الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :
أيها القراء الكرام : ما منكم من أحد إلا سيبعثه ربه بعد موته ويسائله ويحاسبه عما قدم في ديناه هذه ، وإن مما يسأل عنه العبد أهله وولده كيف رعايتهإياهم وتربيته لهم وفي هذا يقول – صلى الله عليه و سلم – : ( الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ) . الحديث .
والحديث عن التربية ذو شعب كثيرة ، ولكني سأقتصر في هذا المقام على مايتعلق بتربية البنات خاصة ، لعظم شأنهن ، وبالغ أثرهن في المجتمع أخلاقًا وسلوكًا . فإن البنت إذا كبرت صارت الزوجة والأم والمعلمة وغير ذلك مما ينتظرها من مهمات في الحياة ، فإذا صلحت صلح شيء كثير ، وإذا فسدت فسد شيء كثير . ومحاور هذه الكلمة الموجزة ستكون كما يلي :
إذا نظرنا في كتاب الله وجدناه يشنع على أهل الجاهلية الأولى أن الواحد منهم كان يستاء إذا بشر الأنثى يظل وجهه مسودًا وهو كظيم ، ثم يستحي من قومه فيتوارى عنهم خجلاً ، ثم يأخذ يحدث نفسه أيئدها فيدفنها حية أم يبقيها على الهون ، فشنع الله عليهم ذلك وعابه ، وهذه المشاعر الجاهلية لا تزال تعشعش في قلوب بعض الرجال ولا سيما إذا كثر من امرأته إنجاب البنات مع أن المرأة كالأرض تنبت ما يلقي الزارع فيها من البذور ، وقد يحصل الحال ببعضهم إلى تطليق امرأته عقب ولادتها – نعوذ بالله من الجهل والجفاء – .
لقد كانوا في الجاهلية لا يعدون المرأة شيئًا حتى كان الرجل يدفن ابنته ويربي كلبه ويغذو بهمه . فأبطل الله هذه النظرة الدونية ورفع من قدر المرأة ووضعهافي موضعها الطبيعي الملائم مكلفة له حقوقها وعليها واجباتها ، فخاطبها مخاطبة الرجل أمرًا ونهيًا ، وخصها من الأحكام بما يلائمها ويناسب فطرتها .
إن الإنجاب أمر قدري أمره بيد الله فهو يهب لمن يشاء إناثًا ، ويهب لمن يشاء الذكور ، ويجمع لآخرين الذكور والإناث ويبتلي آخرين بالعقم .
قال تعالى : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ) . [ الشورى : 49 – 50 ] . وتأمل كيف قدم الإناث في الذكر وأخر الذكور ، ردًا على من كان يحقر من شأنهن ، ويتنقص من مقدارهن ، ولا يعدهن شيئًا .
فارض بما قسم الله لك فإنك لا تدري أين الخير !؟ كم من أب فرح يوم أن بشر بمقدم ولد ذكر ثم كان وبالاً عليه ، وسببًا لتنغيص عيشه ، ودوام همه وغمه ، وكم من أب ضجر يوم أن بشر بمقدم بنت في حين كان يترقب الذكر فتكون هذه البنت يدًا حانيةً وقلبًا رحيمًا وعونًا على نوائب الدهر .
ومن هنا ندرك أن قرة العين على الحقيقة ليس بأن يكون المولود ذكرًا أو أنثى ؛ إنما تتحق إذا كانت ذرية صالحة طيبة ذكورًا كانوا أم إناثًا .
قال تعالى في وصف عباد الرحمن : ( هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) . [ الفرقان : 74 ] .
أخي المسلم : إذا رزقك الله بشيء من البنات فأحسن القيام عليهن تربية ونفقة ومعاملة محتسبًا في ذلك الأجر من الله تعالى ، أو تدري ما لك من الأجر عند الله إذا فعلت ذلك !؟ إنك إذا فعلته كنت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في الآخرة .
ففي الحديث يقول – صلى الله عليه و سلم – : ( من عال جاريتين – أي : بنتين – حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) . رواه مسلم .
وقال – صلى الله عليه و سلم – : ( من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار ) . متفق عليه .
والإحسان إليهن يكون بأمور كثيرة ، ومنها :
فكم من فتاة تحمل اسمًا ذا معنى سيئ !؟ وكم من فتاة تحمل اسمًا أعجميا وهي من أبوين عربيين وتعيش في بيئة عربية !؟
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – من أرحم الناس بالصبية عمومًا سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا يقبلهم ، ويمسح على رؤوسهم ، ويدعو لهم ، ويداعبهم . وفي هذا خير كثير .
وكلما كبرت الفتاة احتاجت إلى مزيد من الشعور بالتقدير والاحترام ؛ فإذا وفرت لها هذه الحاجة ، وأحست بأن لها في بيت أبويها قيمة ومنزلة كان ذلك أدعى إلى استقرار نفسيتها وطمأنينتها واستقامة أحوالها .
أما إذا رأت الاحتقار والإهمال فلا تعامل إلا بلغة الأمر والنهي وطلب الخدمة أورثها ذلك كرهًا لبيتها ولأهلها ، وربما وسوس لها الشيطان ، فأخذت تبحث عما تفقد من العطف والحنان بالطرق المحرمة التي تؤدي بها إلى هاوية سحيقة الله أعلم أين يكون قرارها .
إما في النفقة فعلى حسب الحاجة ، وإما في الهبة فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن سوي بينهم فيها فهو حسن .
وتيسير ولي الفتاة أمر زواجها من مهر ومتطلبات أخرى كل ذلك مما يشجع الراغبين في التقدم إلى الفتاة ثم إلى أخواتها من بعدها ، ولتحذر الأسرة المسلمة من تأخير نكاح الفتاة بحجة إتمام الدراسة ، أو بحجة أن الفتاة لا تزال صغيره ونحوها من المعاذير الواهية لأنه أمر يعود المجتمع بأسوء العواقب .
لا يخفى عليك – أخي المسلم – أننا نعيش في زمن كثرت فتنه ، وتهيأ فيه منسبل الفساد والضلال ما لم يتهيأ مثله في عصر من العصور السابقة ، وهذا يؤكد عليك المسؤولية ، ويوجب مضاعفة الجهد في التربية والنصح والتوجيه ، والأخذ بأسباب السلامة ومن سبل الوقاية على وجه الإيجاز :
وقد علمنا النبي – صلى الله عليه وسلم – الاستعاذة بالله من الفتن ، وهكذا ينبغي أن يعلم الأبناء الدعاء ويلقنون منه ما ينفعه الله به ، وحين ابتلي يوسف – عليه السلام – بفتنة النسوة . قال : ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ . فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) . [ يوسف : 33 – 34 ] . وعلل – سبحانه – استجابته دعاء يوسف بأنه سميع عليم حتى يعلم المؤمن أنه دعا ربهدعاء يعلم الله منه الصدق فإن ربه قريب مجيب .
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ
فهذا يوجب على رب الأسرة أن يحتاط ويأخذ حذره فيتنبه لمصادر التغذية الفكرية التي تغذي قلوب وعقول أهل بيته .
هذا وأسأل الله الهداية والصلاح للمسلمين والمسلمات واستقامة أحوالهم ، كما أسأله أن يوفق الفتاة المسلمة للالتزام بدينها ، والثبات على المنهاج الحق ، وأن يعيذها من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والحمد لله رب العالمين .