رداً على سامي الماجد ..
(جواب الشيخ صالح الفوزان هو جواب أهل السنة والجماعة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد اطلعت على مقال للكاتب سامي الماجد بعنوان (مراجعة لفتوى التكفير للفوزان ) نشره في جريدة الحياة يوم الجمعة ١٤٣٤/٧/٢١هـ
وموضوع المقال ما انتقده الكاتب على جواب الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان على سؤال وجه له قبل أيام فيمن قال بأن حديث العلاج ببول الإبل لا أعترفُ بصحته؛ لأن البول وشربه ضد الفطرة السليمة، لا حديث بول الإبل، ولا حديث جلد الظهر وأخذ المال، هذه أحاديث ضد الفطرة السوية وإساءة للإسلام». وأن الشيخ أجاب – «هذا ملحد! هاللي يقول الكلام هذا ملحد زنديق، يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يقبل قوله، ويجب أن يعامل معاملة المرتد عن دين الإسلام).
ويقول الكاتب سامي الماجد: (والمظنون بالشيخ بما نعلمه عنه من تحرُّزٍ في أمر التكفير، أنه لو عرضت عليه فتواه محررة مرة أخرى لتراجع عنها بلا تردد، وأظنه إما أنه فهم السؤال على غير وجهه، أو هي زلة لسان…)إلخ كلامه.
وأقول رداً على هذا الكاتب:
أولاً: يجب على الجميع تعظيم سنة النبي ﷺ واحترامها.
عن أبي رافع – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله ﷺ (لا ألفين أحدكم متكئًاعلى أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه).. أخرجه أهل السنن،
والمعرض عن السنة معرض عن القرآن.
قال تعالى(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)،
وقال تعالى(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)؛
فأهل السنة والجماعة إذا صحت لهم السنة عن النبي ﷺ لم يتوقفوا عن العمل بها، واعتقاد موجبها على أن يوافقها موافق، بل يبادرون إلى العمل بها من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها، والواجب على من بلغته السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ من المراجع الصحيحة التي تلقاها أهل العلم القبول – كصحيح البخاري ومسلم وما ثبت في السنن والمسانيد التي هي دواوين أهل الإسلام – الواجب أن يقبلها وأن يعاملها بما كان يعاملها به الصحابة حين يسمعونها من رسول الله ﷺ، فينزل نفسه منزلة من سمعها منه ﷺ سواء فهمها أو لم يفهمها.
والواجب على المسلم إذا أشكل عليه شيء من السنة الصحيحة، أو وقع في نفسه منه شيء، فينبغي له أن يسلم له ولو لم يفهمه ولا يبادر إلى إنكاره ورده، أو تركه وعدم العمل به، كما يفعل أهل الزيغ ، قال علي رضي الله عنه: (إذا حدثتم شيئاً عن رسول الله ﷺ، فظنوا جبه الذي هو أهدى، والذي هو أتقى، والذي هو أهيا) أخرجه ابن ماجه في المقدمة باب تعظيم حديث رسول اللهﷺ، والتغليظ على من عارضه، والأخذ بالسنة الصحيحة وتعظيمها دليل على الإيمان وكماله عند العبد، والتهاون بها ونبذها أو نبذ شيء منها دليل على ضعف الإيمان أو عدمه بالكلية، والله المستعان.
ثانياً: يجب على العلماء وطلبة العلم الوقوف ضد من يعتدي على السنة المطهرة برأي فاسد أو تشكيك أو اعتراض، والواجب النشاط في ذلك، وليراجعوا ما كتبه العلماء الناصحون في هذا المقام ومنهم الشيخ عبد العزيز ابن باز ففي مجموع فتاويه شيء كثير من نصرة السنة والرد على من أنكرها كما في المجلد الأول ص82 بعنوان(حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض أو مشتمل على بعض الخرافات أو وصف الرسول بما يتضمن تنقصه أو الطعن في رسالته) وفي ص211 وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها وفي المجلد الثاني ص400 ومواضع أخرى كثيرة.
ثالثاً: يجب على ولاة الأمر وفقهم الله تشديد العقوبة الرادعة تجاه من يتفوه باعتراض على السنة النبوية المطهرة، ومن أعز السنة أعزه الله ومن أذل السنة أذله الله، وإن إنفاذ سيف الشرع الإسلامي وأحكامه وتعزيراته لكفيلٌ بإذن الله بقطع دابر أهل الأهواء والضلالات.
