تقديس الأشخاص بين السلف والخلف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
يعاني الناس قديما وحديثا من مشكلة ذات أثر عظيم في الأمة الإسلامية, وهي تقديس الأشخاص. وهذه المشكلة بقيت في الأمة كالجرح في الجسد الذي لا يزال الأطباء (أهل العلم) يسعون في مداواتها. وهذه الظاهرة موجودة ومشاهدة على مر العصور, وهي سبب في الفرقة ووجود المذاهب والأحزاب المبتدعة, فأهل البدع إما ينتسبون إلى بدعة أحدثوها, مثل: القدرية, والخوارج, والمرجئة. وإما ينتسبون إلى شخص, مثل: الجهمية, والأشاعرة, والكلابية. فهذه الفرق ناتجة عن تقديس الأشخاص وتقديم قول أئمتهم على النصوص الشرعية, وبمعنى آخر تقديس الأشخاص سبب في الفرقة والتحزب, وفي الحقيقة النصوص الشرعية يجب أن تفهم بفهم سلف الأمة لأن الله ذكر أن لا يصح إيماننا إلا بمثل ما آمنوا به, فقال: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) وقال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء). وأهل البدع يحتقرون صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يصرحوا بذلك, فلسان حالهم يقول إيماننا وعقيدتنا أفضل من الصحابة وذلك بمخالفتهم في العقيدة, والله المستعان.
ما معنى التقديس؟
كثير من الناس يكرر كلمة “تقديس” ويقول لغيره “لا تقدس شيخك” وهو لا يعرف معناه. فمعنى التقديس هو رفع شخص فوق قدره وفوق ما يستحق, ونحن مأمورون شرعا ألا نفعل ذلك مع أحد حتى لو كان مع النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ) رواه البخاري. قوله: (لا تطروني), قال الحافظ ابن حجر: (والإطراء المدح بالباطل, تقول أطريت فلانا مدحته فأفرطت في مدحه) .وكيف يكون مدح النبي صلى الله عليه وسلم بالباطل؟ بيَن ذلك عليه الصلاة والسلام فأكمل قائلا: (كما أطرت النصارى ابن مريم), قال الحافظ ابن حجر: (أي في دعواهم فيه الإلهية وغير ذلك). والكاف في (كما) كاف تشبيه, أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب مثلا ليحذر أمته من الغلو في هذا الأمر فمثل بفعل النصارى مع عيسى عليه السلام. فإطراء النصارى لعيسى عليه السلام أو إطراء بعض من ينتسب إلى الإسلام للنبي صلى الله عليه وسلم مؤدي إلى الشرك والكفر, والعياذ بالله. فعندما تجعل ما هو من خصائص الله في الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا تسوية الخالق بالمخلوق, وشرك لا يغفره الله أبدا. والسلفيون دائما يحذرون من هذه الظاهرة, وقد بوب الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- بابا في كتاب التوحيد فيما يدل على محاربته للغلو في الصالحين, فقال: (باب ما جاء في الغلو في الصالحين).
أهل السنة يحاربون التقليد المذموم
حذر أهل العلم منذ القدم من الوقوع في التقليد المذموم, وأمروا بالتقليد الممدوح. فما الفرق بين التقليد المذموم والممدوح؟ ذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري:363/13) أن: (المذموم من التقليد أخذ قول الغير بغير حجة, وهذا ليس منه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله أوجب اتباعه في كل ما يقول, وليس العمل فيما أمر به او نهى عنه داخلا تحت التقليد المذموم اتفاقا, وأما من دونه ممن اتبعه قي قول قاله واعتقد أنه لو لم يقله لم يقل هو به فهو المقلد المذموم). فكثير من أهل البدع يريدون أن يوهموا عامة الناس أن أهل السنة مقلدون بإتباعهم للكتاب والسنة وأنهم لا يدَخلون عقولهم في مسائل الشرع. فالجواب: نعم, الأمور الغيبية لا تستطيع أن تدركها الحواس وإنما تحتاج إلى مصدر معصوم وهما الكتاب والسنة, فلا نرد شيئا مما جاء فيهما. وسنعرف كيف أهل البدع نهوا عن التقليد فوقعوا فيه!
