بسم الله الرحمن الرحيم
فإن مما كتبه الله تعالى على جميع عباده مؤمنهم وكافرهم: الابتلاء بالخير والشر، لينظر كيف يعملون، ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35].
والمصائب في حق المؤمن الصابر المحتسب كلها خير، فهي كفارة لذنوبه ورفعة لدرجاته، روى مسلم عن صهيب بن سنان -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا ممن إذا ابتُليَ صَبَر، وإذا أذنبَ استغفر، وإذا أُعطيَ شَكَر.
وقد ذمَّ الله تعالى من لم تُنبِّهه المصائب وتُذكِّره بذنوبه وغفلته وإعراضه عن الله، قال سبحانه: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [التوبة: 126] وقال: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41] وقال: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30].
كنا في نعمة، وعرفنا قيمتها بعد زوالها وتغيُّرها، كنا في أمن لم نكن نعلم قيمته، وكنا في كفاية من المأكل والمشرب، والأمن على الأنفس والأموال … وغيرها من النعم التي لم نعلم قيمتها إلا بعد فقدها، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنفال: 53] فنعوذ بالله من الغفلة والإعراض.
فالمتعين على العبد عند المصائب “أن يَشْهَد ذُنُوبَه، وأنّ الله إنما سلَّطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. فإذا شهد العبدُ أن جميع ما يناله منْ المكروه فسببُه ذنوبُه، اشتغلَ بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلَّطهم عليه بسببها …
وإذا رأيتَ العبدَ يقع في الناس إذا آذَوْه، ولا يَرجع إلى نفسِه باللوم والاستغفار، فاعلمْ أن مصيبتَه مصيبةٌ حقيقية، وإذا تاب واستغفر وقال: هذا بذنوبي، صارتْ في حقّهِ نعمةً. قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كلمةً من جواهرِ الكلام: لا يَرجُوَنَّ عبدٌ إلاّ ربَّه، ولا يَخافَنَّ عبدٌ إلاّ ذنبَه. ورُوِي عنه وعن غيرِه: ما نزلَ بلاءٌ إلاّ بذنبٍ، ولا رُفِع إلاّ بتوبة ” [جامع المسائل (1 / 168)].
فلننظر إلى حالنا وما غيَّرنا من أنفُسنا منذ الخروج على الحاكم في ثورة ديسمبر -المشؤومة- وإلى اليوم، ووالله إني لكم من الناصحين، إننا على مستوى الفرد والمجتمع قد قصَّرنا في حق الله كثيرًا بصور ظاهرة وواضحة، وهو سبحانه يحلم علينا ويعافينا ويمهلنا كثيرًا ولا يُعَاجلنا بالعقوبة.
وإنَّ ما حَلَّ بنا من مصيبة هذه الحرب ما هو إلا شيء مِن ثمرة أعمالنا، والسعيد من أصلح نفسه وتضرَّع الى ربه، ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 42-44].
وأقف وقفات مختصرة مع ما ابتلى الله به أهلنا في السودان من هذه الحرب، وما جرَّته من التشريد وانفلات الأمن والاغتصابات … وغير ذلك مما أفسد عيش السودانيين.
الوقفة الأولى: رسالة لكل مسلم ومسلمة اكتوى بنار هذه الحرب.
إن مما لَحِظه كثيرٌ من الناس بعد ثورة ديسمبر المشؤومة عام ٢٠١٨م زيادة سوء المجتمع في جانب دينهم وأخلاقهم، فأصبح كثير من المسلمين يوالون الأحزاب العلمانية التي تصرح بمعاداة الإسلام، كالحزب الشيوعي السوداني ذي التاريخ الأسود في الكفر والإلحاد، والأحزاب العلمانية الأخرى، بل والباطنية الإلحادية كالحزب الجمهوري الذي أسسه المرتد -بحكم المحكمة العليا- محمود محمد طه!
وفي بداءة الثورة يُصرّح محمد يوسف المتحدث باسم تجمع المهنيين العلماني بوجوب فصل الدين عن الدولة، وتعيينهم للمرتد نصر الدين عبد الباري وزيرًا للعدل، والذي استحل الخمر وجعلها من قبيل العادات، وجلب عددًا من الساقطات والمرتدات ليُغيروا قوانين الأحوال الشخصية السودانية وليستبدلوها بقانون سيداو وغيرها من قوانين الغرب.
وكذلك التمكين للحزب الجمهوري الملحد في أكثر منصب حساس، وهو إدارة المناهج التعليمية للمسلمين!
