{جناية أسلمة الديمقراطية على الشريعة الإسلامية}
الحمد لله
ولا حول ولا قوة الا بالله
الرد على من قال بأسلمة الديمقراطية:
إنّ المذاهب الفكرية الإنسانية بما فيها البدع أتت في الغالب نتيجة أمرين:
الأول/ عمليّ كون بعضها أتى ردة فعل غير متوازنة لمماثل لها في الانحراف، ومعاكس لها في الاتجاه.
والثاني/ علميّ، نتيجة لحالة اشتبه فيها الحق بالباطل على المتلقي،
فالاشتراكية مثلا أتت ردة فعل غير متوازنة للرأسمالية في مرحلة من مراحلها،
وفي تاريخنا نحن المسلمين أتى الغلو مثلاً في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذريته بادئ ذي بدء نتيجة تكفيره من الخوارج، وهكذا تتوالى سلاسل الإنحرافات، وتكون في أبرز أسبابها في المقام الأول
وهو السبب الجوهري البعد عن الوحيين الكتاب والسنة لعدم الاقتناع بهما، ثمّ تأتي بعد ذلك الأسباب العملية من فعل نتيجة اشتباه بين الحق والباطل وردة فعل له غير متّزنة وغير ذلك من الأسباب، ومن لزم الوحي وطريق السلف هُدي ونجى.
ومن هذه المذاهب الإنسانية مذهب الفردية ذي الأصول الباطنية الذي خرجت منه أكثر المذاهب والأفكار والمبادئ المنحلة خصوصا الغربي منها .
وبعضها يخدم بعضا مع تضارب ظاهري فيما بينها؛ وذلك عند تفسيرها، لكنها في النهاية تسير في خدمة الاتجاه الفردي الباطني وأوّل مهامه إزالة الأديان السماوية أو تحريفها على الأقلّ.
فالليبرالية مثلاً نظرة فردية للحياة عامة وجناحها الاقتصادي الرأسمالية أو الاقتصاد الحر، وجناحها السياسي هي العلمانية بنوعيها الشمولي الاجتماعي في حال قوة الدين سياسيًا وذلك لمحاربته، والحكومي في حال ضعف الدين سياسياً .
و مبدأ جناحها العلماني وركيزته هو الإتجاه الديمقراطي بجميع آلياته من انتخابات وغيرها، فنلاحظ هنا مدى وقوة ارتباط الديمقراطية بالمذهب الفردي الباطني ومدى خدمتها له وتهيئتها المناخ السياسي لينمو ويضرب أطنابه، بل إنّ الديمقراطية ماهي إلا وليدة من ولائده فيستحيل علميّا بحال من الأحوال اقتطاعها وجعلها تابعة لموجود واتّجاه آخر، فإنّ هذا سيولّد مسخ ثقافي مضادّ أو متناقض وهذه نتيجةٌ ثقافيّة حتمية.
فما بالك إذا كان هذا الموجود الآخر أعلى من الديمقراطية واتجاهها الفردي ولا يحتاجها لكمال نظامه ألا وهو الإسلام قال الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتبنّى مسلم الديمقراطية؛ لأنّه لابد أن يتخلى عن الجزء الذي يقابلها إسميّا في هذا النظام الكامل وهو الإسلام فمن تبنى الديمقراطية كمن أورد ممرض على مصحّ لأنّ الاتّجاه الديمقراطي ماهو إلّا تناولٌ منحرف وغير متوازن لمسألة التعامل مع السلطة يستدعيه انحراف كامن في منهج ونظرة من تبنّاه سواء أخذه وألغى غيره أو أخذه و أدخله في نظام آخر، والذي من صوره الأسلمة أوالشرعنه أي تسويغه شرعاً، فالتنازل عن المبادئ الأصيلة في مقابل تبنّي مبادئ أُخرى وارد ورودا حتميا في حالة الأسلمة.
فإيراد وتبني مبدأ إنساني محدث مثل الديمقراطية قيمته العليا الحرية الفردية وجعله طريقا وسبباً فاعلاً ليحقق مبدأ إلهي من شريعة الله قيمته العليا الانقياد للنص لهوا عين التناقض، والانتقاص للشرع الإلهي الذي هو شرع الله، فهو من جهة تناقض لوجود الاختلاف والتناقض في القيم التي هي أساس قيام أيّ مبدأ ، وهو من جهة أُخرى انتقاص للنهج الإلهي لأنك جعلت المذهب الإنساني الناقص محققا للمنهج والشرع الإلهي الكامل ليس على سبيل التكليف العملي من العبد بل على سبيل الإحتياج التشريعي من المنهج و الشرع الإلهي للمنهج الإنساني وهذه حالة المنهج العاجز الناقص وحاشا المنهج والشرع الرباني الإلهي أن يكون ناقصا أو عاجزا و محتاجا لغيره ،
فكيف يقارن أمر الله وهديه بالنهج البشري الاجتهادي الناقص، فضلاً عن وضع هذا الاجتهاد البشري مهيمنا على الأمر والشرع الإلهي وليس نداً له فقط.
