حفر زمزم


الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

عباد الله : بما سنستقبل من أيام مباركات يسعى فيها الحجيج لحجهم ، قاصدين البيت والحرم وزمزم ،

ماء زمزم الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم  : ” إنها مباركة إنها طعام طعم ”  رواه مسلم ، وقد نص فقهاء المذاهب الاربعة على استحباب الاكثار من شرب ماء زمزم والتضلع منه وثبت عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفا وله حكم الرفع أنه قَالَ: «شُرْبُ زَمْزَمَ بِأَخْذِ الدَّلْوِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، فَيَشْرَبُ مِنْهَا حَتَّى يَتَضَلَّعَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَضَلَّعُ مِنْهَا مُنَافِقٌ» وثبت عنه أنه ” إِذَا شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ , قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ ”

تلكم البئر المباركة كان جد نبينا إسماعيل صاحبها ، وأول من شرب منها رغم أنه لم يحفرها لكنها من أجله تفجرت.

ولي البيت الجراهمة، وكان معهم بنو إسماعيل إلا أنهم لم ينازعوهم الملك والرئاسة لخؤولتهم وقرابتهم، استمرت “جرهم” تلي أمر البيت الحرام وزمزم فترة من الزمن ، فما لبثوا أن بغوا بمكة وظلموا ، فأجمعت خزاعة على حربهم وإخراجهم من مكة، فاذنوهم بالحرب، فاقتتلوا، واعتزل بنو إسماعيل الفريقين، فلما غلبت جرهم وهموا بالخروج من مكة عمدوا إلى بئر زمزم فطموها وبالغوا في طمها

ومنها خرج أبناء إسماعيل، وتفرقوا في تهامة، إلى أن رجعت إلى قريش فأجلو خزاعة من مكة، وكانت زمزم في تلك الأثناء قد أُهمِلَت إلى أن دَرَسَت وخفت معالمها، فحفرت قريش أبيارا بمكة، حتى أذن الله سبحانه وتعالى أن تعاد زمزم ، وكان ذلك قبل ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم على يد جده عبد المطلب ، لتكون ارهاصا لقرب خروج نجم النبي صلوات ربي وسلامه عليه .

روى ابن إسحاق بسند قوي عن عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جد النبي أنه قال: إِنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ لِي: احْفِرْ طِيبَةَ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا طِيبَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ثم جاءه ثلاث ليال ، فَجَاءَه في الرابعة فقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ: فدلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنَّه قَدْ صُدِقَ، فغَدًا بِمِعْوَلِهِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ – وَلَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ – فَحَفَرَ فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطَّيُّ كَبَّرَ فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ إِنَّهَا بِئْرُ أَبِينَا إِسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وَأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ، قَالُوا لَهُ: فَأَنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا. قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمْكُمْ إِلَيْهِ. قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ. وكانت بالشام وبينها وبينهم مَفَاوِزُ ، فانطلقوا حَتَّى إِذَا كَانُوا في طريقهم نَفَدَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ فَعَطِشُوا حَتَّى اسْتَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّا بِمَفَازَةٍ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ.

فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمُ الْآنَ مِنَ الَقُوَّةِ فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارَوْهُ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ ، فحفر كل واحد منهم قبره ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطْشَى، فما لبثوا أن قام عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ من العجز فارتحلوا ، فَارْتَحَلُوا حَتَّى إِذَا تحركت بعَبْد الْمُطَّلِبِ رَاحِلَتهُ انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ فَكَبَّرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ، وَاسْتَقَوْا حَتَّى مَلَئُوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمَّ دَعَا قَبَائِلَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَقَالَ: هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ فَجَاءُوا فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا كُلُّهُمْ، ثُمَّ قَالُوا لِعَبْدِالْمُطَّلِبِ: قَدْ وَاللَّهِ قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا وَاللَّهِ مَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إِنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُو الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ فَارْجِعْ إِلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إِلَى الْكَاهِنَةِ، وَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَمْزَمَ.

زادها الله شرفا

أقول ما سمعتم

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ , وَلِيُّ الصَّالحِينَ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النًّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ :

عباد الله : جده إسماعيل هو أول من جاء مكة من

أجداده بل هو أول من سكن مكة .

عندما وصل إليها كان طفلًا محمولًا ، كان رضيعًا ، لكن مكة كانت أكثر طفولة .

كانت أرضًا عراء ، جدرانها جبال ، كانت واديًا بلا شجر بلا حياة بلا بشر ، تمر بها القوافل والرياح فلا تتوقف .

فكيف هي الآن (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ )

عباد الله : بركة ماء زمزم في الماء ذاته أينما كان، وليست متعلقة فقط في مكان زمزم أو زمان شربه أيام الحج والعمرة، بل قال الملا علي القاري، رحمه الله:

” وأما نقل ماء زمزم للتبرك به فمندوب اتفاقا ”

روى الترمذي وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله معه في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم)

 


شارك المحتوى:
0