وأذكر في هذا المقام ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية مع ضلال ردوا الشريعة بتصرفات وأحوال وأقوال باطلة فاستنهض همة ولي الأمر لمعاقبتهم فقال الأمير لابن تيمية:(فبأي شيء تبطل هذه الأحوال. فقلت: بهذه السياط الشرعية. فأعجب الأمير وضحك، وقال: أي والله، بالسياط الشرعية تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية، وأمسكت سيف الأمير وقلت : هذا نائب رسول الله ﷺ وغلامه، وهذا السيف سيف رسول الله ﷺ، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله، وأعاد الأمير هذا الكلام…) مجموع الفتاوى(470/11)
رابعًا: يجب التفريق بين تكفير المعين وتكفير غير المعين وما نقله الكاتب عن الشيخ صالح الفوزان يصنف عند أهل العلم من باب تكفير غير المعين وليس المعين، ولهذا كان الشيخ صالح الفوزان يستعمل في مخاطبة من وقع منه هذا الكلام المنكر وأمثاله التفصيل، ففي مقالة للشيخ بعنوان :(ثناء بلا غلو) سلك هذا المسلك لأن الكاتب معين وهو المخاطب والمتناول للحديث وإلا فحكم من ادعى في شخص أنه يعلم ما كان وما يكون: الكفر، وهكذا في مخاطبته للكاتب محمد بن عبداللطيف آل الشيخ حيث يقول له – كما في موقع الشيخ – :(ما قلته من الاعتراض على التداوي ببول الابل وغيره من الأحاديث الصحيحة خطأ يلزمك الرجوع عنه
من صالح فوزان الفوزان إلى الكاتب الأستاذ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: وصلني قصاصة فيها ما نصه:(محمد آل الشيخ مستعد للتراجع عن التشكيك في حديث بول الإبل حال رأي صالح الفوزان أنه مخطئ). والجواب: لا يسعني وقد علقت الأمر بي إلا أن أجيبك فأقول: 1- كل العلماء وطلبة العلم فيما بلغني خطؤوك في هذا وليس هذا رأيي فقط 2- ما كان يليق بك وأنت حفيد الدعوة السلفية أن تتفوه بمثل هذا ونحن تلقينا عن آبائك وأجدادك عقيدة التوحيد التي عليها سلف الأمة وأئمتها فتشذ عنهم أنت. ومن عقيدة السلف احترام أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ﷺ لا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى). 3- لا يقدم شيء على أحاديث الرسول ﷺلا العقل ولا الطب ولا قول المخالف من الفقهاء قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، مع العلم أن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح وأن الفقهاء يخطئون. 4- ما لم تدركه العقول مما جاء عن الله ورسوله ففرضه التسليم والانقياد لأن العقول قاصرة و عرضة للخطأ وما جاء عن الله ورسوله معصوم، والطب عمل بشري وهو عرضة للخطأ. 5- أبوال الإبل طاهرة كلحومها لأن كل ما يؤكل لحمه فبوله وروثه ومنيه طاهر كما ذكر الفقهاء. 6- وبناء على ما ذكر فما قلته من الاعتراض على التداوي ببول الإبل وغيره من الأحاديث الصحيحة خطأ يلزمك الرجوع عنه والرجوع إلى الحق فضيلة)
فانظر رعاك الله إلى قول الشيخ وعباراته فقال له أنت أخطأت ولم يقل له كفرت !!
فهذا المسلك الذي سلكه الشيخ صالح الفوزان فيما يتعلق بالمعين .
وأما ما يتعلق بالتكفير بالعموم أو تكفير غير المعين فهو الذي يتناول المقالة دون القائل فيقال من قال كذا فهو كافر، وهذا أمر معلوم عند أهل السنة والجماعة ولا يشكل ولله الحمد، ومن ذلك القول الذي سئل عنه الشيخ صالح الفوزان ونقله الكاتب سامي الماجد (حديث العلاج ببول الإبل لا أعترفُ بصحته؛ لأن البول وشربه ضد الفطرة السليمة، لا حديث بول الإبل، ولا حديث جلد الظهر وأخذ المال، هذه أحاديث ضد الفطرة السوية وإساءة للإسلام) فهذا الكلام لا شك أنه كفر وإلحاد ورد للسنة المطهرة ولكن لا يلزم من ذلك أن يكفر كل من قاله من المعينين، والقول المسؤول عنه الشيخ هنا لم يعترض على الحديث النبوي من جهة سنده –كما ادعى سامي الماجد – وإنما اعترض عليه بدعوى أنه يخالف الفطرة السليمة وتسيء للإسلام فيكون معناه أن أحاديث النبي تعارض الفطرة السليمة وتسيء للإسلام !
