حكم إرسال هذه الرسالة: “احرص على أن تُطوى صحيفة أعمالك آخر السنة: باستغفار وتوبة وعمل صالح”
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فقد اعتاد بعض الناس ـ أصلحهم الله وسددهم وبصرهم بدينه وشرعه – في هذه السنين التي نعيشها اليوم على التواصل مع الأهل والقرابة والجيران والأصحاب في آخر العام عبر رسائل الجوال أو الوتس آب أو الفيس بوك أو البريد الإلكتروني أو مواقع الإنترنيت بهذه الرسالة:
“ احرص على أن تُطوى صحيفة أعمالك آخر السنة: باستغفار وتوبة وعمل صالح “.
وما شابهها وشاكلها من الكلمات.
وهذه الرسالة وما شابهها وشاكلها من الرسائل مما يحرم على المسلم والمسلمة إرساله وتناقله ونشره بين الناس، لأمور ثلاثة:
الأمر الأول: أن في هذه الرسالة وإرسالها دعوة للناس إلى تخصيص آخر العام بشيء من العبادات.
وتخصيص زمن كيوم أو ليلة أو شهر بعبادة لم يرد تخصيصه بها في القرآن العزيز ولا في السنة النبوية الصحيحة يعتبر من البدع المحدثة في الدين، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحذر أمته في خطبه من البدع المحدثة في الدين فيقول: (( وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس في خطبته الوداعية محذراً من البدع المحدثة في الدين: (( وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )).
وثبت عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال عن البدع المحدثة في الدين: (( وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ )).
ولا ريب عند كل مؤمن بالله ورسوله أن ما وُصِف في الشرع بأنه شر، وأنه ضلالة، وتُوعِّد عليه بالنار، يدخل في المحرمات والسيئات، والمنكرات والخطيئات، والآثام والأوزار.
وعليه فيكون إرسال هذه الرسالة من نشر البدع المحرمة بين الناس، وإحيائها، ودعوة الناس لفعلها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مرهباً من ذلك: (( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا )).
الأمر الثاني: أن القول بأن صحائف الأعمال تطوى في آخر كل عام قول يحتاج من صاحبه إلى دليل من القرآن أو صحيح السنة، إذ الطَّيُّ من أمور الغيب، وإلا كان قائلاً على الله وفي دينه وشرعه بغير علم، والقول على الله وفي شرعه ودينه بغير علم من كبائر الذنوب، وعظام الخطايا، وفظيع السيئات.
فأين دليل مرسل هذه الرسالة على هذا الطَّيِّ، حتى يسارع ويسابق إلى إرسالها ونشرها من غير ترو ولا مراجعة.
ثم إن التاريخ الهجري لم يوضع إلا في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -.
فيا ترى متى كانت تُطوى صحائف أعمال من كان من الناس قبل وضعه؟.
الأمر الثالث: أن المقرر عند أهل العلم أن صحائف أعمال العبد إنما تطوى بالموت، ولا تزال صحيفته يُكتب فيها ما عمل من خير أو شر حتى ينتهي أجله بالموت.
وقد قال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في “تهذيب سنن أبي داود”(12/ 313 – كتاب السنة – باب: 16 – بعد حديث:4694 – بهامش عون المعبود):
ونظير هذا رفع الأعمال وعرضها على الله تعالى، فإن عمل العام يرفع في شعبان، كما أخبر به الصادق المصدوق، أنه: (( شَهْر تَرْفَع فِيهِ الْأَعْمَال، فَأُحِبّ أَنْ يُرْفَع عَمَلِي وَأَنَا صَائِم )).
ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس، كما ثبت ذلك في “صحيح مسلم.
وعمل اليوم يرفع في آخره، قبل الليل، وعمل الليل في آخره، قبل النهار.
فهذا الرفع في اليوم والليلة، أخَصّ من الرفع في العام.
وإذا انقضى الأجل رُفع عمل العمر كله، وطُويت صحيفة العمل.اهـ
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد