تعرف على دعاة “هيا يا أحرار!”
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه, وأما بعد:
انتشرت كلمة (حر) و(أحرار) في الآونة الأخيرة لا سيما بعد قيام المظاهرات في الدول العربية وكانت بدايتها في تونس, وبعض الدعاة الذين يدغدغون مشاعر الشعوب يرددون جملة ( هيا يا أحرار ), ويقصدون بذلك أن يكون لكل الشعب دور في المجتمع بإبداء وإفراض رأيهم على المسئولين وعدم السمع والطاعة لمسئوله في العمل أو أمير دولته, وصدق الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- حين ذكر من مسائل الجاهلية: (اعتبارهم –أي: الجاهليون- أن مخالفة ولي الأمر وعدم الإنقياد له فضيلة, والسمع والطاعة له ذل ومهانة, فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم,وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة, وغلظ في ذلك وأبدى). والآن أصبحنا نسمع (الطلاب الأحرار) و(الموظفون الأحرار) و(النواب الأحرار), أي: يحرضون الطلاب على مخالفة أساتذتهم وغيرهم من المسئولين, ويفعلون الإعتصامات لأتفه الأسباب, أو لمجرد أن يعرف الناس أن الطلاب أو الموظفين عندهم قوة وشجاعة للمطالبة بأمور يريدونها, حتى أن هذه العبارات انتشرت في الصحف والمقالات والتلفاز, وأصبح البعض يرددها ولا يعرف ما مقصودها.
وحتى نعرف أصل هذه الكلمة ومن أين أتت, سنضطر إلى الرجوع إلى عهد الصحابة, والرجوع على الخصوص لأول خلاف ظهر وأول فرقة ظهرت في الأمة, وهي فرقة الخوارج! خرجوا على إمام المسلمين لأن السمع والطاعة ذل والخروج ومنابذة الحاكم باللسان والسلاح حرية وشجاعة, ولكنهم سموا فعلتهم بغير اسمها وألبسوها لباسا شرعيا, فخرجوا بقولهم: (إن الحكم إلا لله). وكذلك المعتزلة اعتزلوا أهل السنة بحجة الحرية وتقديم العقل على النقل, ولكنهم استخدموا عبارة أخرى لئلا تنكشف حيلتهم, فقالوا (لا نقدس المشايخ, وإنما نقدس عقولنا), و(هم رجال ونحن رجال), فظاهر كلامهم حق ولكنهم يقصدون بها عدم إلزامهم للرجوع إلى فهم السلف والعمل به. وفي هذا الزمن لو رجعنا إلى بعض التيارات مثل الليبرالية, لوجدت أنهم أيضا يدعون إلى حرية التعبير والإختيار وعدم إلزامهم بحكم أو قول معين, وحزب التحرير أيضا قائم على إحترام العقل المخالف للشرع, فبعض النسوة من حزب التحرير فسخن النقاب أمام الملأ من أجل أن يشجعون زميلاتهن في فسخ نقابهن باسم الحرية, وتم ذلك في ميدان التحرير الذي خرج الناس فيه للمظاهرات قبل برهة من الزمن, ورفعوا فيه المصاحف مع الصلبان!
فالحر تقال لإيهام الناس أن من يسكت ولا يطالب بأمور هو بحاجة إليها فهو ذليل, ومن يصرخ –وإن كان ليس محتاجا- فهو قوي! فنحن مسلمون, وبالأخص سلفيون, فلماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ونسمي أنفسنا تسمية فيها مشابهة للكفار؟ ولكن هنا سؤال مهم, وهو: من أبرز من أثار ونشر هذه العبارة في وقتنا المعاصر من الدعاة؟ فهلا سألنا أنفسنا أو فكرنا في هذه النقطة المهمة؟ قلت: أبرز الدعاة إلى التحرر –زعموا- هما سيد قطب ومحمد قطب! أما سيد قطب, فقد شهد عليه الإخوان المسلمون أنفسهم, مثل القرضاوي وأبي الحسن الندوي. أما القرضاوي ذكر في كتابه (أولويات الحركة الإسلامية) صفحة 110: (في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب, التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره, والتي تنضح بتكفير المجتمع). شهد شاهد من أهلها!
