ومن براهين إجماع أهل السنة على تحريم الخروج بالثورات والانقلابات على الحكام والمسؤولين الظالمين أنه باستقراء التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه يتبن أنه لا يتحقق للخارجين ما يرمون إليه من إقامة الدولة ، أو تحكيم الشريعة ، أو غير ذلك، بل لا يرون إلا البشر المحض : والفتن المدلهمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه العظيم منهاج السنة : ( وقلّ منم خرج على إمام ذي سلطان إلى كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير ، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق ، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخرسان ، وكابي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخرسان أيضاً ، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء ، وغاية هؤلاء، إما أن يغلبوا ، وإما أن يُغلبوا،ثم يزول ملكهم ، فلا يكون لهم عاقبة ، فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقاً كثيراً ، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور ، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم ، فهُزموا ، وهزم أصحابهم، فلا أقاموا ديناً ، ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة ، فليسوا أفضل من عائشة وطلحة و الزبير وغيرهم ، ومع هذا لم يحمدوا على ما فعلوا من القتال ، وهم أعظم قدراً عند الله وأحسن نية من غيرهم … وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة ، كما كان عبد الله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وعلى بن الحسين ، وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم .. ومن تأمل الأحاديث الصحيحة في هذا الباب ، واعتبر أيضا اعتبار أولى الأبصار، علم أن الذي جاءت به النصوص خير الأمور) ..