ثم إن المقولة التي سئل عنها الشيخ لم يقتصر فيها على حكم شرب بول الإبل والخلاف الفقهي في ذلك وإنما تناول أيضا حديثا أشد وهو ما يتعلق بالسمع والطاعة ولزوم الجماعة فأنكره، ومعلوم أن السمع والطاعة ولزوم الجماعة أصل كبير عند أهل السنة والجماعة خالف في هذا الأصل الخوارج والمعتزلة وسلكوا مسلك الخروج والفتن وسفك الدماء وتفريق كلمة المسلمين.
قال ابن تيمية رحمه الله 🙁 فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك؛ ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى و كذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله و رسوله ،وأيضا فإن تكفير الشخص المعين و جواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها؛ و إلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر،ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة و التابعين كقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر، وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة؛ اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي و غيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال كفروا، و إن أقروا به جلدوا، فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق فإذا أصروا على الجحود كفروا … ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية و النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم و قضاتهم و شيوخهم وأمرائهم)انظر كتاب الرد على ابن البكري (2/492) والاستقامة (1/163)، ومجموع الفتاوى(3/354) ، (10/329، 12/500).
وهذا الذي لم يفهمه الكاتب سامي الماجد حيث ظن أن السؤال الموجه للشيخ صالح الفوزان تكفير لشخص معين، وهذا غير صحيح.
ولعل الكاتب عرف ضعف مقالته وحجته فكتب في آخرها (وأخيراً أؤكد خطورة هذه الفتوى وأنا أستحضر الفرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وأن التكفير المطلق للفعل لا يلزم منه تكفير فاعله المعين،) فكيف تستحضر التفريق ثم تنزل كلام الشيخ على أنه تكفير لمعين. إني أسألك أيها الكاتب : أين وجدت في ما نقلته أن الشيخ صالح الفوزان كفَّر شخصاً معيناً في هذه الفتوى التي نقلتها؟! فإذا كان الشيخ لم يكفر معينا بطلت مقالتك كلها .
وهذا الجهل وقع من آخرين لما رأوا رد الشيخ الشيخ صالح الفوزان على بعض الكتاب ممن تفوه بكلام خطير فظنوا أن الشيخ تساهل معهم، وكل هذا يعود إلى عدم ضبط مسائل التكفير والإنكار والله المستعان.
خامساً : التفصيل الذي ذكره الكاتب أن من رد الحديث النبوي يعتقدُ ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبين مَن يردُّ حديثاً لإنكاره أن يقول النبي مثله. فالأول هو الذي يصدق عليه قوله في فتواه: «يردّ على النبي صلى الله عليه وسلم»، ولذا حكم العلماء بردته، بخلاف الثاني، فقد يكون يعتقد شذوذ الحديث؛ لنكارة المتن، أو السند…).
أقول: هذا القيد لا دليل عليه فمن الملاحدة من يرد الأحاديث وهو لا يعتقد صحة ثبوتها فهل يرتفع عنه حكم الكفر!
ثم إن هذا التفصيل الذي ذكره الكاتب يُحتاج إليه عند تنزيل الحكم على المعين، وأما الإطلاق فليس على كل حال يُفَصّلُ هذا التفصيل؛ بل لكل مقام مقال ، فعند مقام التعليم وبيان الضوابط فيما يقع به الكفر مما لا يقع فيه الكفر يُبين مثل هذا، وعند مقام التحذير والزجر فيطلق القول بالتكفير فيمن رد الحديث عن رسول الله ﷺ، والأقوال التي ساقها الكاتب هي حجة عليه لا له؛ فقول إسحاق بن راهويه (من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ (يُقرُّ بصحته) ثم ردَّه بغير تقية فهو كافر» وقول ابن الوزير: «التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (مع العلم أنه حديثه) كفر صريح) مندرج تحت هذه القاعدة.