ومما يخدعون به بسطاء الناس: أنهم يقولون: نحن لا نحارب الإسلام، وإنما نحارب الإخوان المسلمين… والإخوان المسلمين وإن كانوا مبتدعةً مفسدين، إلا أن أمثال هذه المخادعات لا تنطلي على من يعرف الإسلام ويعرف العلمانية، فهل الحكم بما أنزل الله خاص بالكيزان؟ هل جلد الزاني عقوبة ربَّانية؟ أم قانون كيزاني؟ …إلخ، فهم يستهزئون بالشرع وما فيه من عقوبات وهي أمور قد فرضها الله في القرآن والسنة! ويُحاربون تطبيق شريعة الله، والله تعالى هو الذي أمر بها، فهل هؤلاء يحاربون الكيزان أم ذات الإسلام؟
وكثير ممن يوالي هؤلاء الكافرين إذا أُنكر عليه يقول: نعلم أنهم يساريون وعلمانيون، لكن نريد أن ننفتح على المجتمع الدولي لتنفتح علينا الدنيا ونخرج من الفقر! إنا لله وإنا اليه راجعون، لنفرض أن العلمانيين يقينًا سيوفرون لنا رغد العيش إذا رضينا بوصولهم للحكم، هل تريد أن تُمكِّن لأعداء الإسلام لتتنعَّم بشيء من متاع الدنيا الزائل في مقابل سخط الله؟!
فضلًا عن أن هؤلاء العلمانيين والملاحدة لا هَمَّ لهم سوى محاربة المسلمين في دينهم، ولا يملكون أدنى خبرة ولا علم في السياسة والأمور الدنيوية، فهم مجرد خونة تُديرهم المخابرات الغربية والإقليمية لتدمير السودان كما ظهر ذلك جليًّا بعد الحرب، يعني خسارة في الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا من فتن آخر الزمان كما روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطعِ الليل المظلم، يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيعُ دينه بعرضٍ من الدنيا».
فاتقوا الله، واعرفوا توحيدكم، واعلموا أنَّ من أوجب واجباته: موالاة أهل التوحيد ومعاداة أعدائه من المشركين والكافرين والبراءة منهم، فاحذروا أن تكونوا كالمنافقين الذين قال الله فيهم: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 138-139].
ثم ما انتشر بعد تمكن أعداء الله الشيوعيين والعلمانيين من مفاصل الدولة من انتشار الفواحش من الزنا واللواط والترويج لذلك وتزيينه للناس ومحاولة تغيير القوانين الرادعة لهذه الفواحش، وغير ذلك من الانحلال الأخلاقي، وما شاع بين الشباب والشابات من ترك الصلوات، والاستهانة بالواجبات … إلخ.
فاتقوا الله وتوبوا إليه، وارجعوا إلى دينكم، ولتكن هذه المصائب سببًا لأن نتذكَّر تقصيرنا في حق ربنا، وأن نصلح أمرنا ونستقيم على الدين، فلا ندري متى يهجم الموت علينا.
ورسالة للذين خانوا الله وخانوا المسلمين بتعاونهم وتقديم الدعم للمجرمين من الدعم السريع في نهب أموال المسلمين واغتصاب نسائهم وسفك دمائهم، أُذكركم بقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: 43] وبما روى ابو داود والترمذي عن أبي بكرة أن النبي ﷺ قال: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ؛ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ».
فضلًا عن الدعاء عليكم من الضعفاء المظلومين الذين اكتووا بنار هذه الحرب، فدعوة المظلوم مستجابة حتى من الكافر، فكيف بالموحدين المظلومين؟
الوقفة الثانية: رسالة إلى الأحزاب الإسلامية -بشقيها الإخواني والذي يزعم الانتساب إلى السلفية-:
أما الأحزاب الإخوانية: فاتقوا الله وتوبوا إليه من هذا المنهج المنحرف في العقيدة والمنهج، فإن من أعظم انحراف جماعتكم -جماعة الإخوان المسلمين وما تفرَّع عنها-: إهمال التوحيد والعقيدة، وضياع الولاء والبراء مع أهل الضلال عمومًا ومع دعاة الشرك خصوصًا، والتمكين لهم، فكم من ضريح يُعبد افتتحتموه للصوفية؟ وكم من طاغوت يُعبد رفعتموه للناس على أنه القدوة وأنه من أولياء الله الصالحين؟ وكثير منكم يعلم أن هؤلاء على شرك وضلال، ولكنه انحراف العقيدة، وضياع الولاء والبراء، وحب الدنيا والسلطة.
كذلك تبنيكم للمبادئ المخالفة للعقيدة كالديمقراطية التي تتضمن اعتقاد جواز أن يحكم المسلمين الأحزاب الكافرة الشيوعية والعلمانية، وتبنّيكم لمبدأ حرية الاعتقاد، وغير ذلك من الانحراف العقدي.
ثم يلي ذلك رفعكم شعار تطبيق الشريعة مع إفسادكم الكبير في المال والجاه، حتى فتنتم كثيرًا من الناس عن دينهم وصاروا يسيئون الظن بكل من يدعوا للحكم بما انزل الله -وهذا ليس مُبررًا لأحد أن يترك شيئًا مِن دين الله بسبب انحراف وفساد بعض من يرفع هذا الشعار، كما أنه لا يُطعن في الاسلام لفساد بعض المنتسبين إليه باسم الإسلام-.
