توجيه ما يذكره ابن تيمية من حسنات بعض المخالفين


سلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد:

فيردد الحزبيون، والمميعة كلام ابن تيمية في ذكر حسنات المخالفين، ومقارنتهم بغيرهم، ويحاول بعضهم -ومنهم السرورية الجدد- تسويغ ذلك بحجة تقويمهم!

أي تقويم في قوم كالإخوان والسرورية قد فُتن الناس بهم فتنة عظيمة وجروا الويلات على أمتنا عقديًّا وأمنيًّا وفتحوا الباب للرافضة؟!، فالواجب التحذير منهم أشد التحذير لا التقويم المدعى!!

أي تقويم في تذويب وتمييع الخلاف معهم بحجة مواجهة الكفار؟ متى سهّل وميّع السلف مع المخالفين لأجل مواجهة الكفار أو المبتدع الأشد؟

ألم يحذر الإمام أحمد من ابن كلاب مع الصراع الشديد مع المعتزلة -وهم أشد- بل وكان ابن كلاب يرد عليهم؟ [1]

ألم يضلل الإمام أبو حامد الإسفراييني أبا بكر الباقلاني مع ابتلاء الأمة يومذاك ببدعة التجهم والاعتزال [2]، بل وكان أبو بكر يرد على المعتزلة والنصارى ومع ذلك لم يتركوه لهذه المصلحة الملغاة التي يرددها السروريون وأخدانهم السروريون الجدد؟

ومن لطيف كلام الإمام أحمد أنه قال: ” لَا تُجَالِسْ أَصْحَابَ الْكَلَامِ وَإِنْ ذَبُّوا عَنْ السُّنَّةِ[3].

وقبل توجيه صنيع ابن تيمية من كلامه، فإن كلامه كثير في الشدة على المخالفين، ومن ذلك أنه وصف الأشاعرة بأنهم إخوان اليهود والنصارى [4].

وقد بين شيخ الإسلام مراده من ذكر حسنات المخالفين، وأن كلامه في ذكر حسناتهم ليس في سياق التحذير، وإنما في بيان قدر خطئهم في أنفسهم وبالنسبة لغيرهم، قال في (شرح العقيدة الأصفهانية):

وإن قيل إن في ذلك تدليسا أو خطأ أو غير ذلك، فليس المقصود ‌هنا ‌تصويب قائل معين ولا تخطئته ولا بيان ما في مقالته من الخطأ والصواب وموافقة السلف ومخالفتهم، بل أن يعلم مقالة كل شخص على حقيقتها، ثم الحق يجب اتباعه بما أقام الله عليه من البرهان[5].

أيها المنصفون: قد دل القرآن والسنة وصنيع السلف وكلام علمائنا الأجلاء على أنه لا يصح أن تُذكر حسنات المخالفين؛ وذلك أن الأصل أن يُحذر منهم، وأن يُنفر من متابعتهم، فإن الله قبل أن يُحرم الخمر قال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ‌قُلْ ‌فِيهِمَا ‌إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: 219] ولما حرمها قال: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ ‌رِجْسٌ ‌مِنْ ‌عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90] فلم يذكر شيئًا من حسناتها.

وقد حذر النبي ﷺ من الخوارج في أحاديث ولم يذكر شيئًا من حسناتهم.

أما صنيع السلف فهو مبسوط مجموع كما جمع كثيرًا منه ابن بطة في (الإبانة الكبرى) وكلامهم متوارد ومتكاثر في التحذير من المخالفين من أهل البدع دون ذكر شيء من حسناتهم، فدونك (الإبانة) لابن بطة.

أما علماؤنا فقد ذكر العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: “ عندما نريد أن نقوِّم الشخص يجب أن نذكر ‌المحاسن ‌والمساوئ؛ لأن هذا هو الميزان العدل، وعندما نحذر من خطأ شخص نذكر الخطأ فقط؛ لأن المقام مقام تحذير، ومقام التحذير ليس من الحكمة أن نذكر المحاسن؛ لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال.[6].

ولا يصح أن تذكر حسنات المبتدع فتهون بدعته بحجة مواجهته لعدو أسوأ عقديًّا من المبتدعة أو الكفار، ثم يُكسا بلباس التقويم ليروج، إن تسمية هذا تقويمًا تلبيس، وصنيع السلف على خلافه كما تقدم.