وبعبارة مختصرة بسيطة جدا أنّهم بمحاولتهم أسّلمة الديمقراطية جعلوا المنهج الرباني كأنه محتاج للمنهج الانساني، وهذا عين الضلال والتخلي عن شرع الله والاتهام له بالنقصان والعجز. فالأسلمة مبدأ مرفوض من أصله لأنّه رمي للشرع بالنقص والاحتياج في تشريعيه لغيره. لكن باقي الأمور الحياتية من إدارة لشؤون الدولة والأعمال الأخرى وتقنياتها التابعة لها فلا شك أننا نحن المسلمين بحاجة اليها بصفتنا بشر كما أنّها لا تتعارض مع شرع الله، لكن بعض الجهلة يخلط بين هذا وذاك .
ومن جهة أخرى فإنّ قبول الديمقراطية يؤدي بلا شك وبشكل حتمي إلى الدخول في العلمانية الحكومية، ومنها إلى الليبرالية ومنها إلى الفردية كاملة، والسبب في ذلك واضح وهو أنّ كل كيان من هذه الكيانات الفكرية التابعة للاتجاه الفردي يحمل شيئاً من الكيان الآخر مما يؤدي إلى أنّ قبول وتبنّي كيان واحد منها يحتّم بشكل علمي وعملي قبول باقي المنظومة الفردية الوحودية شيئا فشيئا وهذا ثابت فكريّا و حاصلٌ على أرض الواقع أيضا، وما حدث في تركيا على يد اردوغان الإخواني ثم العلماني ثم الليبرالي منّا ببعيد، فلقد تدرّج في قبول وتبنّي الكيانات الفكرية الفردية واحدا تلو الآخر إلى أن ظهر بتشريع يحمي المثليين في مثليتهم.
و بالرجوع إلى تاريخ نشأة تنظيم الإخوان فقد ظهر هذا التنظيم بصفته أوّل الداعين إلى أسلمة الديمقراطية و سِرّ لجوء الإخوان المسلمين ومن دار في فلكهم إلى الديمقراطية ومحاولة أسلمتها يرجع الى عدم اقتناع مفكريهم ومنظّريهم بأصل الولاية العامة في الشريعة الاسلامية وما يتبعها من بيعة وسمع وطاعة ولزوم لجماعة المسلمين وإمامهم.
فلم يقبلوها كما جاءت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك لإنحرافهم في هذا الأصل وهنا مربط الفرس ومكمن الخطر وهو عدم القناعة بهذه العقيدة لأنها تُضاد الاتجاه الفردي الباطني الذي تأثروابه والذي وجد منذ الآف السنين و فُعّل بشكل أكبر في الغرب في المائتين والخمسين سنة الأخيرة، لقد تربى حسن البنّا على أيدي وأفكار وكتابات جهابذة الماسونية الشرقية أمثال محمد عبده و جمال الدين الافغاني و الكواكبي الذين كانوا مفتونين بالاتجاه الفردي الذي كان سائداً في الغرب في أيامهم فتشكّل عند مؤسس الجماعة قبول وقناعة بالديمقراطية وأنّها السبيل إلى العزة والرفعة فاتخذها طريقا له وطالب بها.
ونخلص مما سبق إلى أنّ في محاولة أسلمة الديمقراطية وآلياتها عدة نواقض لأصول الدين
فأولها: اتهام الدين أنّه ناقص وأنّه محتاج لغيره احتياجاً تشريعياً ليقوم، ويكفي في هذا نقضا للدين بالكلية قال الله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
و ثانيها: أنّه سماح لغير الإسلام أن يكون حاكما وذلك بناءً على فلسفة وأساس الديمقراطية وهذا في حد ذاته ناقضا ولا يمكن أسلمته إلّا بالتخلي عن هيمنة الإسلام و خاتميته قال الله تعالى ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَبِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّاجَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْۖ) وهنا البلاء فيما أتانا.
أمّا ثالثها: وأتوا فيها بثالثة الأثافي لقيام انتقاض الدين هو أنّ آلية الديمقراطية وهي الانتخابات تُعَرِّض شريعة الله للتصويت هل يُحكم بها أو لا يُحكم بها، وفي حالة اختيار الأغلبية شرع الله لكي يُحكم به فإنّهم قد أخذوا حُجّيّة الحكم بشرع الله وإلزاميته لهم من اختيار الأكثرية لا من أمر الله وإلزامه لعباده أن يُحكم بشرعه، وهنا الكارثة فقد صارت الأغلبية مهيمنة على الشريعة و ليس العكس، ولو حكموا في الظاهر بشرع الله فإنّهم في حقيقة الأمر التزموا بشرع الله لا لشرع الله ذاته، بل لقول وإختيار الأغلبية فحكموا بما تأمر به الأغلبيّة لا بما أمر الله به.
إنّ هذه الجريمة والخطيئة وهي أسلمة الديمقراطية تعتبر من أعظم جرائم تنظيم الإخوان وجنايتهم على الشريعة، وقد وقف ضد هذا علماؤنا رافضين و مفندين لها.
وأمّا أضرار الأسلمة العملية فلا تسل عنها فإنّها كثيرةٌ ولعل الله أن يُيَسر مقالا أُفرده لها باذن الله تعالى.ا.هـ
كتبه أخوكم
عبدالله بن محمد الشبانات
في يوم الخميس الموافق
١٤٣٩/٢/٢٧هـ