يقول السائل: سمعت كلامًا لبعض أهل العلم عندكم بالسعودية سهَّل في قتل السفير الروسي بتركيا، فما رأيك؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: قد سمعت هذا الكلام أيضًا، إن كان الكلام الذي يقصده السائل وهو أن أحدهم يقول: سأل أحد المشايخ، وأجاب بجواب، مفاده: أنه لا ينبغي أن يجزم بحرمة مثل هذا ولا بجوازه، وأن المسألة كبيرة، ولها جهات مختلفة إلى غير ذلك.
ومثل هذا الجواب قطعًا خطأ، وهو مخالف لإجماع أهل العلم، وكلمات أهل العلم كثيرة في مثل هذا.
وأعجب لمن ينتسب للعلم أن يشكّك في مثل هذا، وذلك أن الأمان في الشريعة سبب في حقن دم الحربي، فضلًا عن من دخل بلاد المسلمين سفيرًا.
وقد أخرج البخاري من حديث علي رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
وأخرج البخاري ومسلم في حديث أم هانئ بنت ابن أبي طالب أنها أجارت رجلًا حربيًا وكان عليًا يريد قتله، فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ».
فإذا كانت هذه المرأة قد أجارت رجلًا حربيًا، وأجازت الشريعة إجارتها، بل علماء المذاهب الأربعة على أن من أعطته المرأة أمانًا من الحربيين؛ فإنه أمان لا يجوز أن يعتدى على هذا الحربي؛ بل حكاه ابن عبد البر رحمه الله تعالى إجماعًا، وأنه ما خالف إلا ابن الماجشون، وأن المخالفين كابن الماجشون قولهم شاذ هم محجوجون بالإجماع.
هذا في أمان امرأة لرجل حربي، فكيف إذا أعطت الدولة أمانًا ولسفير؟! فهو أولى، وأولى أن يحفظ مثل هذا الأمان، ولا يجوز أن يعتدى عليه.
فكل ما يحصل به الأمان، وقد ذكر ابن عبد البر أن كل ما يحصل به الأمان ولو كان بالإشارة، فإنه إذا أُشِّر بإشارة، وفُهِم من هذه الإشارة أمان، فإنه أمان، لا يجوز أن يُعتَدى على هذا الذي أعطي هذا الأمان.
هذا كما تقدم في امرأة، وفي رجل حربي، وأن الإشارة التي يعرف بها الأمان كاف، فكيف بما هو أشد من ذلك، وهو أن يدخل في بلاد المسلمين، ويعطى أمانًا واضحًا، ثم بعد ذلك يأتي أحد المسلمين، ويغدر بقتل هذا الكافر!
فمثل هذا الفعل محرم، ولا يجوز في الشريعة.
صحيح أن بلاد الكفر اليوم عادت المسلمين وقتلتهم كما هو حال روسيا وغيرها من دول الكفر، فأسأل الله بقوته أن يكسرهم، وأن يجعلهم شذر مذر، وأن يجعل العاقبة لأهل الإسلام والتوحيد والسنن بقوته، وهو القوي العزيز.
لكن هذا شيء، وأن تعصي الله بالغدر وبإخفار المسلم في أمانهم، هذا شيء آخر، وإذا تأملتم الأمان للسفراء يكون من الدول، أي من الحاكم، ومن الدولة، فإخفار الذمة في مثل هذا أشد حرمة من أمان يخفر لأجل امرأة كما في قصة أم هانئ.
فالمفترض لهذا العالم أن يتقيَ الله، وأن يبين الحق بجلاء وبوضوح، وألا يكون عاطفيًا في جوابه.
وقد يقول قائل: إن هذا العالم لم يجوِّز.
يقال: صحيح، لكن شكك في حرمة ما هو ظاهر الحرمة.
لو سئل سائل ما حكم الزنا؟
فيقال: ينبغي أن يتأمل في هذا الزنا وما دافعه إلى آخره، ثم لم يجوّزه ولم يحرِّمه، لكان خطأ ظاهرًا وبينًا.
ومثل هذا يقال في مثل هذا الغدر الذي حصل في قتل هذا الكافر، فإنه كافر عدو لله ورسوله، والذي جعلنا نبغضه هو الله في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
والشريعة التي جعلتنا نبغضه قد حرمت الغدر، وقد أخرج مسلم من حديث بريدة، وتأملوا هذا الحديث وهو في قتال الكفار، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا»، هذا في قتال الكفار وقد نهينا عن الغدر، فكيف في مثل الأمان لسفير قد دخل بأمان وحماية من المسلمين؟
ثم أختم بأمر قد ذكر العلماء مسألة، وهي أن شبهة الأمان أمان، وممن قرَّر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “الصارم المسلول”، فلو أن كافرًا جاء إلى بلادنا يظن أن له أمانًا، فمثل هذا يعطى الأمان، ولا يجوز أن يعتدى عليه.
بل يقال له: ارجع، فإنه لا أمان لك، ثم يرجع بعد ذلك، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه؛ لأن شبهة الأمان أمان، فكيف بمثل هذا السفير؟!
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنا، وجزاكم الله خيرًا.