أجتمع أهل السنة والجماعة على تحريم الخروج على الحكام الظلمة، والأئمة الفسقة بالثورات أو الانقلابات أو غير ذلك للأحاديث الصحيحة الناهية عن الخروج ، ولما يترتب على ذلك من الفتن ودماء ونكبات ة و أرزاء ، وصار هذا الأصل من أهم أصولهم التي باينوا بها الفرق الضالة ، وأهل الأهواء المارقة ، وحرص علمائهم على تدوينها في مصنفات العقيدة ، يقول الطحاوي : ( ولا نري الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا ، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يد من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله – عز وجل – فريضة ما لم يأمر بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ).ولقد ذكر هذا الاجماع جلة من العلماء ، منهم النووي ، رحمه الله _ حيث قال ( وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ) ، وقد يعترض على هذا الإجماع بقيام الحسن وابن الزبير وأهل الدينة على ابن أمية ، والجواب، أن أهل السنة استقر إجماعهم على تحريم الخروج بعد هذه الفتن ، الأمر الذي دفع بعض العلماء إلى القول ( هذا الخلاف كان أولا ثم حصل الإجماع على منع خروجهم)، ومن أدلة أهل السنة على الاجماع حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه- قال (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننزاع الأمر أهله، ألا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان) أخرجه مسلم ، والكفر البواح هو الظاهر المكشوف ، الواضح الجلي، الذي لا اختلاف فيه بين العلماء ولا شك ، وليس الحكم بغير ما أنزل الله من غير جحود من الكفر البواح بإجماع أهل السنة والسلف الصالح ، والله الهادي إلى سواء السبيل. قشر ولبابلقد ابتليت الصحوة الإسلامية ببعض الكتب أو المفكرين الذين ينكرون على بعض أهل العلم إصدارهم فتاوى في أحكام التصوير ، ولبس الحرير للرجال ، وحلق اللحى، والغناء والموسيقى، والاختلاط والدخان وغير وغبر ذلك مما هو في تصورهم المأفون من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، مما يبرهن على رعونة في الدين وضعف في فهم الشريعة، واستخفاف بأحكامها الظاهرة،فليس في الشريعة شكليات، فكل حكم من أحكام الشريعة الغراء شرعه الله تعالى لحكمة بليغة ، وليسهم في إسعاد الفرد، و‘صلاح المجتمع ، فكيف يقال : إن أحكام الله تعالى أمور شكلية، أو هي قشور ليست مهمة، وليس من الأدب أن يقال لرئيس أو وزير، إذا أمر بأمر : هذا شكلي ، أو فرعي ، لن نقوم به؛ ولله المثل الأعلى ، وهو الحكيم الخبير، ثم إن تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب ، أو أمور مهمة أو أمور شكلية، الذي صار شعارا لمن يسمون بالتجديديين أو المتنورين بدعة ضلالة لم يكن موجود في القرون الأولى المفضلة، بل هو تسفيه للصحابة والتابعين فإنهم كانوا لا يقسمون ، ولا يفرقون، بل كانوا بأحكام الشريعة كلها يعملون ، وماذا يقول هؤلاء في أمر عمر لشاب دخل عليه في سكرات الموت أن يرفع ثوبه ؟! كما في الصحيح البخاري، إن عمر لا يعرف هذا التقسيم المفترى ، ومن ثم نراه في هذا الموقف أيضا يبين طريقة اختيار الخليفة من بعده، ويرسم للأمة الخطوط للسياسة الداخلية والخارجية، ثم أن التفريط في الأمر الصغير يؤدي إلى التفريط في الأمر الكبير ، لأن استمرار هذا التفريط ينشئ في الإنسان عادة تنتهي به إلى التهاون فيما يفعل أو يقع على حسّهُ من الأقوال والأعمال، وأخيرا يقول الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ..) : بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك فهذا هو الأصل، والله الهادي إلى سواء السبيل.