وهذا الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله حذر من التقليد المذموم فقال ذات يوم ناصحا: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء, أقول لكم قال رسول الله, وتقولون قال أبو بكر وعمر؟). وأيضا من تبعهم بإحسان ساروا على هذا الطريق, فهذا الإمام المبجل أحمد بن حنبل -رحمه الله- قال: (عجبت لمن عرف الإسناد وصحته ويذهب لرأي سفيان). هذه بعض الآثار السلفية في التحذير والزجر عن تقديم قول الأشخاص على نصوص الوحيين, وأهل السنة والجماعة دائما يحذرون من هذا الفعل وينهون عن التعصب والتحزب بخلاف من يظن أنهم يحذرون من التحزب من جهة (الأحزاب والجماعات), ويقعون في التحزب من جهة أخرى (الأشخاص). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل): (وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصا يدعو إلى طريقته, ويوالي ويعادي غير النبي صلى الله عليه وسلم وما اجتمعت عليه الأمة, بل هذا فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون بين الأمة, يوالون على ذلك الكلام, أو تلك النسبة ويعادون). وقال الإمام حرب الكرماني: (والولاية بدعة والبراءة بدعة, وهم الذين يقولون: نتولى فلان ونتبرأ من فلان, وهذا القول بدعة فاحذروه) كتاب: إجماع السلف في الإعتقاد.
فالذي يتهم السلفيين بالتحزب للأشخاص فلا للسلفيين نصر ولا للحزبية البغيضة كسر! وإنما تجده يحارب السلفيين ويتربص بهم ويصفهم بأوصاف شنيعة ويقول عنهم “جامية” لينفر الناس منهم, وفي المقابل يتعاون مع أهل البدع من مختلف مذاهبهم, ومنهم غلاة الصوفية الذين يقدسون مشايخهم وربما يركعون ويسجدون لهم فيستحي أن يحذرهم من هذا الشرك, أو يحذر الناس منهم!
المذاهب والأحزاب المبتدعة ناتجة عن تقديس الأشخاص
كثير من الناس يخطئ عندما لا يربط إنشاء الأحزاب والمذاهب بتقديس الأشخاص. فلو سألت نفسك كيف نشأ هذا الحزب أو المذهب؟ لوجدت أن وراءه شخص قال بقول ومن ثم هذا القول تبناه أحدهم فنشره ووجد له القبول بين الناس, وبعدها انتشر انتشارا قويا مما أدى إلى إنشاء مذهب وحزب مخالف للسنة. وقد يسأل سائل: كيف يقلد شخص شيخه ويترك ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: عندما يبتعد الشيخ عن تربية تلاميذه على التمسك بالكتاب والسنة بما عليه سلف الأمة يحصل هذا الشئ. فتجده لا يخالف شيخه عندما يخطئ في العقيدة بل يتابعه على خطئه ويتعصب له, ونسي أو يتناسى أن لا يصح إعتقادنا إلا إذا اعتقدنا بمثل ما اعتقده السلف, فمن سار على هذا الدرب فلا شك سينتج حزبا يوالي ويعادي عليه.
