اطلعت بمرارة على تعقيب الأخ “علي البراك” للزي الموحد للعاملات في القطاع الصحي في (العدد 4009) تحت عنوان “على وزارة الصحة أن تمنعالنقاب في المستشفيات” في هذه الصحيفة الرائدة فأحببت أن يكون لي مع هذا المقال وقفات يسيرة فأقول وبالله التوفيق:
قد كان من الواضح أن الأخ بعيد تمام البعد عن الحقيقة المرة التي تحصل في ردهات المستشفيات من بعض المتدربات أو الطبيبات من استهتار لحرمة المريض بلباسها الفاتن الذي لا تقول عنه حجاباً للأسف الشديد فكأننا نرى منهن من تتجول كأنها في قصر أفراح! فكيف إذا ترك الحبل على الغارب وكشفت الوجوه؟
بالنسبة للسؤال الذي تبادر إلى ذهن الأخ هل الحجاب الذي تريده وزارة الصحة يقوم على تغطية الوجه أو كشفه؟
فأجيب: إذا كشفت المرأة وجهها فماذا تستر؟أتستر شعرها ؟ إن الجميع بلا مخالف يؤكد أن الوجه مجمع الحُسن، وأقرب ما نرد على جواز كشف الوجه هو جواز نظر الخاطب للمخطوبة فلو كانت كاشفة لوجهها، فما الداعي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم بجواز نظر الخاطب لمخطوبته؟ وقد رآها في الشارع والسوق… أليس ذلك دليلاً واضحاً على وجوب ستر المرأة لوجهها.
وكما هو معلوم فالشريعة تمنع كشف القدم من المرأة، فكيف لها أن تبيحكشف الوجه! وهذا لا يمكن أن يكون واقعاً في الشريعة العظيمة المنزهة عن التناقض.
إن من يقول أن كاشفة وجهها تُعد محجبة فإنه يلزمه أن يعد الرجال في جزيرة العرب محجبين عند من يقول أن الأصل في الحجاب عدم غطاء الوجه، فالواقع أن الرجال يخرجون إلى الصلاة والأسواق وهم محجبون لأنه لا يبدو منهم غير الوجوه. فهل عاقل من يقول ذلك؟! أم هل عاقل من يحاج به؟! ليثبت للناس ما زعم، ويحسب أنه لى شيء.
أما قولك: (إن كثير من النقابات التي تلبسها العاملات في المستشفيات تحمل من الفتنة والجاذبية ما هو أكثر من البنطال..) فهذا إقرار منك بأنه لا يفتن الرجال شيء كما يفتن الوجه، وليس مكمن الزينة والفتنة غير الوجه. فكان الأولى تغطية الوجه بدلاً من كشفه، لأن الحقيقة التي لا ينكرها إلا متجاهل أن أشد الفتن على الرجال وأضرها هي النساء، كما أخبر الصادق المصدق صلى الله عليه وسلم فمجرد صوت حديدة (الخلخال) تلبسها المرأة قد تعصف بقلب الرجل الحازم.
فهل يرضى من فيه أدنى غيرة ورجولة أن أخته أو امرأته العاملة في القطاع الصحي تكون مرتعاً للأنظار؟! ومائدة مشكوفة أمام ضعفاء النفوس؟!
وأخبروني بربكم أي ريبة عندما يظهر من النقاب سوى البؤبؤ؟ على حد ما ذكر الأخ بقوله: (المتنقبات بطريقة غريبة بحيث لا يظهر سوى البؤبؤ وهو نقاب يثير الريبة ويحول دون العطاء والإنجاز…)
فمنذ متى كان غطاء الوجه يتعارض مع العطاء، فالحقائق صعب تجاهلها، فليعط الأدلة الواضحة على ذلك، ولا يقول الكلام جزافاً، لأن المرأة في مجتمعنا المسلم في غنى عن هذه الدعوة الباطلة، فهي بحجابها الساتر سيدة أعمال ومبدعة و… وفي كافة أوجه الحياة وتسجل حضوراً إيجابياً، وإننا نشاهد أهل الدنيا يفتخرون بلباسهم ومثال على ذلك الأطباء، أليس الواحد منهم يلبس الملابس التي تميزه عن غيره في المستشفى، وكذا رجال الأمن.