وأما محمد قطب, فله عبارة صريحة واضحة لا تحتمل معنيين, وهو ما كتبه في كتابه (شبهات حول الإسلام) صفحة 21: (إن الإسلام في كلمة واحدة هو “التحرر”. التحرر من كل سلطان على وجه الأرض, يقيد انطلاق البشرية أو يقعد بها عن التقدم الدائم في سبيل الخير). فمن أين جاء بهذا التعريف؟ أليس خير من فسر الإسلام هو النبي صلى الله عليه وسلم؟ وذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان). فما الداعي إلى تعريف الإسلام في كلمة واحدة؟ ولو قلنا عرف الإسلام في كلمة واحدة لكان الأقرب أن يقال “الإستسلام” أو “الإنقياد”, فمن أين جاء التحرر من السلاطين؟ وهل كل الأنبياء دعوا إلى الإسلام, فلم يخبرنا الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأمرون الناس بالتحرر من السلاطين؟ وأول شيء دعى إليه نبينا صلى الله عليه وسلم هو التوحيد ونبذ الشرك, ولم يذكر لنا شيء في السيرة عن التحرر من السلاطين! إنها عقدتهم مع السلاطين! ومن المعلوم أن لا يوجد سلطان إلا ويقيد إنطلاق البشرية وإلا فما فائدة حكمه للبلاد إذ العباد لن يسمعوا له ولن يطيعوه؟ ثم قوله: (يقعد بها عن التقدم الدائم في سبيل الخير). ألم يذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث هذا ماذا نفعل؟ فقال (اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)رواه مسلم. وقال: (من رأي من أميره شيئا يكرهه فليصبر) متفق عليه. هل هذا الشيء الذي نكرهه من أمرائنا حكم بما أنزل الله أم غير ما أنزل الله؟ طبعا إنه حكم بغير ما أنزل الله, ومع هذا لم يأمرنا بالتحرر من السلطان, وإقامة المظاهرات والخروج عليه كما صرح بذلك محمد قطب في تفسيره للإسلام. ولو جئنا برجل كافر يريد أن يسلم, أقول: لم ولن يخطر على باله إن الإسلام هو التحرر من السلاطين! فمن أين يأتي محمد قطب بهذه الأمور الغريبة التي تجعل الحليم حيرانا؟! وأخوه سيد قطب له كلام قريب من كلامه, حيث يدعي أن ( لا إله إلا الله ثورة على السلطان الأرضي الذي يغتصب أولى الألوهية) في ظلال القرآن ص1005.
ومن أبرز دعاة (هيا يا أحرار) يوسف القرضاوي وطارق السويدان اللذان قالا: (الحرية مقدمة عندنا على تطبيق الشريعة)! فهم يثيرون الناس على حكامهم من أجل “التحرر من السلطان” لأنهم مقيدون! وأيضا من دعاة (هيا يا أحرار) الدكتور سفر الحوالي –شافاه الله وعافاه- الذي قال في كتابه (أًصول الفرق والأديان) صفحة 29: (ويتميز الخوارج عن سائر الفرق المخالفة للجماعة بالثورة والإندفاع والتهور). وإليك ما قاله عن الربيع العربي في المؤتمر الذي شارك فيه تحت شعار (ولدنا أحرارا): (ثورات الربيع العربي، بشرت بعهد جديد), وقال عن هذه الثورات أنها فيها (الخير والبركة), وقال عن الدول العربية التي لم يزرها الربيع العربي بعد أن (تأخذ العبرة مما جرى، وأن تتصالح مع شعوبها والقيام بإصلاحات شاملة وفتح المجال لقيام أحزاب سياسية ونقابات مهنية وغقامة انتخابات حرة ونزيهة). فكيف يقول أن الخوارج تتميز عن سائر الفرق المخالفة للجماعة بالثورة ثم يمدحها ؟ هل معنى كلامه أنه منهم؟ اترك الجواب له. وإليك مصدر كلامه لمن أراد أن يتأكد, وهو مذكور في موقع زمليه ناصر العمر:
http://almoslim.net/node/157442
وهذا الدكتور حاكم العبيسان المطيري وهو أستاذ مساعد في كلية الشريعة بجامعة الكويت عنده كتاب بعنوان (الحرية وأزمة هوية في الخليج والجزيرة العربية), واختصر هذا الكتاب وجعله بعنوان (عبيد بلا أغلال). ولا أحتاج أن أتكلم عما فيه, فكما يقال ” الكتاب مبين من عنوانه ” !