وإن كان بعضهم يريد أن يغيَر اسم فرقته أو حزبه بأسماء محببة إلى النفوس ولكن لعبتهم مكشوفة! فالإخوان المسلمون أسسها حسن البنا, ومع الرغم من كثرة أخطائه في العقيدة لا يردونها, بل يدافعون عنه وعن أقواله ويلتمسون له لعذر في أي حال من الأحوال, ويقدمون منهجه وعقيدته (بفعلهم وأقوالهم) على منهج وعقيدة السلف, وهذا هو التقديس بعينه! وفي الحقيقة هم “بنائيون” نسبة إلى الحسن البنا, وإنما سموا أنفسهم الإخوان المسلمين لئلا ينكشفوا. وأيضا التبليغ أسسها رجل يدعى محمد إلياس, وإنما سموا أنفسهم جماعة التبليغ لأنهم زعموا أن دعوتهم قائمة على تبليغ دين الله, ولكن السؤال: هل يبلغون الدين على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فطريقتهم في التبليغ ليست على مثل ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبليغ! ويكفينا قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ). فهل بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسير على المنهج الذي سار عليه محمد إلياس وأتباعه؟! حاشا لله, والتبليغيون بلغوا ا شيئا يسيرا ولم يبلغوا أمورا أعظم من الذي بلغوه مثل التوحيد, وأيضا لم يبلغوا هدي النبي عليه السلام في الدعوة, بل خالفوه في طريقة الدعوة إلى الله, فهم في الحقيقة لم يبلغوا عن رسول الله صلى الله عليه في هذا الأمر, لقوله تعالى: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)!
وهذا أحد كبار الحركيين يقول: (لا أذكر لي قولاً قلته ثم تراجعت عنه في كل حياتي العلمية). انظر إلى الغرور وما يفعل, ولهذا فإن أتباعه يتبعونه في كل صغيرة وكبيرة ولا ينكرون عليه, وهو نفسه الذي قال: بعض الناس (أي: السلفيون) أعطوا للحاكم مكانة الرب في التحليل والتحريم! فلا نستغرب منه أو من أتباعه إذا قالوا في يوم ما أن السلفيين يعتقدون العصمة في مشايخهم طالما أنهم يعيبون على السلفيين طاعتهم لولاة أمرهم ويحسبون أنهم يطيعونهم طاعة مطلقة! وإنما طاعة ولاة الأمور مقيدة بطاعة الله ورسوله, وإن أخطأ الحاكم فيسلك معه الطرق الشرعية في النصح لا الطرق البدعية. وأيضا هذا الشيخ نفسه نصح في الإقتداء بالحكومة العلمانية, ولم نسمع أحدا من محبيه أنكر عليه, بل تابعوه على ذلك! فانظر كيف ذهبت مكانة وأهمية العقيدة في حياته وفي حياة أتباعه, والمصيبة أنهم يتهمون السلفيين بتقديس مشايخهم! سبحان الله, من الأولى أن يقال عنه أنه يقدس شيخه؟! وتأمل كم من مسألة تراجع عنها الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وباقي المشايخ الكبار لأنهم غير معصومين, بخلاف هذا الشيخ وأتباعه.
جامية..مداخلة..!
أراد أهل الباطل أن يقابلوا أهل السنة بطريقة النقد, فقالوا: أنتم أيضا تقدسون مشايخكم, فأنتم جامية (نسبة للعلامة محمد أمان الجامي) و(مداخلة) نسبة للعلامة ربيع المدخلي. فالجواب: لماذا لا تقولون بازية نسبة للعلامة الشيخ ابن باز؟ لأن سيفتضح أمرهم, وإنما قالوا جامية ومداخلة لأن هاذين الشيخين كانوا شديدين على أهل الباطل ولهما جهود عظيمة في بيان السنة وكشف البدع والخرافات, ثم ماذا عندهما من مخالفات في العقيدة حتى تقولوا عن تلاميذهم ومحبيهم بأنهم جامية أو مداخلة وتوصفونهم بالحزب؟ سبب هذه الغيرة هو أن هاذين الشيخين لهما طلاب كثر حضروا واستفادوا منهم, وفي الحقيقة هذا ليس تحزبا, وإنما لا يعقل أن يُترك الأفضل للفاضل، فمن الطبيعي أن يستفاد منهم أكثر ممن هو دونهم. قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 11/92): (وأما رأس الحزب فإنه رأٍس الطائفة التي تتحزب, أي تصير حزبا, فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان, فهم مؤمنون, لهم ما لهم, وعليهم ما عليهم, وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا, مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل, والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم, سواء كان على الحق والباطل, فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله). وأهل السنة عندما يقولون قطبية فهذه نسبة لسيد قطب، وأتباعه لا يعترفون بأخطائه مثل سبه للأنبياء وإنتقاصه للصحابة رضي الله عنهم.