لذلك فلتعتز كل مسلمة بأن لباسها لحجابها هو اختيار ربها سبحانه لها، وهو أرحم بها من نفسها.
وعلق الأخ الفاضل بقول: (إن على وزارة الصحة توضيح أحكام الشريعة للعاملات….) فمعنى ذلك – أخي الكريم – أن تتولى وزارة الصحة إصدار الفتوى والأحكام الشرعية، وبالأخص فيما يتعلق بالحجاب، بينما تنتقل مهام وزارة الصحة لمجلس الإفتاء بالإشراف على المستشفيات، والعناية بالمرضى بدلاً من إصدار الفتوى؟!
أما الاستدلال الذي ذكر ه بأنه عليه الصلاة والسلام: “ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما” فتخير الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما في حالة ما لم يكن حراماً، وهذا لا يكون إلا عند من يأخذ أحكام الشريعة على منهج منيقول: قال تعالى: {فويل للمصلين} ثم يسكت، نعوذ بالله من الغي.
فكان الأحرى بالأخ أن يستدل أولاً ثم يحكم ثانياً: لا أن تحكم ثم تستدل.. وهذا أنك جعلت المتبوع تابعاً وجعلت الأصل عقلك والفرع الكتاب والسنة. فلا يسع الإنسان إلا نصر قوله فقط بقطع النظر عن كونه صواباً أو خطأ.
وكم أعجب من جرأتك باتهام علمائنا الأفاضل والمجتهدين منهم أنهم يعملون جاهدين لتغييب الأقوال والآثار الدالة على جواز كشف الوجه، بل الأدهى والأشد اتهامهم بتغييب الأحاديث النبوية! ففيما ذكرت بهتان للعلماء، لأن مقالك تضمن الاعتداء على أشخاصهم، والاعتداء على ما يحملونه من الشريعة. فاعلم أن لحوم العلماء مسمومة كما ذكر، وهم أشد الناس خشية لله عز وجل، فأحسن الظن، ومن المستحيل أن يُجمع السواد الأعظم منهم على أخفاء الحق. وأحذر من إطلاق اللسان، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” والله لو سرنا علىهذا لسلمنا من أشياء كثيرة، وما أكثر ما يقول الإنسان كلاماً ويكتبه، ثم يندم عليه كما قال الشاعر:
وما من كاتب إلا ويفنـى ويبقى الدهر ما كتبت يداه
وما لمست من حرصك الشديد بقولك: “اقتصار العاملات في القطاع الصحي وهو الوضع المناسب أن الحجاب تغطية شعورهن فقط، وعدم وضع مساحيق الزينة والتجميل…”
والطريف في هذا المنطق إيجاد فرص للعمل بأن تفتح وزارة الصحة مجالاً آخر لتوظيف الشباب، للإشراف على العاملات في المستشفيات لمنعهن من وضع مساحيق التجميل، وربما وضعت العقوبات الصارمة! وهذا ما أعتقد أن الجميع يشاركني الرأي!!
وكم كنت أتمنى أن يكون مقالك شكراً لوزارة الصحة للضوابط التي وضعتها، وإن استطعت اقناع بعض المسؤولين بحجتك، فما أنت فاعل أمام ملك الملوك في يوم الحساب.
واعلم أخي الكريم إن تعليقي على مقالك إنما ينم غيرة على هذا الدين العظيم، فالمسلم مرآة لأخيه المسلم، ومحبة الخير لهذه الجريدة الحبيبة بُغية أن تكون على هدي قويم، ومثل مستقيم.
وأخيراً إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.
بقلم: وفاء بنت ناصر العجمي
الأخصائية الاجتماعية، كلية الخدمة الاجتماعية بالرياض