وأزيد على هذه النقول ما يلي:
قال البخاري رحمه الله : سمعت الحميدي يقول : كنا عند الشافعي فأتاه رجل فسأله عن مسألة فقال: قضى فيها رسول الله ﷺ كذا وكذا، فقال الرجل للشافعي ما تقول أنت؟ فقال سبحان الله : تراني في كنيسة، تراني في بيعة، ترى على وسطي زنّاراً، أقول قضى رسول الله ﷺ كذا وكذا، وأنت تقول لي ما تقول أنت؟! ،
وقال ابن خزيمة : قلت لأحمد بن نصر الخزاعي ، وحدث بخبر عن رسول الله ﷺ: أما تأخذ به فقال :(أترى على وسطي زناراً، لا تقل لخبر النبي ﷺ: أتأخذ به، وقل أصحيح هو ذا؟ فإذا صح الخبر عن رسول الله ﷺ قلت به شئت أم أبيت).
وقال محمد بن إسماعيل الترمذي: كنتُ أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث ، فقال : أصحاب الحديث قوم سوء ، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول : زنديق زنديق حتى دخل البيت. وقال أبو نصر بن سلام الفقيه يقول : ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث ورواياته بإسناده.
وقال البربهاري في شرح السنة : (إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع).
فعلى طريقة الكاتب سامي الماجد هل يصح أن يعترض على قائلي هذه المقولات من علماء الأمة الناصحين الراسخين في العلم، هل يقال لهم : لماذا لم تذكروا بقية الضوابط في تكفير المعين!
فطريقة أهل العلم واحدة وهي التفريق بين تكفير المعين فيشددون ويتحرزون أشد التحرز وبين تكفير غير المعين فيحذرون المسلمين من الوقوع في الكفر، ولكل مقام مقال.
سادساً: ما زعمه الكاتب من التفريق بين من يرد الحديث لأجل نكارة في المتن أو صحة السند وبين من يرده لغير ذلك متناقض مع كلامه السابق حيث يقول: ( صحيح أن ثمت فرقاً بين ردّ العلماء لهذه الآحاد من الأحاديث، والذي يكون عن منهج علمي سائغ يجمع بين علمي الرواية والدراية، وبين ردّ غيرهم الذين قد يتوهمون في (آحادٍ) من الأحاديث مخالفته للعقل الصريح، وما المخالفة إلا لمنطق عقولهم غير السليم.ومهما يكن الاختلاف بإعذار الأول، وتخطئة الآخر؛ إلا أن منزع التكفير هنا غير وارد…)
أقول: أليس الكاتب زعم في أول مقالته (الفرق بين من ردَّ حديثاً يعتقدُ ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبين مَن يردُّ حديثاً لإنكاره أن يقول النبي مثله)
فجعل الأول هو الذي يستحق التكفير بخلاف الثاني ، وهو هنا في التفريق الثاني عنده جعل من يرده لتوهم مخالفته العقل مخطئ !! وهذا تناقض !
والحق أن يقال إن من رد الحديث لتوهم مخالفته العقل قسمان؛ القسم الأول: من يجعل العقل حاكما على السنة ومقدما عليها فهذا كافر.
والقسم الثاني: من يجعل السنة هي الحاكمة والمقدمة على العقل ولكن ظن عدم ثبوت الحديث فرده فهذا هو المخطئ، وهذا على نوعين أيضاً:
قسم من أهل العلم والمشتغلين بمعرفة الحديث وأسانيده وهم يعتمدون في ذلك على الإسناد ولا يردون الحديث لمجرد مخالفة العقل وهذا من عمق علمهم وورعهم ، ك
والقسم الثاني قسم جاهل مجترئ على السنة فهذا من الضلال والانحراف ويخشى عليه من الكفر إن استمرأ ذلك.
