة، كل فيه نقص فالواجب التعاون معها على إكمال النقص، وعلى إزالته، وعلى سد الخلل بالتناصح والتواصي بالحق والمكاتبة الصالحة، والزيارة الصالحة، لا بنشر الشر والكذب، ولا بنقل ما يقال من الباطل. وقال الشيخ حماد الأنصاري : من أواخر الدولة العباسية إلى زمن قريب والدول الإسلامية على العقيدة الأشعرية أو عقيدة المعتزلة، ولهذا نعتقد أن هذه الدولة السعودية نشرت العقيدة السلفية عقيدة السلف الصالح بعد مدة من الانقطاع والبعد عنها إلا عند ثلة من الناس.
عباد الله: ابتلينا اليوم بأناس من بني جلدتنا، يرون محاسن بلادنا مساوئ، ومساوئ غيرنا فضائل، سلموا أنفسهم لجنود إبليس، تراهم يدافعون عن بلاد تبني الكنائس، وتكيد لنا الدسائس، وتستقبل على أراضيها اليهود، وتؤوي كل محدث وحقود، وتنصر الخوارج، وتحمي المبتدعة، وأقوام أغرتهم بلاد العهر والمجنون، وشواطئ العراة، وناشري الشرك، وإخوان الرافضة، فأصبحوا يظهرونها النموذج الأكمل لما يجب أن نكون
عليه.
فإن من عادة أهل الأهواء والبدع استغلالَ الحوادث
لتشكيك الرعية في ولاة أمورهم بالتصريح تارة وبالتلميح تارات .
لقد أثبت الواقع بأن البوابة السوداء للأجندات المغرضة التي تطعن في خاصرة دول الخليج وعلى رأسها بلاد التوحيد هم الإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم ، فالإخوان لا عهد لهم ، وهم خونة الأوطان ، وهم بوابة لتمرير أجندات المعادين ، وأداة تسخدمها بعض الدول والتنظيمات لتحقيق بعض المطالب السياسية والطائفية والإرهابية .
وتصريحات الأمير الراحل تختصر بيان ذلك بأوضح عبارة ومما قال فيه: «جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء. كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار»، مضيفا «عندما اضطهد (الإخوان) وعلقت لهم المشانق لجأوا إلى السعودية فتحملتهم، وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين»، ويكمل الأمير نايف تعليقا على الغزو العراقي للكويت: لما جاءه رؤوس الإخوان من اليمن وتونس، قال الأمير فسألناهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا: نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء»، وما إن انصرفوا حتى جاء بيان الحزب بتأييد الغزو .ولا تستغربوا ذلك فها هو أحد رجالاتهم المشهورين وهوعلي عشماوي يعتبر ذلك سلوكا «إخوانيا»، فهو يقول: «فهم – أي (الإخوان) – يجيدون إيذاء كل من وقف معهم
فترة من الزمن، إذا حدث واختلف معهم مرة.
وقد وجدنا أن هناك من يغذي هذه الأجندات من الداخل ، مستغلا هذه الحادثة ، بتهييج الناس ضد السعودية ، وتحميلها الإهمال والقصور والفشل ، وإعطاء رسائل لتهييج الناس وتحريضهم .
من خلال التنظيم السري الهرمي! بل الخنوع التعبدي ، ومن عادة (عبيد التنظيمات) لا يدرون من (أسيادهم) فأولئك يملون ويأمرون، وهؤلاء يأتمرون وينفذون!
اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِساً عَلَيْنَا فَنَضِل.
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْحَلِيمِ الْعَظِيم، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمّا بَعْدُ: إن هذا الحادث الذي تكالب على استغلاله أصحاب الأجندات الطائفية والأحزاب المعادية وغيرهم من الطامعين الحاقدين للطعن في السعودية والخليج يؤكد لنا جميعا أننا مستهدفون ، وأن هذا الاستهداف وراءه جهات عدة تتقاطع مصالحها في الإضرار بدول الخليج ، وتتنوع صور هذا الاستهداف ووسائله ، سواء كان عبر الخطاب الديني الطائفي والمتطرف ، أو عبر الخطاب الإعلامي المغرض ، أو عبر الخطاب السياسي الطامع ، أو عبر غير ذلك من طرق الاستهداف ووسائله .
ومن هنا فإنه ينبغي علينا أن نتحلى بالوعي واليقظة والحس الوطني العميق ، متمسكين بثوابتنا ومبادئنا وثقافتنا الوسطية المعتدلة ، محافظين على وحدتنا وتلاحمنا واستقرارنا ، مجتمعين مع قياداتنا كالجسد الواحد ، مصطفين معهم يدا بيد لتحقيق مصالحنا العليا ، وجلب الخير لنا ، ودرء الأخطار عنا ، مستحضرين قول الله تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ, فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواتَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ, وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ, الْأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَعُثْمَانَ, وَعَلِيٍّ, وَعَنْ سَائِرِ الآلِ, وَالصَّحَابَةِ, وَالتَّابِعِينَ
لَهُمْ بِإحْسَانٍ إلَى يَوْمِالدِّينِ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا, مُطْمَئِنًا, رَخَاءً, سخَاءً, وسَائِرَ بلَادِ المُسْلِمِينَ ، اللهم من أراد بلادنا وحكامنا وعلماءنا ورجال أمننا وشبابنا بسوء فأفسد عليه أمره ، ورد كيده في نحره ، واجعل تدميره في تدبيره . اللهم وفق رجال أمننا عسكر الإسلام ومرابطي الثغور لما تحب وترضى ، وتقبل من مات منهم شهيدا بطوبى ، واخلف له في أهله خير عقب لخير سلف وأهدى
اللهم أيد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم كُن للمظلومين والمُضطَهدين والمنكوبين، اللهم أنجِ المُستضعَفين، اللهم انصُر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكانٍ، اللهم عليك بالخوارج والتنظيمات الإرهابية التي تسعى بالفساد في بلادنا وبلاد المسلمين اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً اللهم إنهم قطعوا الأرحام وسفكوا الدم الحرام ونقضوا العقود وخانوا العهود وارتكبوا في المسلمين ما يشيب له الأولاد وتتفطر له الأكباد. اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.
اللهمّ أنت الله لا إله إلاَّ أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء،اللهمّ أنت الله لا إله إلاّ أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهم أغثنا، اللهمّ أغثنا غيثًا مُغيثًا مريئًا مجلّلاً، عاجلاً غير آجل، نافعًا غير ضار. اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ ولا بلاء ولا هدم
ولا غرق. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا
هدم ولا غرق.
اللهمَّ اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدَك الميت.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِينَ) .