أهل البدع يغيظهم توقير أهل السنة لصنفين من الناس, وهما العلماء والأمراء. قال العلامة ابن القيم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ. وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ): والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم, فطاعتهم تبَع لطاعة العلماء, فإن الطاعة إنما تكون في المعروف. ا.هــ. ولهذا كثير من المحاربين للسنة يتهمون السلفيين أنهم أعطوا الحكام منزلة الرب في التشريع والتحريم, وأيضا يتهمونهم أنهم لا يردون شيئا من أقوال علمائهم, فيريدون أن يجروا السلفيين إلى انتقاد علمائهم في الأمور التي يسع الخلاف فيها أولا, مثل بعض الأحكام الفقهية وليس هذا موضع ذكر الشروط في الإختلاف السائغ. والشاهد أن لا يلبي دعوتهم إلا جاهل, ولا يفطن لها إلا العاقل, وهذه بدعة إعتزالية هدفها الطعن في السلف وفهمهم.
ووجدت كلاما جميلا رزينا للعلامة ربيع المدخلي –حفظه الله- قال: (يغيظ هؤلاء الحزبيين أن يروا أهل السنة يحترمون ويوقرون علماءهم وأهل السنة فيهم فيرون أو يوهمون رعاعهم أنه تمجيد وتعظيم من جنس تعظيم وتمجيد غلاة الصوفية وغلاة الحزبية لشيوخهم فيصدقونهم ويسيرون وراءهم كالأنعام لا يفرقون بين حق وباطل, بل يرون باطلهم حقا وحق أهل الحق باطلا ولسان حالهم ]ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم[) من كتاب: حوار مع حزبي متستر, ص18.
وهذا هو الواقع, فدائما أهل الباطل يغيَرون الأسماء, فالقدرية يسمون أهل السنة “جبرية”, والروافض يسمون أهل السنة “نواصب”، وقال الكرماني في كتابه إجماع السلف في الإعتقاد: (أما الخوارج: فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة, وكذبت الخوارج في قولهم, بل هم المرجئة, يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس, ومن خالفهم كافر). وأما اليوم عندنا أمر إضافي على كذا هذه الأسماء, وهو إتهامهم لأهل السنة بتقديس الحكام والعلماء! فليحذر المبتدعة من شراسة تتبعها انتكاسة! فلحوم العلماء مسمومة, وكما قال السلف: إن لم يكن أهل العلم أولياء الله فمن الأولياء؟ ويا ليتهم ينكرون على دعاتهم علانية, وإنما ينكرون على الحكام علانية فقط مع أنها وسيلة ممنوعة, وأما مع دعاتهم فلسان حالهم يقول هم مجتهدون في كل شئ وإن كان في مسائل العقيدة! وبالأمس خرجوا في مصر والذي ترشح من الإخوان قال إن قطع يد السارق ليس من الشريعة, والشريعة الإسلامية (already) موجودة في الدستور المصري! والدستور فيه ما يوافق الشريعة وفيه ما لا يوافق, فمن اعتقد أن ما لا يوافق الشريعة هو حكم الله فقد كفر, والعياذ بالله.
احذروا البدعة الإعتزالية!
