دواعش الثورة الفرنسية
التعريض بـ ( عادل الكلباني)
من تأمل واقعنا، وقرأ التاريخ، يجد العجب العجاب في تكرر الحوادث الماضية ومشابهتها بالأحوال المعاصرة. وهذا شاعرنا طرفة بن العبد في عجز بيته يقول:
ما أشبه الليلة بالبارحة.
وصاحبنا ابن خلدون في مقدمته التفت إلى هذه الملاحظة، فقال: «إن الماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء ».
وهذا حق، ومن ذلك ما نراه اليوم من تلك «النبتة» التي برزت في البلدان المحيطة بنا مع ثورات 2011م، تلك الجماعة التي تنتسب زورا إلى السماء، وتحكم بالكفر على جميع الناس، وتحتكر الإيمان لأنصارها، وكثير من أتباعها لا يعرف الفرق بين حرف الألف وعمود النور!
وهي التي اشتهرت بقطع الرؤوس، والتفنن في أساليب القتل والتنكيل. تلك التي يسمونها جماعة «داعش »
جماعة تكر وتفر في داخل بلداننا «فقط»، وأراضينا «فقط» هي ساحة معاركهم، ورؤوسنا «فقط» على قائمة أهداف مقاصلهم.
هذه «النبتة» البشعة المشوهة «داعش»، لم تكن نبتة مناهج أسلافنا، ولا هي مولودة في أوطاننا، إنما كان لها سلف عند الغرب في تاريخهم.
كيف ذلك؟
وهل يعقل أن الغرب كان لديه شبيه بداعش التي نبتت «أو أنبتها هو» عندنا اليوم؟
إن تواريخ أوروبا تقول: نعم، إن داعش، بشكلها «الثوري»، وتصرفاتها المجرمة، كان لها وجود من قبل في أوروبا، ففي فرنسا، يخبرنا المؤرخ الإنجليزي فشر في كتابه «تاريخ أوروبا في العصر الحديث» قائلا: «سادت الفوضى مع الثورة الفرنسية في كل شيء، ولم يوجد في طول البلاد وعرضها من يطيع القانون، وانتشرت على إثر ذلك أعمال الشغب والعنف، وبرز، بشكل واضح السوقة الصاخبون والغلاة المتطرفون »
أما العالم الفرنسي غوستاف لوبون (المتوفى سنة 1931)، فيصف في كتابه «روح الثورات»، أمر الرعاع في الثورة «والذين يشبهون في تصرفاتهم داعش اليوم» قائلا: «لم يمتد شأن الرعاع كامتداده أيام الثورة الفرنسية، فمنذ أن تفلتوا من قيدهم سنة 1789م أخذوا في ذبح الناس، وتشريح المسجونين وهم أحياء، ومثلوا بهم. وهكذا يسير الرعاع عندما تقضي الأيدي الغافلة على الزواجر الرادعة لغرائزهم المتوحشة »
ويقول لوبون: «أدى حب حكومة الثورة الفرنسية لسفك الدماء إلى قطع رؤوس شيوخ جاوزوا الثمانين، ورؤوس كثير من الأطفال والفتيات». أليس هذا ما يفعله داعش اليوم؟
ويقول أيضا: «قامت عصابة من رعاع الثورة بكسر حواجز القصر الملكي وقتلت بعض الحراس، وجيء بالملك وأسرته بين جماعة تصرخ وأناس يحملون على رؤوس حرابهم هامات قتلى الحراس »
ويخبرنا تاريخ الثورة الفرنسية بأنه قد أقيمت في فرنسا 187 محكمة ثورية، منها 40 محكمة كانت تحكم بالقتل، وقد حكمت محكمة باريس على 2625 نفسا بالموت، ولم يكن قضاة المديريات أقل نشاطا من قضاة باريس في الحكم، فقد قصلوا في مدينة أورانج الصغيرة رأس 331 نفسا، وبلغ مجموع الذين قصلت رؤوسهم 17000 نفس، منهم 1200 امرأة، وكثيرات منهن كن مجاوزات سن الثمانين.
ويذكر لوبون بأن الثوار قطعوا رؤوس 4000 من الفلاحين و3000 من العمال. وأنهم قتلوا في مدينة نانت وحدها في يوم واحد ما يقرب من 5000 شخص من الذكور والإناث والولدان. إلى جانب ذلك كانت تجول فرنسا جيوش ثورية مؤلفة من قطاع الطرق واللصوص ناهبة قاتلة.
فداعش إذن نبتت «هناك»، ولم تنبت «هنا». وولدت «هناك»، ويراد لها أن تنمو وتترعرع «هنا»، و«من شابه أباه فما ظلم »
د. سلطان بن فالح الأصقه
Dr_SultanAsqah@