فاتقوا الله وأصلحوا عقيدتكم، وانبذوا هذه الافكار والمبادئ الفاسدة، واستقيموا على الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح من الصحابة واتباعهم بإحسان، لا على فهم حسن البنا أو سيد قطب أو غيرهم من أهل البدع والانحراف ممن تتبعوهم.
أما الأحزاب التي تزعم الانتساب للسلفية (كحزب الوعد): فقد بانت انهزاميتكم وسوء منهجكم وتبعيَّتكم للإخوان المسلمين والسرورية، وأن المنهج السلفي منكم براء؛ حين ارتميتم في أحضان الطرق الصوفية في مبادرة القبوري (الطيب الجد) بزعم تقديم مقترح سياسي لحل مشكلة السودان! وغير ذلك من الانحرافات…
تريدون الإصلاح الديني باسم إنشاء أحزاب سياسية، ثم تكون أول خطوة لكم الوقوف مع القبوريين الذين يصدعون بالشرك حتى في المحافل السياسية التي اجتمعتم معهم في مضمونها السياسي؟؟ أي خذلان هذا الذي وصلتم اليه؟ السودانيون في أمس الحوجة لإصلاح أمر دينهم وإنقاذهم من الشرك والكفر ومستنقع الشهوات، وأنتم تزيدون الطين بلة بهذه الامور المنكرة؟
والله إن هذا الانحراف من المعاصي العظيمة التي هي من أسباب هذه المصائب، وللأسف تسبّبتم في انتكاس وانحراف كثير من المنتسبين للسلفية الى المناهج الإخوانية بسبب رفع بعض أعضائكم شعار الانتساب للسلفية، والسلفية منكم ومن حزبكم براء، بل أنتم إخوانيون منهجًا وسلفيون شعارًا فقط.
فاتقوا الله وتوبوا إليه، واستقيموا على دين الله الذي كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، ولا تأخذوا يمنة ويسرة فتضِلوا وتُضِلوا المسلمين.
الوقفة الثالثة: إلى الأحزاب الملحدة والكافرة من الشيوعيين والعلمانيين.
إن كفركم بالله وكتابه ودينه بفرض العلمانية وإعراضكم ومحاربتكم لتطبيق شرع الله هو كفرُ استكبارٍ وإعراضٍ، وليس عندكم سلطان وحجة على ما أنتم عليه من الإلحاد والكفر، بل كفركم كفر بطن وفرج، فانغمستم في شهواتكم وأهوائكم وكرهتم كل ما يعكر عليكم استمتاعكم بها من الوحي، ورضيتم بالإلحاد والعلمانية وما عليه الغرب موافقةً لأهوائكم وشهواتكم.
وتعيشون في الحياة الدنيا وكأنما خلقت وسخرت لكم لمجرد أن تلعبوا وتلهوا فيها، وكأنه لا يوجد يوم يرجع الناس فيه لرب العالمين ليجزي كل نفس بما كسبت، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: 27].
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ [الطارق: 5-8].
وقال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: 36-40] ” ولو أن الإنسان لم يشاهد توالد الحيوانات، ثم قيل له: إن صانعًا يصنع من هذه النطفة القذرة مثل هذا الآدمي المتصور العاقل المتكلم، لاشتد نفور طبعه عن التصديق بذلك، فخلقه على ما فيه من الأعاجيب، يزيد على بعثه وإعادته، وكيف ينكر ذلك -من قدرة الله وحكمته- من يشاهد البداية؟ فإن كان في إيمانك ضعف، فقوِّ الإيمان بالنظر في النشأة الأولى، فإن الثانية مثلها وأسهل منها ” [مختصر منهاج القاصدين (ص 400)].
فاتقوا الله وارجوا اليوم الآخر، وعظَّموا خالقكم، واعرفوا ضعفكم وضعف الغرب الذي تعظمونه وتعظمون مبادئه أكثر من تعظيم رب العالمين وشرعه، فلن ينفعكم لا الغرب ولا هذه المبادئ التي تُحارب شرع الله وكتابه.
ووالله الذي لا إله إلا هو: إن هذه الحرب وما فيها من دمار وتهجير وقتل واغتصاب …لا شك أنها مصيبة عظيمة، إلا أنَّ المصيبة العظمى التي لا مصيبة بعدها: أن يموت المرء كافرًا! فيخلد في جهنم أبد الآبدين! ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [البقرة: 161-162].
اللهم اهدنا وأصلحنا ورُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، اللهم تب علينا، وأصلح حالنا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، واحفظ دماءنا وأعراضنا، اللهم اكبت أعداء الدين ومَن والاهم، اللهم اقصم ظهورهم ولا تُقم لهم راية، واجعل كيدهم في نحورهم، وانصر جيش السودان على الخونة المتمردين، وأصلح قائدنا البرهان وارزقه الرشد والبطانة الصالحة، وأبعد عنه بطانة السوء يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد بن عبد الحفيظ
19 / 6 / 1445هـ
1 / 1 / 2024م