المعتزلة كما هو معلوم يقدسون العقل ويقدمونه على النقل بحجة أنهم لا يقدسون الأشخاص ولا يتحزبون لأي أحد, ويقصدون بذلك عدم اتباع السلف! وكل أهل البدع لا يرضون بإتباع السلف ولكن قلت (بدعة إعتزالية) لأنهم اشتهروا بهذا ويصرحون به بخلاف المذاهب الأخرى. وتاريخهم يرجع إلى واصل بن عطاء عندما سأل الحسن البصري سؤالا عن مسائل الإيمان فقال خلافا لما أراد واصل فاعتزل مجلس الحسن فسمي وأتباعه بالمعتزلة! والمعتزلة موجودون إلى اليوم هذا, فهم يعتزلون أهل السنة ومجالسهم ولا يرضون بعقيدتهم. ويقصدون بعبارة “لا نقدس المشايخ” أي لا نتبع السلف, بل نطعن فيهم! نقل الحافظ ابن حجر في الفتح (363/13) وغيره من أهل العلم أن إمام الحرمين قال: (ركبت البحر الأعظم, وغصت في كل شئ نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف). فعل ما فعل فرارا من التقليد (أي: اتباع السلف), وكان مآله الرجوع إلى ما كان يظنه تقليدا وهو مذهب السلف. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح(366/13(: )والعجب أن من اشترط ذلك من أهل الكلام ينكرون التقليد وهم أول داع إليه حتى استقر في الأذهان أن من أنكر قاعدة من القواعد التي أصلوها فهو مبتدع ولو لم يفهمها ولم يعرف مأخذها وهذا هو محض التقليد فآل أمرهم إلى تكفير من قلد الرسول صلى الله عليه وسلم في معرفة الله تعالى(.
وهذا أحد أئمتهم إبراهيم النظام يصف أبا بكر الصديق –رضي الله عنه- بالتناقض! لأنه عندما سئل عن آية, قال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بغير ما أراد الله. وعندما سئل عن آية أخرى قال: أقول فيها برأيي. قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان في الكلام على إبراهيم النظام: (وعاب –أي:النظام- على أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود الفتوى بالرأي, مع ثبوت النقل عنهم في ذم القول بالرأي).
وجميع فرق المعتزلة متفقون على أصول خمسة ولكنهم مختلفون في الفروع, وهذا الإختلاف في الفروع جعلهم يلعنون بعضهم البعض! وهذا المنهج قائم عليه كثير من الأحزاب والجماعات, فهم يريدون أن يسربوا هذا الفكر بين الشباب السلفي ويريدونهم أن ينتقدوا علماءهم وأمراءهم ويأتوهم من باب أنهم غير معصومين, فيبدأ المسكين المشكك في عقيدته بإنتقاد المشايخ الكبار في الأقوال الفقهية طالما أنه مقر أن لا خلاف في العقيدة, وقد يكون هذا المنتقد ليس أهلا للإنتقاد, بل ربما وجدته يفتي بفتاوى شاذة ويأخذ من كل حكم أيسره! ثم ينتقل إلى الأخذ بقول جواز إنتقاد الأمراء علانية, وشيئا فشيئا يميل إلى قول أن الصحابة اختلفوا في العقيدة, ومآله إلى المذهب المعتزلي! فانتبه أيها السلفي واعلم ان للشيطان خطوات فلا تتبعها, وقل للقوم أن فلانا من حزبكم ويسمونه “علامة مصر”, له كتاب في الفقة ملئ بالأحكام الشاذة, ويحق أن يقال عن كتابه فكه لا فقه, وأيضا لديه من الكفريات ما عنده, فلماذا لا تنتقدونه أولا قبل أن تطلبوا من السلفيين أن ينتقدوا مشايخهم؟!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا قدره) صححه الألباني في صحيح الجامع5443. هناك فرق بين أن ننزل أهل العلم منزلتهم وبين الغلو فيهم. والمقصود بالعالم في الحديث العالم السني لا البدعي, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يلتمس العلم عند الأصاغر) رواه الطبراني وصححه الألباني. قال ابن المبارك: الأصاغر هم أهل البدع. والله الموفق.
عبدالله خالد شمس الدين
abdallah_shamsalden@hotmail.com