الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الْقَائِلِ: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، نَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَعَدَ بِنَصْرِهِ مَنْ نَصَرَهُ ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ : ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ – وَاعْلَمُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ- بِأَنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَعَدَ بِنَصْرِهِ لِمَنْ يَنْصُرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )
وقد سبق في الخطبة الماضية أسباب تأخر النصر عنا ، وما
يجري من أحداث ببلاد مسرى سيد الثقلين ,,,,
أخبر النبي بكثرة الاختلاف في الأمة، وأوصانا بالتمسك بالسنة، فعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال” أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة” وقال رَسُولِ اللَّهِ “إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِى أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِىءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِى، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِىءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخِرِ”
ونحن في هذهِ الحياةِ في الابتلاءِ وامتحانِ، وَمِن الابتلاءِ والامتحانِ الفِتَنُ بِشتَّى أنواعِها واختلافِ أصنافِهَا، ومِن الفِتَنِ ما يجري لبعضِ المسلمينَ مِن اعتداءِ الكافرينَ، كحالِ اليهودِ مع إخوانِنَا في غَزَّةَ -لَطَفَ اللهُ بِهِمْ وأقَرَّ أعيُنَنَا بِهلاكِ اليهودِ وخسارَتِهِم وهزيمَتِهِم- ، والخوض فيها بحماس مزلة قدم ، لذا فمن أعظَمِ أسبابِ النَّجاةِ مِن هذهِ الفِتَنِ الدعاءُ بالنَّجاةِ مِن الفِتَنِ، روى الإمامُ مسلمٌ عن زيدِ بنِ ثابتٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «تَعَوَّذُوا
بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
ثانيًا: لُزومُ ما عليهِ العلماءُ الرَّبَّانيونَ ومَن سارَ على طريقَتِهِمْ، إنَّ كثيرًا مِن هذِهِ الفِتَنِ قَدْ تكرَّرَتْ وتعدَّدَتْ، وكانَ لِعُلَمائِنَا الكبارِ كالعلَّامةِ عبدِ العزيزِ بنِ بازٍ، والعلَّامةِ محمدِ بنِ صالحٍ العثيمينَ، والعلَّامةِ محمدِ ناصرِ الدِّينِ الألبانيِّ -رحمهم اللهُ تعالى- والعلَّامةِ صالحٍ الفوزانِ -حفظَهُ اللهُ- أجوبةٌ وفتاوَى راسِخَةٌ، وعلى الدَّليلِ الشَّرعيِّ ثابِتَةٌ، وللعواطِفِ والحماسَةِ ضابِطَةٌ، فَمَن تَبِعها كانَ في الفِتَنِ مِن النَّاجينَ؛ لأنَّ اللهَ أمَرَ بالرُّجوعِ إليهِمْ، لاسيَّما عندَ الأمورِ العِظَامِ، ومن تأمل في حال الناس اليوم يجد العالم والجاهل والكبير والصغير وكل فئات المجتمع يتحدثون في أمور عظيمة تهم عامة الناس إما دينية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها مما يتعلق بأمر العامة، وهم لا يعرفون حقائق الأمور وخفاياها، فالله قد أمرنا برد الأمور إلى أهلها وعدم الخوض في تلك المسائل المشكلة قالَ تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)
ومِن ذلكَ أنَّ أولئك العلماء الراسخون لم يدعوا إلى الثوراتِ، وَلَا إلى الاعتِصاماتِ والمظاهراتِ، وَلَا إلى المُقاطعةِ، وَلَا إلى الافتياتِ على وُلاةِ الأمورِ وَلَا الطَّعنِ فيهِم، وَلَا التَّقدُّمِ بينَ يديهِمْ، بل دعوا الناسَ إلى التوبةِ الصادقةِ والرجوعِ إلى اللهِ بأن يوحدوه ويتركوا البدعَ ويجتهدوا على إقامِ الصلواتِ المفروضاتِ بالمساجد وأداءِ الزكاةِ وتركِ العقوقِ وقطيعةِ الرحمِ وأكلِ المالِ بالحرامِ كالربا والغشِ. ودُونَكُم فَتَاوَاهُمْ محفوظةٌ وفي اليوتيوبِ والمواقِع مجموعةٌ، وقَدْ خالَفها أقوامٌ بعاطِفتِهِم وحماسَتِهِم، فأثِموا وأَثَّمُوا، واستجابَ لَهَا أقوامٌ فنَجَوا وسَلِموا.
اللهُمَّ أعِذْنَا مِن شُرورِ أنفُسِنَا وسيئاتِ أعمالِنا، وأعِذْنَا مِن الفِتَنِ ما ظهرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ، إنهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية :
عباد الله : في زمن الاختلاف ينشط أهل الفتن، كما جاء في الحديث عن الخوارج قال “يخرجون على حين فرقة من الناس” فها نحن نراهم خرجوا من جحورهم في هذه الأحداث الأخيرة ليطعنوا في ولاة الأمر، ويشككوا الناس في علمائهم وقادتهم وعسكرهم، فيثيروا الفرقة بين أفراد الأمة، ويخدموا من حيث شعروا أم لا يشعروا أعداء الملة ، لذا فإن من أعظم أسبابِ النَّجاةِ مِن الفِتَنِ -أعاذَنَا اللهُ مِنها-: لُزومُ ما عليهِ وُلاةُ الأمورِ، كَمَا أمَرَنا بِذلكَ الرسولُ ﷺ، روَى البخاريُّ ومسلمٌ عن حُذيفةَ بنِ اليمانِ -رضي الله عنه- أنهُ قالَ: … فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ».
واحذروا مكرًا مهلكًا من الخوارجِ كالإخوانِ المسلمينَ
وأذنابِهم وهو مطالبةُ الحكوماتِ بما لا تسطيعُهُ حتى
تَرمي باللائمةِ عليها فيوغروا صدورَ العامةِ، ومن المكرِ المشينِ من الإعلامِ الغربيِّ اللعينِ إظهارُ صورٍ تستفزُ الشعوبَ المسلمةَ وتهيجُها على حكمِها لتطالبَهم بما لا يستطيعونَ ولا يفعلونَ مما يؤدي لردةِ فعلٍ ساخطةٍ من الشعوبِ بأن تقومَ بثوراتٍ ومظاهراتٍ لا يستفيدُ منها إلا الأعداءُ الكافرون فكونوا حذرينَ وللمكرِ كاشفينَ.
ومِمَّا نحمدُ اللهَ عليهِ أنَّنا تحتَ وِلَايةٍ شرعيَّةٍ قائمةٍ على الكتابِ والسُّنةِ، جَمَعَتْ بينَ الدِّينِ والخِبرةِ والحكمةِ والحزمِ والقوةِ والرَّحمةِ، تسعى بِكُلِّ مُستطاعٍ للوُقوفِ مَعَ قضايا المسلمينَ شرقًا وغربًا، فَكَم أطفَأَ اللهُ بِها مِن نارٍ أوقَدَها اليهودُ وأذنابُهُم في فِلَسطينَ، فإيَّاكُم والتِّشكيكَ في موقِفِ دولَتِكُمْ، إيَّاكُم والاستِماعَ للأبواقِ النَّاعِقَةِ المُستأجَرَةِ مِن الرَّافِضَةِ وأذنابِهِمْ، كالإخوانِ المسلمينَ، أو اليهودِ وأشياعِهِمْ.