قال ابن تيمية رحمه الله : (فلا بد من الجزم بأنه يمتنع أن يعارض خبره – أي رسول الله ﷺ– دليل قطعي: لا سمعي، ولا عقلي ، وأن ما يظنه الناس مخالفا إما أن يكون باطلاً، وإما أن لا يكون مخالفاً، وأما تقدير قول مخالف لقوله، وتقديمه عليه : فهذا فاسد في العقل، كما هو كفر في الشرع، ولهذا كان من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أنه يجب على الخلق الإيمان بالرسول إيماناً مطلقاً جازماً عاماً: بتصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أوجب وأمر، وأن كل ما عارض ذلك فهو باطل، وأن من قال يجب تصديق ما أدركته بعقلي، ورد ما جاء به الرسول لرأيي وعقلي، وتقديم عقلي على ما أخبر به الرسول، مع تصديقي بأن الرسول صادق فيما أخبر به ، فهو متناقض، فاسد العقل، ملحد في الشرع ، وأما من قال : لا أصدق ما أخبر به حتى أعلمه بعقلي، فكفره ظاهر، وهو ممن قيل فيه: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الانعام:124)، وقوله تعالى :{فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} (غافر:82-85)…. فمن عارض الكتاب والسنة بآراء الرجال كان قوله مشتقا من أقوال هؤلاء الضلال كما قال مالك رحمه الله: أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد r لجدل هذا ) درء التعارض (1/189-191)
والحافظ السيوطي رحمه الله كتب رسالة سماها: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ، وذكر في أولها أن من أنكر السنة وزعم أنه لا يحتج بها فقد كفر إجماعاً، ونقل كثيراً من كلام السلف في ذلك
سابعاً: من حجج الكاتب ما يلي (وإلا دخلنا مدخل التكفيريين؛ فإن تساهلهم في التكفير وتوسعهم فيه لا يبعد كثيراً عن إطلاق التكفير – كما في الفتوى الآنفة – من دون تفصيل وتفريق بين الحالتين، بل سيجعلون من هذه الفتوى مسوِّغاً لمنهجهم وشاهداً يستأنسون به).
أقول لفظ التكفيري أو التكفيريين لفظ غير وارد في الكتاب والسنة ، والصحيح أن يقول الخوارج أو الغلاة ونحو ذلك لأن التكفير على نوعين تكفير بحق دلت عليه الأدلة الشرعية ، وتكفير بغير حق وهو ما يسلكه الغلاة والخوارج.
ثم إن مسلك الخوارج يخالف مسلك أهل العلم في ضوابط في التكفير التي قررتها الشريعة، وفيما تقدم من كلام ابن تيمية من التفريق بين تكفير المعين وتكفير غير المعين ما يميز منهج أهل العلم عن منهج الخوارج والغلاة.
ثم إن الغلاة يعلمون أشد العلم بل حتى الكاتب! يعلمُ أتمَّ العلم أن الشيخ صالح الفوزان وقف سدّاً منيعاً بفضل الله تعالى عليه أمام الخوارج والغلاة وأهل الأهواء فكيف يتعلق هو أو هم بكلامه وهو ينقض مذهبهم ويبطل طريقتهم!فلعل الكاتب يطلع على مؤلفات الشيخ صالح الكثيرة التي فيها تجلية مسائل التكفير وتقريرها وفق منهج أهل السنة والجماعة.
وللفائدة أحيل القارئ إلى ما نشره الشيخ من مؤلفات وفتاوى ومقالات في الرد على الخوارج والغلاة وطريقة الشيخ في التفصيل والتمييز ومن ذلك مقالة بعنوان (ضابط الحكم على من يحكم بغير ما أنزل الله) ليعلم شيئا من طريقة الشيخ ومنهجه حفظه الله تعالى.
ثامناً: من خلال العنوان الذي وضعه الكاتب يظهر لكل قارئ أنه يريد به إساءة الظن بالشيخ ومحاولة إدانته وهذا واضح من بداية مقالة سامي الماجد، وهذا سوء أدب مع عالم راسخ في العلم معروف بردوده عى الغلاة والخوارج وأهل الأهواء وهذا أمر معلوم للجميع، ومن تعرض لأهل العلم فإن عرضه مفضوح وأمره إلى سفال.
فإن كان الكاتب في نفسه شيء على الشيخ فليبينه بصراحة ويوضح مقصده فإنه إن بين ذلك سقط من أعين الناس، ولله الحمد؛
فإن مكانة الشيخ صالح الفوزان ولله الحمد معلومة معروفة عند عامة أهل الإسلام، يحفظون حقه، ويعرفون قدره، ويدعون له، ويشكرون جهوده العلمية، ونصحه للمسلمين، عامتهم وخاصتهم.
حفظه الله ونصر به السنة وكفانا الله شر أهل الأهواء والضلالات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
كتبه: فهد بن سليمان بن إبراهيم الفهيد
الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
١٤٣٤/٧/٢١هـ