ومن أبرز دعاة “هيا يا أحرار” الدكتور نبيل العوضي! الدكتور نبيل يستضيف سنويا بعض الدعاة في مهرجان هلا فبراير, ومع الأسف كل سنة يأتي بدعاة أسوأ من قبل! فقد استضاف هذه السنة الداعية مصطفي حسني, وهو مشهور ببرنامجه (خدعوك فقالوا دي بدعة)! فجعل في برامجه السنة بدعة والبدعة سنة, والدكتور نبيل يستضيفه ويكرمه ويصدره ليتكلم بين الناس. وكذلك يستضيف سنويا الداعية عمرو خالد الذي قال (إبليس ما كفرش), وله كلام قبل أيام وهو يقول عن شنودة: (أنا شايف أن مصر بحاجة إلى رجال زيه يكونوا حريصين دائما على توازن قوه بلدنا). وإليك كلامه:
http://www.youtube.com/watch?v=NuDBNtguldg
ومن أراد أن يقرأ المزيد عن علاقة الدكتور نبيل مع جميع الجماعات وحبه لهم فليرجع إلى مقالي بعنوان (نبيل العوضي يدعو إلى الإرجاء وهو لا يشعر):
tl.gd/enu1fn
والشاهد أن الدكتور نبيل العوضي قال بالحرف الواحد: (نحن نقولها لا نهاب, نحن نتواصل بحمدالله مع التنسيقيات, ومع الهيئة العامة للثورة, ومع قيادة الثورة, ومع الشعب السوري, ومع المجلس الوطني, ومع الجميع, ولا نهاب, واللي يبون يسونه يسونه). ومن أراد أن يتأكد ليستمع من بداية دقيقة 33:
http://www.youtube.com/watch?v=sHtuLYNnQmY
وهذا اللقاء حصل في فبراير 2012 مع الداعية سليمان الجبيلان. وكما صرح الدكتور نبيل أنه يتواصل مع قيادة الثورة وغيرهم, ومعنى هذا الكلام أن هو ومن معه وراء ما يحصل في سوريا من قتل الولدان والنساء وسفك الدماء, ولا أستبعد أن بعض الدعاة وراء ما يحصل من مظاهرات في غيرها من البلدان مثل مصر والبحرين, كما دافع السويدان بشدة عن الشيعة الذين خرجوا في المظاهرات في البحرين! فدل أنهم لهم علاقة بهم, بل هي دعوتهم قائمة على الثورات والتحرر من السلاطين. ثم لماذا الدكتور نبيل لا ينصح قيادة الثورة في سوريا أن يغيروا اسم جيشهم من “جيش الحر” إلى “المجاهدون” أو “جيش التوحيد” أو نحوه. أم الوقت ليس مناسبا لمحاربة سنن اليهود والنصارى الذي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أننا سنتبعها حذو القدة بالقدة؟
وليسمع الدكتور نبيل وغيره كلام العلامة صالح الفوزان الذي قال: (من يفتي بجواز المظاهرات يتحمل ما يحصل من ضرر و قتل)
http://t.co/u3etcwPW
ولا أقصد بذلك الدفاع أن الطاغوت بشار الأسد, ولكن الخروج عليه بدون قدرة مؤدية إلى الهلاك, ومن أفتى لهم بذلك فهو السبب في الوقوع في الهلاك وقتل النساء والصغار, وهذا مما جعل كثير من السوريين يكرهون (طلبة العلم والمشايخ) بسبب ما يعانونه الآن من قتل وفوضى فاضطر بعضهم إلى الهجرة والتشتت عن أهلهم. وقد كتبت مقالا قبل فترة بعنوان (لماذا يدافع الشيعة عن بشار النصيري؟):
http://www.fjr-aleman.com/vb/showthread.php?t=12017
وقد راسلني بعض من يقول أنه من أهل السنة ويقول: عيب عليك تقول هذا الكلام عن بشار! وهذا واقع ومشاهد هنا في الكويت, تجد بعض أهل السنة من السوريين يرفضون ذكر بشار بسوء, وهذا دليل على أن الثوار ثاروا لا لأنه نصيري كافر, والدليل دعاة “هيا يا أحرار” لا يذكرون هذه النقطة, وإنما تركيزهم على الفقر وسوء الحال, والله المستعان.