وقال العلامة الألباني -رحمه الله تعالى-: “… من أين لهم أن الإنسان إذا جاءت مناسبة لبيان خطأ، خطأ مسلم إن كان داعية أو غير داعية لازم أن يعمل محاضرة ويذكر محاسنه من أولها إلى آخرها؟ ” [7].

وقال: ” أما إذا كنتَ في معرِض الرد عليه فلا تذكر مَحاسنه؛ لِمَا ذكرنا -فيما سَمعتم في السؤال- أنك إذا ذكرت المَحاسن ضعُف جانب الرد عليه، وربما يُعجب الإنسان بما عنده من المحاسن ويترك الأخطاء جانباً، هذا هو الطريق في ذكر محاسن الناس ومساوئهم[8].

وسُئل العلامة أحمد بن يحيى النجمي -رحمه الله-: “ س5/ هل من منهج السلف الموازنة بين الحسنات والسيئات في مقام النصيحة أم لا؟

ج5/ هذا ليس من منهج السلف، ولم يقل به أحد إلا في زمننا هذا؛ قال به الإخوانيون، وأتباع الإخوانيين؛ قالوا لابد من الموازنة بين الحسنات والسيئات، وهذا باطل ليس له أساس من الحق ولا أساس من الكتاب، ولا أساس من السنة، ولم يعمل به أحد من أصحاب رسول الله ﷺ ولا من السلف الصالحين، والنبي ﷺ كما هو معروف لما استشارته فاطمة بنت قيس تكلم في معاوية وأبا جهم وقال: «أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضرَّاب للنساء» ولم يذكر من حسناتهم شيئًا، وهكذا إذا أردنا استعراض هذه الأدلة نجدها موجودةً في كتاب جمعه فضيلة الشيخ السلفي ربيع بن هادي مدخلي حفظه الله والرد على القائلين بهذا المنهج [9].

وقال العلامة صالح الفوزان-شفاه الله وأبقاه ذخرًا للمسلمين-: “ إذا ذكرت محاسنهم فمنعاه أنت دعوت لاتّباعهم، لا، لا تذكر محاسنهم، اذكر الخطأ الذي هم عليه فقط؛ لأنه ليس موكولًا إليك أن تزكي وضعهم، أنت موكول إليك بيان الخطأ الذي عندهم من أجل أن يتوبوا منه، ومن أجل أن يحذره غيرهم، والخطأ الذي هم عليه ربما يذهب بحسناتهم كلها إن كان كفرًا أو شركًا، وربما يرجح على حسناتهم، وربما تكون حسنات في نظرك، وليست حسنات عند الله [10].

وأخيرًا، قد اشتهر الحزبيون في المناداة بذكر حسنات المخالفين في مقام التحذير والرد وغير ذلك، فقام عليهم علماؤنا قومةً واحدة وبيَّنوا خطأهم وضلالهم، وأنه لا تُذكر حسنات المبتدعة والمخالفين؛ لأن من مقاصد الشريعة التحذير منهم.

وفي هذه السنيات يُحاول بعض المميعة والسرورية الجدد أن يُحيوا ذلك بعبارات مختلفة والمعنى واحد، كأن يقول أحدهم: ” هذا من باب التقويم “، ويقول الثاني: “ لكن …” ومعنى ذلك: أنه يبتدئ الكلام بذكر سيئات المخالف ومخازيه ثم يعقبها بقوله: “ لكن ” ويرجع إلى مدحه والثناء عليه والتنقُّص ممن يرد عليه أو يشد عليه، إلى غير ذلك، ثم هؤلاء جميعًا متناقضون لا يفعلون ذلك مع السلفيين المخالفين لهم.

اللهم أحينا على التوحيد والسنة وثبتنا عليه حتى نلقاك راضيًا عنا، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.

 

د. عبد العزيز بن ريس الريس

14 / 2 / 1446هـ

________________________________

[1] سير أعلام النبلاء (14 / 380).

[2] درء تعارض العقل والنقل (2 / 96).

[3] الآداب الشرعية والمنح المرعية (1 / 202).

[4] الفتوى الحموية (ص 189).

[5] شرح العقيدة الأصفهانية (ص 128) المكتبة العصرية – ط1.

[6] لقاء الباب المفتوح (67 / 8).

[7] جامع تراث العلامة الألباني (6 / 81).

[8] لقاء الباب المفتوح (127 / 23).

[9] الفتاوى الجلية عن المناهج الدعوية (ص 9).

[10] الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص 32) دار المنهاج – ط4.


شارك المحتوى:
0