يقول السائل: رجل سافر إلى مكة للحج، فهل يجوز له أن يقصر صلاته، طيلة مدة الحج حتى الرجوع إلى بلده، أم يتم مع الجماعة؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن أصح أقوال أهل العلم: أن من عزم الإقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يتم من أول وصوله، كما قرَّر ذلك الإمام مالك والشافعي وأحمد، وهو اختيار شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى؛ وذلك أن أطول مدة نُقِلت على النبي صلى الله عليه وسلم في القصر في الإقامة هي بقاؤه بالأبطح، وبقاؤه بالأبطح لم يتم أربعة أيام صلى الله عليه وسلم.
أما ما جاء من قصره في سفره من المدينة إلى مكة، كما قال ابن عباس، وروى البخاري: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة إلى مكة، فصلى ثمانية عشر يومًا، يقصر الصلاة».
فهذا كما قال الإمام أحمد، -وقلَّ من يفقهه- فيما لا تعلم نهايته، فإنه مما لم يعلم نهايته، لأنه صلى الله عليه وسلم قد خرج للحرب والقتال، وهو لا يعلم متى سيرجع صلى الله عليه وسلم، وكم سيستمر بقاؤه؟ لذلك قصر هذا القصر صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع العلماء على أن السفر الذي لا تعلم نهايته فإنه يقصر فيه وإن طالت المدة، وقد دل على ذلك السنة كما تقدم في حديث ابن عباس وغيره من فتاوى عبد الله بن عمر، وحكي الإجماع ابن المنذر رحمه الله تعالى.
أما ما علمت نهايته، فالأصح أنه إذا أراد أن يتم أربعة أيام، فإنه يتم صلاته.
ومما ينبغي أن يُعلم أن منى ومزدلفة أصبحت تابعة لمكة، وأصبح الجميع مدينة واحدة، فمكة ومنى ومزدلفة أصبحت مدينة واحدة، لذلك المتنقل بينها متنقل في مدينة واحدة، فلذا؛ الأصح عند أهل العلم أن القصر في منى ومزدلفة وعرفة هو لأجل السفر، فإذا انتفت علة السفر فإنه يتم، هذا مذهب جماهير أهل العلم، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد، واختيار شيخ الإسلام، وابن القيم، رحمهم الله تعالى، واختيار شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
ومن المعلوم أن المتنقل بينها متنقل في مدينة واحدة، ولا يقال إنه مسافر، لأنها أصبحت كالمدينة الواحدة كما تقدم.
إذًا؛ الأظهر – والله أعلم- أن الصلاة تتم في منى، وكذلك في عرفة ومزدلفة، إلا أن الجمع في عرفة ومزدلفة هو لأجل النسك، وقد أجمع العلماء على ذلك كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
والكلام على هذه المسألة يطول، لكنه فرع على الأصل الذي تقدم ذكره في مدة إقامة السفر.