وفي اللقاء نفسه, قال سليمان الجبيلان ما يلي: (اسمعوا هذه القصة التي رأيتها بعيني. شاب يجيبونه يحطون قدامه صورة بشار, شاب يعني تو ما أقول عمره 30 أو 35, عمره 17 أو 18. يقولوله اسجد على صورة بشار ويضربونه الشبيحة ويلكمونه, يوم جاء يسجد تدرون شسوه؟ في أحد منكم شاف هذا في تويتر؟ بصق على بشار, وآخر أمس سوري يقولي ابن عمه يقول كان يضربونه ويقول: يا ماما, ماما, بابا, ينادي أمه وأبوه, يقول فأحد الإخوة يوم طلعنا من الضرب, يقول: قلت له يا فلان لو تقول يا الله أحسن ما تقول يا بابا يا ماما, قال: يا عم لما أقول يا الله يسبوا الله فخلهم يسبوا أمي وأبوي ولا يسبوا الله ربي) ثم صفق الجمهور, ثم قال الجبيلان مبتسما: (هذولة شعب ما ينتصر؟)!
ومن أراد أن يراجع المقطع فليرجع إلى الرابط السابق في بداية دقيقة 26. قلت: اللهم انصر إخواننا أهل السنة في سوريا واستر عوراتهم وآمن روعاتهم, وثبتهم على الحق, وثبت هذا الأخ الذي ضرب, ويسر أمره واستر عليه وعلى أهله. ولكن كالعادة هؤلاء الدعاة يدغدغون مشاعر الناس وإن كان الأمر شركا, والعياذ بالله. فلا يجهل كل موحد أن دعاء غير الله شرك, وقال الله عن الشرك: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). وهذا الشاب قد يعذره الله إذا لم يوجد طلبة العلم يعلمون الناس التوحيد والعقيدة, بخلاف شخص تعلم التوحيد وتعلم الشرك ولكن لا يعمل به! فما حجة الجبيلان والدكتور نبيل في عدم إنكارهم لهذا الشرك؟ أو على الأقل ينبهون على هذا النقطة بعد الإنتهاء من القصة, أم الوقت ليس وقته؟ إذا لم يكن هذا ضلالا, فلا يوجد أي ضلال! فليتق الله هؤلاء الدعاة الذي شوهوا الإسلام وسكتوا عن الشرك والمنكرات بحجة الدعوة وتحبيب الناس إلى الدين ولئلا ينفر الناس منهم, وهذه نصيحة موجهة لعامة الناس في الإبتعاد عن دعاة الشر, وأن يتقربوا إلى العلماء ودعاة السنة, وألا ينشروا ولا يقرأوا إلا لأهل السنة, وبالله التوفيق.
عبدالله خالد شمس الدين
Twitter@AShamsalden
abdallah_shamsalden@hotmail.com